منتدى العمق

أحزمة البؤس وأعطاب التنمية

لقد شكلت الأحياء الهامشية التي توجد على هامش المدن الكبرى أكبر تعبير عن نموذج التحضر الذي شهده المغرب منذ الاستقلال إلى الآن، حيث عرف هذا النموذج مرحلة انتقالية لم تسبقها دراسات علمية ميدانية، بل كانت هذه المرحلة كنتيجة لتفقير القرى على حساب المدن، وهو ما أحدث هجرات كثيفة من القرى نحو المدن منذ فترة الاستقلال بحثا عن تحسين ظروف المعيشة والهروب من جحيم القرية ومعاناتها، ضنا منهم أن جنة المدينة أكثر رأفة من قراهم.

وهذا الأمر جعل من الدولة في مراحل لاحقة تقوم بإحداث برامج تنموية، سواء على مستوى القرى للحد من هاته الهجرات أو في المدن وخصوصا أحيائها الهامشية التي نتجت عن هذا النزوح.

فقد تبنت الدولة المغربية بعد الاستقلال ومع توالي الهجرات عدة برامج تنموية، غالبا ما كانت تتم بالفشل وعدم تحقيق النتائج المتواخاة، ليطرح سؤال التنمية والكيفية التي يتم بها إحداث هذه البرامج.

لقد أحدثت هذه الهجرات عدة تغيرات على مستوى البنية المعمارية للمدن، حيث ظهرت على هامش المجتمع الحضري بأبعاده العلمية والفكرية وكذلك الاستهلاكية أحياء شعبية بنيت في غالبها بعيدا عن الرقابة الرسمية للدولة، أو في بعض الأحيان بتواطؤ من مسؤوليها، من أجل غايات مبيتة، هذه الأحياء غالبا ما تعرف بالتمرد على القوانين العمرانية، فتسمى أحيانا بالأحياء الفوضوية نظرا لاعتمادها أنماط فوضوية على القوانين العمرانية، والظروف السرية التي يتم فيها تشيد هذه المساكن، وإنها أحياء لا شكلية من حيث الهندسة العمرانية، وقد شكلت هذه الأحياء موضوعا للبحث السوسيولوجي لعلماء الاجتماع في المغرب كما هو الشأن في باقي الدول التي توجد فيها مثل هاته الأحياء، إلا أن جل الدراسات همت الجوانب البنيوية والعوامل التي ساهمت في ظهور هذه الأحزمة العشوائية والظواهر الاجتماعية المرتبطة بها، مثل: البطالة ، الفقر ، الجريمة ، …. والعديد من الآفات الاجتماعية الأخرى، دون الإنصات الفعلي لصوت الفاعلين الرئيسيين داخل هذا الوسط الهامشي الذين يعيشون الفقر والإقصاء الاجتماعي كتجربة ومحنة في حياتهم اليومية، وهو ما تعبر عنهم سلوكياتهم اليومية وممارساتهم وإحساسهم بغياب العدالة، الذي يولد لديهم شعور بالمعاناة والإحساس بالإقصاء الاجتماعي والقهر واللامساوة واللاجدوى، كل هذا يتجلى في سلوكياتهم وتعبيراتهم الهوياتية والأشكال الجديدة للروابط الاجتماعية، التي يعيدون بناءها في خضم حالة اللايقين وتشابك المسارات عليهم، وكذلك من خلال خطابتهم ومواقفهم وتمثلاتهم لأنفسهم وللمجتمع عموما. لقد أنتجت أحزمة البؤس هاته شبابا يعانون الإحساس بالإقصاء الاجتماعي والفراغ اليومي في حياتهم بإعتبارهم فاعلين أساسين في المجتمع من حيث هم ذوات قادرة على إنتاج معنى لوجودها في ظل اللامرئي الاجتماعي.

في ظل هذا الوضع فقد شهد المغرب خصوصا في بداية القرن الواحد والعشرين القيام بالعديد من المشاريع التنموية في العديد من المجالات، سواء الثقافية منها، أو الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية … وقد لوحظ انعكاس هذه المشاريع التنموية بالإيجاب على العديد من المدن دون غيرها، ولربما على أحياء في المدينة الواحدة.

وهذا ما ستطرحه إشكالية التنمية المؤجلة في أحياء الهامش في المدن المغربية خصوصا مدينة فاس التي يلفها حزام لا يستهان به من الأحياء الهامشية في أغلب جوانبها، الأمر الذي يستدعي معه طرح العديد من الأسئلة العريضة مثل: هل استفادت هذه الأحياء من أوراش التنمية الحقيقية كباقي الأحياء الأخرى؟ أم بقي هذا السؤال مؤجلا إلى وقت لاحق؟ ومن المسؤول عن التأجيل الغير مبرر؟ وما هي الشروط الممكنة للنهوض بورش التنمية المحلية في أحيائنا هاته؟ هنا لابد أن نقر بأن مشاريع التنمية المحلية مسؤولية تتقاسمها أطرف عديدة وبدرجات متفاوتة بين المجالس الجماعية والمجالس المنتخبة، وبطرحنا لهذا السؤال: ما الهدف من ترك وضع العشوائية والتهميش داخل هذه الأحياء على ما هو عليه؟

لعل ما تشهده الحملات الانتخابية داخل هذه الأحياء وحدها كفيل بالإجابة على العديد من الأسئلة في هذا الصدد، فهذه الأحياء يفقر أهلها بنية مبيتة، حتى تصبح أسواقا تجارية مربحة لتجار الضمير في الانتخابات. عند الولوج إلى هذه الأحياء لا يمكن التمييز بين ما هو قروي وما هو حضري داخلها، نحن هنا أمام نظرية المجتمع المركب لبول باسكون لكن بصيغة أخرى، حيث يتعايش ذاك القروي القادم من أقصى الريف المغربي مع آخر ساقته الأقدار ليكون من سكان هذه الأحياء ربما لظروف عمل قادته ليقطن فيها، أو إفلاسه المادي الذي لم يعد يمكنه من مجاورة علية القوم. مناظر متناقضة تشكل اليومي داخل هذه المجتمعات، يمكنك أن ترى في زقاق واحد ولربما مسكنين ملتصقين، هذا يركن سيارة ذات قيمة مادية لابأس بها، والآخر في الجهة المقابلة يركن دابة تساعده ويعتمد عليها بشكل شبه كلي في كسب قوته اليومي، ناهيك عن مظاهر التفقير والبؤس والأمية وغيرها من الكوارث الاجتماعية التي أصبح يتعايش معها الجميع. فالقاعدة الأساسية هنا هي الحديث عن اليومي والخوف من ذلك الغد المجهول، اللاأمن يعيشه الجميع في كل مظاهر الحياة، ولا حديث يعلو فوق حديث المعيش اليومي عجلة التاريخ توقفت في العديد من مناحي الحياة.

من المسؤول عن كل هذا ؟؟؟ أين هي مشاريعكم التنموية لماذا أخطأتنا ؟ هل نصلح إلا للحملات الانتخابية فقط؟ أليس من حقنا أن نكون فاعلين داخل وطن مات أجدادنا من أجل حريته؟ نداؤنا لكم: لا تنسونا نحن هنا، يمكننا أن نصلح للقيام بشيء ما من أجل هذا الوطن، نحن مستعدون من أجل أن نعيد تجربة أجدادنا في التضحية، نتوسل إليكم أن تضعونا داخل مشاريعكم التنموية المستقبلية، تلكم هي صرخة من الهامش.

*طالب باحث في ماستر سوسيولوجيا المجالات القروية والتنمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *