منتدى العمق

مرافعة من أجل جامعة مستقلة بجهة درعة تافيلالت

في السنوات الماضية كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن إحصائيات لمعدل الفقر في المجتمع المغربي، إذ نجد الجماعات الترابية (الحضرية والقروية) سَجّلت أعلى نسبة الفقر بجهة درعة تافيلالت بنسبة 15%، وفي المقابل نجد العديد من المناطق بنفس الجهة غَنِيّة بالمعادن كالفضة والذهب والأورنيوم متجهة للمغرب “النَّافع” تاركة الغير النَّافع يتألم في رداءة قطاع الصحة والسكن والتعليم.

هذا الأخير، ونحنُ على مشارف دخول مدرسي جديد يضطر آلاف من الطلبة بجهة درعة تافيلالت القادمين من أقاليم (الرشيدية، تنغير، وارزازات، زاكورة، ميدلت) لقطع مسافات طويلة تصل إلى أكثر من 600 كيلومتر لإتمام دراستهم الجامعية، سواء سلك الإجازة أو الماستر أو الدكتوراه في مجموعة من الكليات التي هي في الأصل ملحقات إدارية ككلية متعددة التخصصات بالرشيدية التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بجهة فاس مكناس والمحرومة من العديد من الشعب التي يرغب الطلبة في الولوج إليها، أو كلية متعددة الاختصاصات بورزازات التي أحدثت سنة 2006 وهي تابعة لجامعة إبن زهر بأكادير. ناهيك عن غياب مدارس كبرى مثل المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير (ENCG) والمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية (ENSA) … التي من شأنها أن تفتح آفاق مستقبلية لأبناء درعة تافيلالت.

وبينما كان أبناء الجهة ينتظرون من الحكومة بلاغ من أجل تأسيس جامعة لتقريب المُؤسّسة والحَد من الاختلالات المجالية وتنزيل مقتضيات الجهوية الموسعة، خرج مجلس الحكومة بقرار إحداث 17 مؤسسة جامعية جديدة دون أن تستفيد جهة درعة تافيلالت من هذه الامتيازات؛ إذ تعلق الأمر بثلاث كليات متعددة التخصصات بكل من برشيد وسيدي بنور والقصر الكبير، ومدرستين وطنيتين للتجارة والتسيير بكل من مكناس وبني ملال، وكلية للاقتصاد والتدبير بني ملال، وكلية للغات والفنون والعلوم الإنسانية بسطات وايت ملول، وكلية للعلوم التطبيقية ومدرسة عليا للكيمياء بالقنيطرة ومدرسة عليا للتكنولوجيا بالفقيه بن صالح.

وسبق للسيد الحبيب الشوباني رئيس جهة درعة تافيلالت، أن خرج بتدوينة على حسابه الشخصي بالفيسبوك معبرا أن “عدم ورود جهة درعة تافيلالت ضمن الجهات المستفيدة كما جاء في البلاغ شيء إيجابي وليس إقصاء كما فهمه منه” دون أن يعرف أحد المقصود من هذا الأمر.

وبناء عليه، نؤكد أن الآلاف من الطلبة سنويا يعانون من مشاكل عديدة سواء تعلق الأمر بالنقل أو الهشاشة الاجتماعية بالإضافة إلى النفقات التي تزيد من معاناة الآباء وتُثقل كاهل قدرتهم الاقتصادية اليومية، خاصة إذا ما علمنا أن العديد من الأسرة بجهة درعة تافيلالت هي أسر معوزة فقيرة….، ولعل حالة الطوارئ التي يعرفها المغرب للتصدي لتفشي فيروس كورونا، عمقت من معاناة هؤلاء الطلبة الذين لم يسعفهم الحظ لبلوغ أهلهم بالهوامش. إذ يقول في هذا السياق ”م.ق” (والله إيلا تانقضي غا بالماء والخبز والزيت والجيران ايلا عطاوني شي حاجة، أو تانقول لمالين الدار راه ما خصني والو).

إن الاقصاء الذي تعاني منه جهة درعة تافيلالت جَعلتنا نُسائل الجهات المختصة، هل هو إقصاء مُمَنهج أم غير ذلك؟ إذا كان الأمر مرتبط بالإقصاء فلا شك أنه ضرب في الجهوية المتقدمة والجهوية الموسعة، التي تطمح أن تكون مدخلاً لإصلاح عميق لهياكل الدولة من خلال السير الحثيث المتدرج على درب اللامركزية واللاتمركز الفعليين النافذين، والديمقراطية المعمقة، والتحديث المؤسساتي والاجتماعي والإداري للبلاد، والحكامة الجيدة.

إن جَعل جهة بدون جامعة حرة مُستقلة؛ معناه الدلالي هو تكريس للمركزية التي عَمّقت من الاختلالات السوسيومجالية والإدارية (المؤسساتية) لسنوات طويلة، كما أنها إعادة إنتاج الفقر وعدم الأمن المتعلق بالغربة وأشكال الميز، ولا يمكن لهذا الأمر سوى إنتاج ردود أفعال تُدين بالأوضاع المُزرية وبالتهميش واللاتكافؤ المؤسساتي، كما أن تشييد الجامعة معناه تشجيع تمدرس الفتاة والطلبة على التحصيل الدراسي العلمي وفق معاييره الدولية والوطنية، وتعزيز من قِيم الديموقراطية والانفتاح وتكافؤ الفرص بين جهات المملكة.

إذا كانت الغاية الحقيقة من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية ومنح تكافؤ الفرص لأفرادها وتمكينه من ممارسة حقوقهم الطبيعية والمَدَنِية…، فإن أبناء جهة درعة تافيلالت اليوم ينظرون إلى (الحق في الجامعة) لا تنفصل عن واجِبات الدولة تجاه أفرادها، وأنها مسؤولية مشتركة بين العديد من الفاعلين السياسيين والثقافيين والمَدنيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • rachid
    منذ 4 سنوات

    نعم المنطقة بحاجة ماسة الي جامعة مستقلة للنهوض بها وجعلها قطبا تنمويا؛ لكن أعتقد أن الأمر جد متاح فقط يحتاج كتابا بتحويل كل أطر أبناء المنطقة المنتشرون بفاس ومكناس والرباط وباقي الجامعات المغربية وتعيينهم في منطقتهم ؛ وهنا ستقدم خدمتين : أولا ؛ النهوض بالمنطقة وتحقيق حلم أهلها ـ الافتخار بمهنته داخل منطقته. ثانيا : وفي نفس الوقت إتاحة الفرصة لأهل منطقةالجامعات الأخرى ؛ليستفيدو منها .وبالتالي تحقيق التنمية الجهوية الموسعة بشكلها الفعال؛ لأنه لايمكن تحقيقها إلا بفعل التنافسية بين المناطق والجهات.