وجهة نظر

ما بعد كوفيد 19: تنمية القطاع السياحي مسؤولية الجميع

ازداد اهتمام الدولة المغربية بالقطاع السياحي مع بداية سنة 2000، ليتوج بخطاب الملك محمد السادس في افتتاح أشغال المناظرة الوطنية حول السياحة في 10 يناير 2001 بمراكش،والذي شكل قطيعة مع الماضي فيما يتعلق بالسياسة السياحية المعتمدة،وانطلاقة رسمية جديدة لها؛ ونقطة تحول في مسارها.

لقد عملت الدولة المغربية على وضع مخطط استراتيجي جديد (رؤية 2000/2010)، جاء بتوجهات جديدة لتحديث القطاع والنهوض به،وتنميته،وخلق دينامية داخله. وفي هذا الصدد ،تمت الدعوة إلى تنويع المنتجات،وتحرير سوق الربط الجوي، وتقديم صورة سياحية جديدة عن المغرب بفضل اعتماد أساليب حديثة للتسويق، وإطلاق ورش تكوين الرأسمال البشري.

وأمام عدم التمكن من تحقيق كل الأهداف المسطرة ضمن هذه الرؤية، تم تبني رؤية جديدة في إطار استمرارية تنمية القطاع (رؤية 2010/2020)،وحسب المخططين والمهندسين للسياسة السياحية بالبلاد،فهذه الأخيرة تبرز الخيار الاستراتيجي للدولة وللفاعلين الاقتصاديين،وتجعل السياحة من الأولويات للنهوض بالتنمية والتهيئة الترابية.

ورغم أن رهان السلطات العمومية كان كبيرا لتطوير القطاع السياحي من خلال مشاريع وبرامج المخططات التنموية ،وجعله رافعة للتنمية،فإن الحصيلة كانت في أغلب الأحيان دون مستوى التوقعات لأسباب عدة. و من أجل المساهمة في بناء تصور تنموي مستقبلي، يتجاوز الأعطاب المسجلة ويتفاداها،فإن الدعوة إلى استحضار المعطيات الميدانية عند وضع البرامج المستقبلية أصبحت ضرورة ملحة،والتي يجب أن يكون منسوب الصدقية والواقعية مرتفعا لديها، بعيدا عن حجم التوقعات الذي كان مبالغا فيها، وغير عملي ويصعب تنفيذه. وفي هذا المجال وجب الإلتزام بتنفيذ المخططات وعدم استبدالها إلى حين نفاذ كل بنودها،إذ لم تتعد نسبة التنفيذ سابقا في أحسن الأحوال 40/ فقط من مشاريع الإستثمار.

والتزاما برؤية 2010- 2020، لابد من إطلاق السرعة القصوى(فيما تبقى من هذه السنة ومنتصف السنة المقبلة أي 2021) لتنفيذ ماتبقى من برامج النهوض بالقطاع السياحي،المستوحاة من القيم الأساسية والمؤهلات التي تميز بلدنا (الأصالة،والتنوع،والجودة،والاستدامة)؛ الشيء الذي سيرفع من الطاقة الإيوائية بإحداث 200000 سرير،ومضاعفة عدد الرحلات الداخلية ثلاث مرات،وخلق 1000000 منصب شغل. ولتحقيق هذه الأهداف وغيرها، لابد للقطاع أن ينخرط في إطار جديد،يرتكز على ثلاثة محاور أساسية:

سياسة تهيئة ترابية للعرض السياحي، تضمن استفادة جميع جهات المملكة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

إرساء هيكل جديد للحكامة،قادر على توفير الدينامية والريادة الضروريتين.

منهجية مندمجة للتنمية المستدامة،تحترم البيئة والأصالة السوسيو- ثقافية.

ولابد من الإشارة ،في هذا الصدد،إلى التركيز على تنفيذ ماتم تسطيره من خلال الرؤية المشار إليها من تحفيز للإستثمارات،والتسريع بإنشاء ماتبقى من المحطات التي دعا إليها المخطط الأزرق ( في غضون منتصف سنة 2021)،والعمل على تسويق المناطق السياحية،وتقوية المؤهلات،والعمل على خلق هياكل للفاعلين في المجال، وتدعيم الجانب المؤسساتي من خلال المجلس الوطني للسياحة، ووكالات التنمية.

كما أننا ندعو إلى تفادي الإقتصار على المشاريع المكلفة،وإلى إدراج مشاريع ذات تكلفة متوسطة إلى جانبها،وذلك بعد الدراسة التوقعية لآفاقها المستقبلية على المستوى الدولي. ولابد هنا من التنويه إلى أهمية تفعيل الجهوية كخيار استراتيجي وتنموي لامحيد عنه،فلايعقل أن يتم التركيز على مناطق دون أخرى،ذلك أنه تم ضخ أموال طائلة من أجل استثمارات كبرى بالسواحل الشاطئية المعروفة (مدن: طنجة وأكادير وتطوان،..)،في حين تم إغفال مناطق أخرى لها من المؤهلات الحضارية والطبيعية ما يجعلها مساهما فعالا لتنمية القطاع،وبالتالي العمل على تفادى الفجوة التنموية بين مختلف المناطق.وتجدر الإشارة هنا، إلى أن مدينتي أكادير ومراكش تستأثران بحصة 70/ من المبيتات الدولية – حسبما أكدته الوزارة الوصية على القطاع-،مما خلق تفاوتات مجالية،الأمر الذي يجب تداركه .

