حوارات، مجتمع

في حوار مع “العمق”.. خبير تربوي يقدم مفاتيح التعامل مع الأبناء خلال الحجر الصحي

قال الإطار التربوي والمتخصص في قضايا الأسرة الدكتور ربيع حمو، إن موضوع تربية الأبناء موضوع مركزي في حياة الأمم والشعوب لأنها ضمان الاستمرارية والوجود الحضاري، مؤكدا على أنه يكتسي أهمية بالغة خلال فترة الحجر الصحي الذي فرض بسبب جائحة “كورونا”.

وأشار ربيع حمو في حوار أجرته مع جريدة “العمق” حول تحديات الأسرة في رعاية الأطفال خلال الحجر الصحي، إلى عدد من المشاكل التي قد يواجهها بعض الآباء في تربية أبنائهم خلال فترة الحجر الصحي، وكذا بعض الأخطاء التي قد يقع فيها الوالدان خلال هذه الفترة.

وذكر المتخصص في قضايا الأسرة ضمن الحوار ذاته ثلاثة مبادئ قال إنها ستساعد الآباء في وضع برنامج مع أطفالهم خلال الحجر الصحي، المتمثلة في بناء تعاقد قائم على التوجيه والتوافق، والمصاحبة، وزرع القيم الإيجابية.

وشدد المتحدث على أن هذه الفترة الاستثنائية التي فرضت على الأبناء والآباء المكوث بمنازلهم “فرصة ثمينة إذا أحسن استثمارها بتجديد العلاقة مع أبنائنا، وجبر التصدعات الحاصلة فيها دون شك”.

وفيما يلي نص الحوار كاملا.

• مع ظهور وباء كورونا وإقرار حالة الطوارئ الصحية، طفا موضوع تربية الأبناء على السطح بشكل كبير، لماذا في رأيكم هذا الاهتمام بهذا الموضوع في هذه الظرفية؟

تربية الأبناء أصلا موضوع مركزي في حياة الأمم والشعوب لأنها ضمان الاستمرارية والوجود الحضاري، وبالنسبة للآباء فهم امتدادهم لذلك تجد تهمم الآباء والأمهات بالغا بتربية أبنائهم وحسن تنشئتهم، وفق ما يعتقدونه صحيحا.

لكن الموضوع خلال فترة الحجر الصحي اكتسى أهمية بالغة لعدة أسباب، منها:

1. أن الأبناء صاروا يقضون كل وقتهم داخل المنازل، في ظرف استثنائي، ليس نهاية الأسبوع ولا العطلة الفصلية ولا الصيفية، لكنه الزمن العادي؛ وأكيد أن هذا الوضع شكل ارتباكا واضطرابا لدى الأطفال والمراهقين، مع استحضار عدم قدرتهم على استيعاب خصوصية الحالة الوبائية ومقتضياتها.

2. حرمان الأطفال من حاجات أساسية بفعل الحجر الصحي، مثل حصر طاقتهم في نشاطهم البدني في مجال ضيق داخل المنازل، ونعلم أن كثيرا من المنازل والشقق تعرف ضيقا مع كثرة أعداد أفراد الأسرة.

3. كما أن التوقف عن التعلم الحضوري في المدارس كان له أثره النفسي. ولا يخفى ما تمثله المدرسة بالنسبة للأطفال. على اختلاف أعمارهم. فالأطفال في المرحلة الأولى للتعليم الابتدائي يكون لهم تعلق عاطفي ووجداني كبير بمدرساتهم ومدرسيهم، لذلك فغياب ذلك الاتصال المباشر كان له أثر، أما المرحلة الثانية والإعدادية والتأهيلية، فالمدرسة ليس مصدرا للمعرفة والتعلم وإنما فضاء اجتماعي نسجوا فيه علاقاتهم، وصارت مجموعة أصدقائهم تشكل جزءا من هويتهم ووجودهم.

4. التعليم عن بعد، وما صاحبه من إشكالات متعلقة بالجانب النفسي وعدم توفر بعضهم على إمكانيات مادية لمتابعة دروسهم، أو غياب من يساعدهم في إنجاز الأعمال وإرسالها.

كل ما سبق أدى إلى اضطراب سلوكي وانفعالي لدى الأطفال.

