وجهة نظر

أميرة أندلسية تبعث من جديد

حين زرت قصر الحمراء بغرناطة، أثارني نقش بهيج وأبكاني شجن عبارة “لا غالب إلا الله”، إذ تجده حاضرا بقوة فيكل النقوش، وفي أغلب تذكارات السياح، يحكي قصة تاريخ مليء بانتصارات المسلمين وهزائمهم في الأندلس، ويحمل رسالة حضارية تقول لكل حاكم ومستبد وطاغوت، أن الملك لله، وأن الغالب هو الله، وأن كل حكم وسلطة واستبداد إلىزوال، مهما اشتد ومهما طغى وتجبر.

لكن حضور هذا النقش المثير في كل زمان ومكان، لا زال يحمل دلالات نفسية عميقة في نفوس أحفاد أهل الأندلس، ولا زاليلقي بظلاله في قلوب وعقول ورثة الإرث الغرناطي والقرطبي وغيرهما من الآثار الخالدة إلى يومنا هذا.

“لا غالب إلا الله” هكذا تُوَقِّعُ ‏نادية رافائيل القرطبي رسائلها وتدويناتها في صفحتها الشخصية في الفيسبوك،وهيأستاذة جامعية في جامعة برشلونة تخصص رياضيات، إنها أميرة أندلسية من قرطبة بكل المقاييس، من أحفاد أجدادنا في الأندلس، وتفتخر بكون جدها الأكبر هو موسى بن نصير.

كتبت عن نفسها في صدر صفحتها الفيسبوكية: ” فتاة من قرطبة أندلسية الهوى والهوية أبا عن جد، تعلمت العربية لأتواصل مع أحفاد أجدادي” 1.

وحين تحدثنا عن أسرتها وعائلتها، وكيف هاجرت من تلمسان بالجزائر قبل ثلاثة قرون واستقرت بإسبانيا، وكيف تعلمت اللغة العربية وعشقتها حد الوله إذ تكتب: “عائلة أمي هاجرت لإسبانيا منذ اكثر من 300 سنة. عائلة أبي من قرطبة أباعن جد. العربية تعلمتها قبل 5 سنوات. لكن لا أزال لا أتكلمها جيدا ولا أكتب جيدا ايضا. لا أزال أتعلم ” 2.

وفي معرض حديثها عن اللغة العربية، تعبر عن سعادتها البالغة بتعلم لغة أجدادها، وتشعر بفرح عارم وهي تعانق كلمات وحروف الضاد الجميلة، وتكتب بشغف كبير: “في حياتي لم أشعر بهذا الفرح بداخلي كالذي أعيشه الآن بعد أنعرفت بعض طلاسم اللغة العربية، فصرت أكتب وأقرأ بالعربي ، وأتفاعل مع المخرجات الإعلامية العربية بالمشاهدة والإستماع والقراءة، سعادتي لا توصف وأنا أخط بقلمي وتكتكة لوحة المفاتيح، تلك اللوحات من الكلمات التي رسمتتعابيرها حروفا لطالما أردت أن أتعلمها، ولم أعرف راحة في داخلي كالراحة التي أحسست بها بعد أن صرت أكتب وأقرأ وأتحدث قليلا بالعربية”3.

وتكتب في تدوينة أخرى معبرة عن اعتزازها وامتنانها لأجدادها، الذين تركوا إرثًا لغويًا وفكريًا وعمرانيا وحضاريًا ثقيلًا، لازال شاهدا على عظمة أمة سادت ثم تلاشت وبهت اسمها وصيتها بين الأمم، إذ تقول :”تعلمت اللغة العربية وصرتأتحدث بلغة أجدادي الأوائل الذين فتحوا الأندلس، وأعطوا العالم هذا الزخم من مختلف العلوم والحضارة والفنون والأصالة، صرت أكثر إعتزازا وثقة بنفسي بعيدا عن الغرور، وأكثر حبا وإحتراما لنفسي ولغيري”4.

لكن الحقيقة حين تقرأ لها تدويناتها، تلمس فيها حلاوة وطلاوة وألقا بهيجا، وذكاء وذوقا راقيا، وعناية فائقة في اختيار الكلمات، كمعادلات رياضية خلاقة، يتداخل فيها الماضي والحاضر، الحقيقة والخيال، الواقع والأحلام، لغة بسيطةجدا، فيها من العمق الشيء الكثير.

ولكاتبتنا قدرة عجيبة على الحكي والسرد، تجعل القارئ يقرأ يومياتها وحكاياتها وتفاصيل حياتها اليومية، في ظلكورونا أو قبلها بنهم شديد ومتعة كبيرة، وتلمس في أفكارها عمقا وجمالًا، وتنوعًا يسافر بك عبر كل الفنون إلى عوالممدهشة وفضاءات ملهمة، وتجعلك تشعر أنك محضوض، لأنك حصلت على مقعد مريح في مركبتها الإبداعية الجبارة.

لا أعرف إن كان للرياضيات تأثير على سرعة تعلمها للعربية واثنا عشر لغة أجنبية، وقدرتها على التعبير بطريقة المبدعين والمدونين العرب، الذين رضعوا اللغة العربية منذ الصغر، وتعلموها وتلقنوا علومها وآدابها في المدارس العربية.

ولا شك أن حداثة عهدها بتعلم اللغة العربية، واختيارها لمواضيع مثيرة، وتفاعلها الإيجابي مع تعليقات القراء، أعطى تدويناتها فرادة وتميزا، وبهاء يليق بكاتبة ومدونة واعدة، اكتشفت ذاتها وانتماءها التاريخي إلى أمة لا زالت تترنح وتقاوم تحت معاول هدم داخلية وخارجية، لتنهض من جديد وتعيد مجدها الغابر.

وحين تبكي نادية رفائيل القرطبي سقوط الأندلس وزوالها، فلا تملك إلا أن تعبر عن حزنها على هذا الفقد العظيم والسقوط الفادح، إذ تدون وتكتب: “أكتب هذه الكلمات والدموع تكاد تحجب عني ما أكتب، والحقيقة أنّ الأندلس لنترجع، صارت أوروبية، حتى نحن صرنا وكأننا أوربيين، في الملامح والثقافة والعادات، لكن ومهما يكن يمكن بناء أندلس جديدة في كل بلد، وفي كل زاوية، يكفي فقط العمل بالإسلام، دين العلوم والحضارة والعدل والرقي، فعلا نحن صرنا أوربيين، لكن قلوبنا أندلسية، ودماؤنا لن تتغير وللابد، دفنونا ولم يعلموا أننا بذور” 5.

ما أصدقها من كلمات تخرج من أعماق قلب جريح، يبكي حالة أمة تائهة، وما أروعها من عبارات تقطر من روح شفافة تذبحها مآسي شعوب عربية وإسلامية تعيش ويلات الحروب، بتواطؤ حكام العرب مع حكام الغرب الإستعماريين.

حول هذا المعنى تدندن نادية رفائيل القرطبي في تدوينة بنفس حزين:”سمعتُ وشاهدت وقرأت عن صفقة القرن لسرقة القدس، أو ما تبقّى منالقدس، كنتُ حاضرة بالجسد، لكن قلبي وروحي هناك في فلسطين، وفي سوريا، وفي اليمن، والعراق، وليبيا، وفي كلّأرض دنسها تجّار السّلام، وباعها حكام العرب، نحن بالأندلس لازالت تسكن بأرواحنا آلامأجدادنا، لذلك نحسّ بكلّ مايحدث في بلدان أهلنا، وكأنّ أحدهم يزيل قشرة جرح لم يشفى بعد” 6.

نادية رفائيل القرطبي إضافة إلى عشقها للغة العربية، واهتمامها بقضايا ‏الأمة العربية والإسلامية، فهي فارسة تحب ركوب الخيل وتهوى الفروسية، وتعشق فنون الطبخ الأندلسي والعربي والأمازيغي.

