منتدى العمق

هل ستكون قضية المنحة الجامعية سببا لعودة الطلبة الدكاترة للاحتجاح بالشارع العام؟

غطت احتجاجات الطلبة الدكاترة في الآونة الأخيرة مساحة مهمة من وسائط التواصل الاجتماعي، وحيزا مهما من مواد المنابر الإعلامية الإلكترونية المختلفة. بل وأكثر من ذلك شكلت مادة أساسية لعدد من الأسئلة النيابية الموجهة للحكومة تحت قبة البرلمان. كل هذا كان ردة فعل متزنة ومتعقلة، على الإقصاء والحيف الذي طال العديد من الباحثين بسلك الدكتوراه بمجموع الأقطاب الجامعية الوطنية بدون استثناء، نتيجة المقتضيات الجديدة لمرسوم 15 ماي 2019م.

ولأن ردة فعل النخبة دائما ما تكون متعقلة وحكيمة، فقد بادر هؤلاء الشباب الباحثين، إلى الانتظام في إطار وطني كقناة مؤسسية ومسؤولة، لمخاطبة المسؤولين بوعي وإصرار، والتماس تدخلهم لحل هذا الملف وفق مطالبهم، حتى يتفرغوا لأبحاثهم ودراساتهم عوض الانشغال بهذا الحيف الذي يقض مضاجعهم. وتجسيدا لذلك فقد راسلت التنسيقية الوطنية للطلبة الباحثين المقصيين من منحة سلك الدكتوراه، كل من رئيس الحكومة والوزير الوصي على القطاع المعني، إلى جانب عدد من النواب البرلمانيين والمسؤولين الحزبيين والفاعلين الإعلاميين والجمعويين لإشراكهم في مساعيها الحميدة، لوضع تصور للحل العملي والمستعجل المرضي للمتضررين قبل انقضاء الموسم الجامعي.

وقبل الاسترسال في حيثيات ووقائع هذا الملف، دعونا نذكر بمسألة غاية في الأهمية، وهي أن الدولة في العقدين الأخيرين نجحت في إفراغ الشارع العام من احتجاجات الدكاترة المعطلين، التي شكلت لوقت غير يسير وصمة عار على جبينها وملفا مؤرقا لكل الحكومات وأصحاب القرار. فكلما تواترت في الجرائد آنذاك، أخبار معاركهم النضالية( مسيرات، وقفات،اعتصامات، إضرابات عن الطعام…) وما تتعرض له من قمع وتعنيف من قبل السلطات، كلما كان ذلك يزيد في إحراج الدولة داخليا وخارجيا، ويزيد في الوقت نفسه في عزيمة وإصرار الدكاترة على تحقيق مطالبهم، ويتعالى معه منسوب التضامن الشعبي مع قضيتهم، فيتحول شجبا واستنكارا وتنديدا بتعاطي المسؤولين مع مطالب نخبة المجتمع العلمية. وفي الأخير لم تجد الدولة بدا من إدماجهم في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية أو حتى حشرهم في جماعات محلية أو مؤسسات عمومية، لا تستجيب لا من قريب ولا من بعيد لتخصصاتهم، بل فقط من أجل حل هذه المعضلة التي كانت في المقابل، تحشر الدولة في موقف الضعيف والعاجز عن تشغيل نخبته الفكرية والعلمية.

وكم من هؤلاء اليوم في مواقع المسؤولية والقرار، ولا شك أنهم يتذكرون تلك المراحل والظروف الصعبة، التي عاشوها على مرأى ومسمع من مجمع نواب الأمة، الذي كان يعج في معظمه انذاك بمن لا يتوفرون حتى على شهادة الباكالوريا، ولا يملكون أدنى تصور ولا فهم لقضية هؤلاء،متحملين في ذلك كل أشكال التعسف والقهر والحكرة… من أجل مطلبهم العادل والمشروع الذي تضمنه كل المواثيق الدولية والدساتير الوطنية.

إن ما نخشاه اليوم، ولا نوده في التنسيقية الوطنية للطلبة الباحثين المقصيين من منحة سلك الدكتوراه، هو أن نجد أنفسنا مضطرين، إن لم تستجب الحكومة لمطلبنا البسيط المتمثل في تعميم المنحة على مستوى سلك الدكتوراه وتسوية وضعية المتضررين من المواد الاقصائية في مرسوم 15 ماي 2019م،مضطرين إلى إعادة سيناريوهات الأمس بالنزول إلى الشارع فور رفع تدابير حالة الطوارئ الصحية. لا سيما وأن التصريح الأخير للسيد الوزير سعيد أمزازي لم يبعث أدنى اطمئنان في نفوس الباحثين، لكونه لم يعبر حتى عن الحد الأدنى من الاستعداد للنظر في هذا الملف فما بالكم بإعادة النظر فيه وحلحلته.

ونزيد التأكيد وبقوة، أن هذا الاحتمال لا يتمناه أحد داخل مكونات التنسيقية لإيمانهم العميق أن مكانهم الطبيعي في المكتبات و المختبرات مراكز البحث… ويكفيهم ما ضاع منهم من وقت، وفرص، بفعل ظروف الجائحة التي عمت العالم ودفعته شرقا وغربا، إلى إعادة التفكير الجدي في الاستثمار في البحث العلمي والأكاديمي وفي مختلف المجالات والحقول المعرفية من الاجتماع إلى الاقتصاد ومن العلوم الانسانية إلى العلوم الدقيقة، الشيء الذي نرجو ان ينهجه مسؤولونا للرقي والنهوض بوطننا الحبيب حتى تكون بداية رفع الحجر الصحي انطلاقة جديدة للكل دولة ومؤسسات ومجتمع.

* باحث بسلك الدكتوراه كلية الحقوق السويسي الرباط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ايوب
    منذ 4 سنوات

    نعم هذا الخيار الذي يبحثون عنه كفنا هم الوظائف العمومية الشحيحة وكفنا تسول ابائنا وامهاتنا، الشارع العام هو الحل وليعلموا ان الامور تتطور الى ما لا يحمد عقباه. يتبجحون بدعم المدرسة العمومية ثم يقومون بتدميرها