5. ويبقى الإشكال الأكبر هو أن الوالدين بدورهما يعيشان تحت وطأة الأعباء النفسية والاجتماعية والمالية للأسرة خلال هذه المرحلة الحرجة. انضافت إليها مسؤوليات إضافية، وأعباء جديدة أثقلت كاهلهم. منها ما يتعلق بتدريس الأطفال فقد أصبحت مواكبة تعليمهم من مهامهم، والتواصل اليومي مع المدرسين من خلال هواتفهم الشخصية في كثير من الأحيان. دون تأطير تربوي لهم ولا إعداد مسبق لهذه العملية الطارئة.

6. عدم استعداد كثير من الآباء لتحمل مسؤولية رعاية أبنائهم، تلك الرعاية التي استقالوا منها سابقا لصالح دور الحضانة والمدارس ومواقع التواصل الاجتماعي.

• ما هي المشاكل التي قد يواجهها بعض الآباء في تربية أبنائهم خلال هذه الفترة؟

1. المشكل الرئيسي يتجلى في تقبل الأبناء لهذا الوضع وحسن فهمه والتفاعل معه بإيجابية،

2. القدرة على الانخراط في برنامج متكامل يستجيب للمتطلبات الوجدانية والمادية والعقلية للأطفال، في ظرف استثنائي. ونقصد بذلك توزيع متوازن للنوم والدراسة والأنشطة الأسرية، والتعامل العقلاني مع الأجهزة الإلكترونية ومشاهدة البرامج التلفزية.

3. ظهور سلوكات انفعالية واضطرابات وتعنت وعنف بين الإخوة. مع استحضار الوضع النفسي للآباء أيضا.

4. عدم قدرة كثير من الآباء على مساعدة أبنائهم في مرحلة التعليم عن بعد لمشكل مادي أو الافتقار للمهارات اللازمة لذلك.

• ما هي بعض الأخطاء التي قد يقع فيها الآباء والأمهات خلال الحجر الصحي؟

في كثير من الأحيان لا ندرك أن الأطفال يعيشون وضعية صعبة، ربما تفوق وضعية الكبار، لأنهم أقل استيعابا لخصوصية الجائحة. كما ينبغي تفهم حاجات الأطفال ووضعيتهم النفسية والتي تختلف من مرحلة لأخرى، فالصغار خصوصا يحتاجون للعب والمرح والاهتمام بهم ومساعدتهم على إيجاد ذواتهم في أنشطة تسليهم وترتقي بهم مثل الرسم والأعمال اليدوية.

كما ينبغي التنبيه إلى خطورة تركهم في إبحار دائم على الأنترنيت أو مع شاشات التلفاز، فذلك سيؤثر على دماغهم وبصرهم وحاجات نموهم؛ فكثير من الآباء والأمهات يتخلصون من شغب أبنائهم بتلك الوسائل.

فإذا لم نحسن تدبير هذه المرحلة مع الأطفال قد تكون لها آثار سلبية على صحتهم وقدراتهم، كما قد يفقدون كثيرا من مؤهلاتهم التي تم بناؤها خلال سنوات مضت. لذلك وجب أن يكون للأسرة برنامج مرن. ينخرط فيه الأطفال.

• ما هي التوجيهات التي تقدمونها للوالدين من أجل وضع برنامج مع أطفالهم خلال الحجر الصحي؟

نعلم الآن أننا لا زلنا في فترة الحجر، ورفعه سيكون بالتأكيد تدريجيا، لذلك وجب وضع خطة وبرنامج لمرحلة الحجر الصحي وتدبير المراحل المقبلة. فبالتأكيد أن فترة العطلة الصيفية ستكون لها خصوصيتها هذه السنة.

ولكن ليس هناك برنامج موحد صالح لكل الأسر وكل الأطفال، لأن لكل أسرة خصوصياتها وظروفها، وكذلك الأطفال تختلف حاجاتهم من عمر لآخر. ولكن سأقدم ثلاثة مبادئ يمكن الاسترشاد بها:

المبدأ الأول: بناء تعاقد قائم على التوجيه والتوافق

يميل الأطفال والمراهقون للتفاوض في تحصيل منافعهم، وهذه نقطة ارتكاز وجب اغتنامها من خلال الاستماع لمقترحاتهم في وضع برنامج للأسرة، والتفاعل مع الممكن منها والمفيد لهم. حتى ننتقل معهم من زمن الإكراه إلى زمن المتعة.

والتعاقد ينبغي أن يشمل البرنامج الجماعي للأسرة والذي يتضمن مجال التعبد والتواصل والتعليم والترفيه خصوصا، مع مراعاة إيقاع كل مرحلة عمرية. واعتماد أوقات راحة موحدة للأسرة، منسجمة مع النمط العام لمحيطنا الاجتماعي.

أما البرنامج الفردي لكل واحد فينبغي مساعدة الأطفال على بنائه، وأن يتم إعلامهم بالتزامات الوالدين وانشغالاتهم المتعلقة بمهام المنزل أو العمل عن بعد أو غيرها، تفاديا للإزعاج من قبلهم.

ولكن ينبغي عدم الضجر والتأفف عند وقوع أخطاء، وإنما الرجوع إلى ضوابط التعاقد، مع اعتماد المرونة والتعديل في البرنامج من فترة لأخرى.

المبدأ الثاني: المصاحبة

أي مصاحبة الأطفال والمراهقين في التعليم عن بعد أو الأنشطة الخاصة بهم؛ فيجب اغتنام هذه الفرصة من أجل تدريبهم على تحمل المسؤولية من خلال التوجيه وتنظيم وقتهم وتعاملهم مع الحاسوب والهاتف وشاشات التلفاز.

ومن المفيد تشجيعهم على ممارسات هواياتهم أو مساعدتهم على استكشافها مع تثمين إنجازاتهم، مع استثمار المواقع التربوية على الأنترنيت. وكذلك زرع العادات الجيدة في سياقات المتعة والتحفيز مثل المطالعة، والتعبير عن أفكارهم ويومياتهم كتابة أو تصويرا أو تسجيلا صوتيا.

كما يجب الحرص على نظامهم الغذائي والصحي ونشاط رياضي يومي ولو بسيط.

المبدأ الثالث: زرع القيم الإيجابية

مثل التعاون والمسؤولية من خلال تقاسم أعباء المنزل، وتكون القدوة من الكبار، وإشراكهم في التواصل مع أفراد الأسرة الكبيرة مستثمرين مناسبة العيد، والتدرب على الحوار والمناقشة.

• تربية الأبناء مسألة غير مرتبطة فقط بفترة الحجر الصحي، بل تتعداها إلى ما بعد كورونا، فكيف يمكن أن يستفيد الآباء من إكراهات الحجر الصحي لإعادة النظر في تربية أبنائهم؟

إن هذه الفترة الاستثنائية، فرصة ثمينة إذا أحسنا استثمارها بتجديد العلاقة مع أبنائنا، وجبر التصدعات الحاصلة فيها دون شك. لأن إيقاع الحياة المتسارع وتزاحم مشاغل الإنسان المعاصر قد أدت إلى تآكل العلاقة الأسرية، وجعلت مجالات أخرى تملأ فراغات أفراد الأسرة مثل المجال الرقمي، فالهواتف الذكية أصبحت صحبتنا لها أشد. وصار اهتمامنا بالأصدقاء الافتراضيين في مواقع التواصل الاجتماعي والتعليق على منشوراتهم أهم من التواصل مع من يتقاسمون معنا فضاء المنزل.

فترة الحجر الصحي إذن، فترة تقييم لحصاد مرحلة سبقت من التربية والتوجيه، مما يتيح لنا فرصة مهمة للمراجعة. لذلك لا ينبغي الاستسلام. هناك فرصة دائما. بالتوكل على الله أولا، ثم التوافق بين الوالدين على اختياراتهما في توجيه أبنائهما، ثم التدرج في معالجة الاختلالات.

ولنتخلى عن الصور النمطية حول الولد الصالح أو المقارنة الدائمة للأبناء بإخوتهم أو غيرهم. لنساعد كل واحد أن يبني ذاته. وأن يصنع تميزه. ولا ننسى وسيلة ناجعة قبل كل ذلك وبعده وهو الدعاء والتفاؤل وعدم استعجال الثمرة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • منذ 4 سنوات

    جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل وبارك الله في علمك

  • طالبة باحثة
    منذ 4 سنوات

    نعم وعاء العلم لهذا الموضوع الدكتور ربيع ، لا خير في الأقلام إن لم يسمع صريرها حين الحاجة إليها ...بارك الله فيكم ونفع بعلمكم

  • غير معروف
    منذ 4 سنوات

    بارك الله فيك ونفع الله بك أستاذنا الفاضل