ورغم انشغالها كأستاذة جامعية تلقي محاضرات، وتخصص وقتا كبيرا لأبحاثها وطلبتها، وحضور مؤتمرات علميةداخل إسبانيا وخارجها، فهي متطوعة في المستشفى الذي تشتغل فيها والدتها كطبيبة، للعناية بنزلاء كورونا.

وعن تجربتها وصراعها من أجل البقاء وتحقيق طموحاتها فِي ظل مجتمع مادي لا يرحم الضعفاء والكسالى تقول: “فيكل يوم أرجع لبيتي تفوح رائحة الدخان مني وكأنني عائدة من حرب، دخان المقاومة والدفاع عن الشرف وحروب البقاء في ظل مجتمع رأسمالي البقاء فيه للأقوى والأذكى والأغنى” 7.

ناديا رفائيل القرطبي كاريزما من نوع خاص، تختزل قصة الملايين من أحفاد وحفيدات أجدادنا في الأندلس، والذين لازالوا على دينهم، ولم يفرطوا في لغتهم وقيمهم وأخلاقهم وعاداتهم الأندلسية الجميلة، رغم كل محاولات المحو وغسل الدماغ، والذين لا زال يحدوهم الأمل في استعادة كل جميل يربطهم بأمتهم العربية والإسلامية، ويعطيهم الإحساس بالأمن والطمأنينة.

هذا ما نلمسه في كثير من تدوينات كاتبتنا، إذ تدون في إحداها وتكتب: “كلما فتحت نافذتي صباحا ألمح ذلك الأفق البعيد على عالم آخر بمفهوم وإدراك مختلف، وكلما كتبت أو ضغطت على حرف عربي أحس وكأنني أعزف لحنا، ولا زلت أتعلم” 8.

مصادر: المقتطفات من 1 إلى 8 مأخوذة من تدويناتها على صفحتها الفيسبوكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • أيمن طارق
    منذ سنتين

    السلام عليكم ، هذه الشخصية (نادية رفاييل القرطبي) لا وجود لها في الواقع ، تنبه كثير من متابعيها إلى أن جامعة برشلونة التي تنتسب لها هذه (الشخصية الغامضة) لا وجود لها ، وتم التحقق من عدم وجود اسمها في قسم الرياضيات بجامعة برشلونة، وكل من سألها عن هذا الأمر يتم حذفه وحظره من الصفحة !!! وبدون تفسير ولا سابق إنذار ، ثم ، تكلم أشخاص آخرون عن لكنتها الاسبانية ، وأنها لكنة لا تشبه لكنة الاسبان ، وهذا صحيح رغم اتقانها الاسبانية ، وأنها لكنة أقرب إلى لكنة المكسيك ! ولما تم تنبيهها مرارا على مسألة عدم ورود اسمها ضمن هئية تدريس الرياضيات في الجامعة قامت بحذف اسم جامعة برشلونة من صفحتها ! وهو أمر يؤكد الشكوك ! مسألة أخرى : رغم حرص هذه الشخصية على التخفي وعدم الظهور ، فإنها تضع صورة متبرجة مثيرة لامرأة غير معروفة ! والظن أن هذه الصفحة تم تصميمها لاصطياد المثقفين المسلمين بموضوع مثير لشهيتهم ألا وهو قضية الاندلس ! وهي حريصة على إخفاء صداقاتها !!! وكثيرا ما تترحم على الاموات منهم ثم تقول : ولم تتح لي فرصة مقابلة هذا الشخص الرائع !!! وغالبا ما يكون أولئك الاشخاص من أصحاب المناصب والمسؤوليات المهمة ! فالمروجو الانتباه والتحقق .

  • نورالدين
    منذ 4 سنوات

    كل الشكر استاذي فالدكتورة نادية قائمة بكل المقاييس وكتاباتها كلها توحي بأنها تعيش معنا

  • غير معروف
    منذ 4 سنوات

    ممتازة