ويجب القطع مع السياسة الإنتقائية المتبناة، بالعمل على تبني تصور شمولي يهم تدبير القطاع. وفي هذا السياق لابد من التركيز على أهمية السياحة بالمدن التاريخية، وذلك بتقوية آليات الدعاية والإشهار والتسويق لفائدة المنتوج المغربي، خصوصا ،أن بلادنا تتوفر على مدن من هذا الصنف يصل طول أسوارها أرقاما قياسية (40 كلم بالنسبة لمكناس مثلا). ولذلك وجب وضع برامج مهمة في مجالات التنشيط والترفيه السياحي، بالإضافة إلى حل المشاكل العقارية بغية توفير رصيد عقاري هام، والحد من غلاء الأراضي وتجاوز مشاكل التعمير. وبما أننا نعتبر تنمية القطاع مسؤولية الجميع،فالجماعات الترابية مدعوة أكثر من غيرها،بوضع البرامج السياحية نصب أعينها أثناء إعداد برامجها التنموية،كما أنها ملزمة بتوفير بنيات تحتية، والحرص على نظافة المجال الترابي الخاضع لسلطتها.وإجمالا، لابد من بذل مجهودات كبرى لتحسين البنية التحتية بالبلاد من خلال تشييد الطرق،والطرق السيارة والمستشفيات والمراكز الصحية،وخلق شبكة للنقل المتطور داخل المدن وخارجها.

واستحضارا لأهمية التكوين في المجال،فإننا نقترح توسيع شبكة مؤسسات التكوين العمومية،ومنح الخصوصي منها تحفيزات مهمة من أجل الإعداد لإستقبال السياح الأجانب،وخلق ثقافة سياحية لدى المواطن المغربي بالتوعية المباشرة، وكذا عبر وسائل الإعلام بكل أصنافها،بالإضافة إلى مواكبة موازية مالية وتشريعية ومؤسساتية.

وعموما، فالأمر يتطلب نهج استراتيجية شمولية للسياحة والتهيئة المندمجة، التي تأخذ بعين الاعتبار كل الأبعاد (القانونية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعمرانية،وغيرها). وحرصا منا على تحقيق الهدف المتوخى من هذا القطاع،فإننا ندعو السلطات الوصية عليه،وباقي القطاعات العمومية إلى الانخراط الفعلي من أجل تجويد المجالات السياحية من خلال الإهتمام بتقوية البنيات التحتية،وذلك بالعمل على خلق مطارات في المناطق السياحية الجديدة،و الربط عبر السكك الحديدية بالأقرب منها- حالة مدينة مكناس بمطار فاس سايس مثلا-؛وإحداث الطرق السيارة للربط بين الجهات – حالة جهة درعة تافيلالت بجهة فاس مكناس مثلا-، وتحديث الأسطول البري داخل المدن؛كما ندعو كذلك إلى تكثيف الجهود بين كل القطاعات الحكومية والتعاون بين المركز والجهات، مما سيسمح بخلق فرص التنمية واستقطاب الاستثمارات وتوطينها بكل جهات المملكة.

وخلاصة القول،فإننا نؤكد على أن التنمية السياحية ببلادنا ليست من اختصاص ومسؤولية وزارة السياحة، ومصالحها الخارجية،وكذا المكتب الوطني للسياحة فقط،بل هي مسؤولية كل السلطات العمومية من وزارة المالية وإدارة أملاك الدولة (توفير العقار،…)،والجماعات الترابية (تهيئة المواقع السياحية،…)،ووزارة التجهيز (توفير البنيات التحتية الأساسية من طرق وسكك حديدية ومطارات،…)،والمجتمع المدني، وكل الفاعلين،وبذلك فإننا نعتبرها شأنا مجتمعيا،كما أن الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص هي أساس أي تخطيط سياحي تنموي قوي.

وباستحضار السياسة الإجرائية التي تبنتها السلطات المغربية في مواجهة وباء الفيروس التاجي والحد من تداعياته؛هذه السياسة التي اتسمت بالإستباقية،جنبت البلد الكثير من الخسائر،وبوأته مكانة متميزة في التصدي للجائحة على المستوى العالمي؛الأمر الذي سيكسبه ثقة السياح،و سيجعله وجهة آمنة صحيا،فوضعيته مختلفة عن بلدان منافسة له؛كانت بؤرا للوباء ولازالت تعاني من تداعياته، الأمر الذي أفقدها(البلدان) الكثير من بريقها السياحي ؛فالفرصة إذن مواتية للمغرب لكي يكون وجهة سياحية عالمية مؤمنة صحيا.

*  أستاذ باحث- عضو المنتدى الأوربي للوسطية ببروكسيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *