منتدى العمق

هل كورونا تقتلنا.. أم تكشف حقيقتنا؟

في نهاية الشهر الأخير من السنة الماضية، وحين كان العالم ينتظر دخول سنة جديدة، مهللين بأماني من شأنها أن تمسح مآسي ما قبلها، لم يكن أحد من هؤلاء – ولو أشد المتشائمين- ليتنبأ بما يعيشه العالم اليوم. فبعد دجنبر من سنة 2019 استيقظ العالم على فيروس جديد بدأ من مدينة ووهان الصينية، وهو فصيلة من فيروسات كورونا يحمل إسم كوفيد 19، وحسب منظمة الصحة العالمية فإن الفيروس يستهدف الجهاز التنفسي للفرد، لتظهر أعراض المرض والمتمثلة في ضيق التنفس والحرارة المرتفعة، هذه الأعراض قد تتطور لتصبح مميتة. وبما أن وسائل النقل تطورت، وبفضل العولمة والهجرة الدولية أيضا، ما فتئ الفيروس إلا أن ينتشر في العالم بأسره.

وبعد أن صنفته منظمة الصحة العالمية كوباء عالمي، أسرعت الدول لإغلاق حدودها ثم دعت الحكومات شعبها ليلزموا منازلهم قصد محاصرة الوباء، وهذا ما أفرز ظواهر اجتماعية ذات أبعاد ثقافية مترسبة في أعماق الوعي الشعبي، وفي لا وعيه أيضا.

إن ثقافتنا الشعبية المرتكزة على مبدأ التخزين، دفعت بفئة واسعة من أفراد المجتمع، بمختلف طبقاته إلى التسابق قصد اقتناء المواد الغذائية اللازمة، وغير اللازمة أحيانا.. إذ تم إفراغ رفوف المحلات التجارية من موادها، والجدير بالذكر أن هذه السمة اشتركت فيها الدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء. ورغم أن السلطات أوضحت في تقارير عدة أن مخزون البلاد من المواد الغذائية، كاف لأشهر معدودة، إلا أننا نجد أسواقنا مكتظة بالمتبضعين، في إشارة واضحة لفكرة مترسبة في عقولنا، مفادها لا قاتل لنا سوى الجوع والعطش. إن اللهث وراء تكديس مختلف المواد الغذائية بالإسراع في اشتراء كميات كبيرة منها.. لم يؤدي فقط إلى اكتظاظ الأسواق والمحلات، والذي يعتبر خرقا عمليا للإجراءات والتدابير المتخذة للحد من الفيروس؛ بل ساهم أيضا في ترهيب أفراد المجتمع، لما لهذه السلوكات من تداعيات تستهدف الأمن النفسي للسكان، وكأن العالم يعيش أيامه الأخيرة لتستمر سلسلة خرق الإجراءات الوقائية.

شاهد العالم مظاهرات ضد كورونا، مظاهرات تكتل فيها عشرات الأفراد لطرد الفيروس، في فهم نابع عن دوافع ثقافية دينية يقودها فهم خاطئ للعلاقة بين الدين والمصائب الذي تصيب المجتمعات، وكيفية تفادي تداعياتها الوخيمة، في مشهد يعكس جهلا مركبا ومقدسا، إن الحديث عن الجهل المقدس يدفعنا بالضرورة للحديث عن بائعي النباتات والأعشاب، فرغم أن أطباء العالم لا زالوا يستكشفون خصائص هذا الفيروس طمعا في إيجاد ترياق ينقذ البشرية، إلا أننا نستيقظ كل صباح على نبتة أو خلطة يدعي صاحبها أنها الخلاص المنشود، فيصنع لنفسه أملا في فرصة تمنحها له الدولة للاستعانة بنبتته، وقد يصل الأمر إلى تسويق هذه الأعشاب عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قد يستهدف الأمن الصحي لمجموعة من الأفراد خصوصا الذين يرون في هذه الأعشاب مصدرا للتداوي وإزالة الوباء حسب رأيهم على الأقل.

تستمر معاناة السلطة في سعيها للحرص على تطبيق الحجر الصحي، الذي أفرز مجموعة من المشاكل الاجتماعية والأسرية، الناتجة عن اختلاف الرؤى والآراء من جهة، ومن جهة أخرى العجز على تحمل تداعيات مكوث كل أفراد الأسرة في منزل واحد، فسلوكات الأطفال مثلا، لن تجد لها من ضابط إلا المعلم أو المربي، ونظرا لصعوبة التحكم فيها، فإن الفوضى المنزلية تكون عبء ثقيلا على أفراد الأسرة في كثير من الأحيان، خصوصا بعد إغلاق كل المرافق العمومية الأخرى من مقاهي ومحلات الترفيه، وهذا ما يطرح إشكالات اجتماعية وأسرية تصب في منحى التكافل والانسجام الأسري بين الحقيقة والوهم.

إن استمرار هذه الوضعية الوبائية، يشكل تحد ليس فقط لذوي القرار والسلطة، بل أيضا لنا كأفراد المجتمع، ليبقى السؤال: أي إجراء سنتخذه في مواجهة كورونا؟ هل ستفرض السلطات الحجر الصحي بالقوة، أم أننا سنراهن على شماعة وعي الشعوب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *