وجهة نظر

نور عقلا .. وأسعد أسرة

تنوير العقول وظيفة الأخيار في كل زمان ومكان، بل إنها رسالة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ وقد جعل الله تعالى العقل مناط التكليف، فكان خطابُ الشرع الحكيم موجها للعقلاء، حتى قيل “إن أفعال العقلاء مصونة عن العبث”. والسعادة هدف سام ومبتغى للناس كافة، وليس يدركها على الحقيقة سوى العقلاء، وأعظمُ ميدان لها هو الأسرة التي كرَّمها الله تعالى بأن جعلها الله تعالى آية من آياته؛ يقول الحق سبحانه : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].

من هنا كان لزاما علينا العمل على تنويع أساليب وطرق إشاعة وتثبيت ثقافة الأسرة، على النحو الذي يرقى بها وبأفرادها إلى مقصد الرِّسالية في الحياة، وتقديم أعلى مظاهر وصور العطاء والوفاء والإسناد، وتحقيق السكن والمودة والرحمة، وتوريث قيم الخير، لإعمار الأرض بالعدل والإنصاف، والقيام لله تعالى بالقسط..

كما أن من الواجب عدم الالتفات إلى المُثبِّطات والعراقيل التي تقوم عليها مؤسسات وأفراد، بالترويج لمفاهيمَ هدامة، تتنافى ومنطق التعاون والتكامل وتوزيع الأدوار من خلال الهجمة الإعلامية والثقافية الشنيعة التي تسعى إلى التقليل من شأن الأسرة، أو تختزلها في علاقات عابرة أقرب إلى السلوك الحيواني، المؤدي إلى عبادة الغرائز والشهوات، والوقوع بالإنسان في درك البهيمية من حيث الاهتمامات والأذواق والسلوكات.. كما هو حال كثير من دعاة التحلل من الدين القويم والقيم الأخلاقية السامية.

ورحم الله الوزير ابن هُبيرة القائل : “احذروا مصارع العقول عند الْتِهاب الشهوات“.

وإسهاما في إنارة عقولنا لتسعد أسرنا أبسط أفكارا عملية في المفردات التالية :

دعائم التنوير
منطلقات الاختيار
طور الاختيار وقبل القرار
الاختيار والمساندة
بعد الزواج والانتقال إلى بيت الزوجية

دعائم التنوير :

تنمية وتجديد المعارف الشرعية الأسرية
النظر في التجارب الزوجية والمقارن بين الناجحة وغيرها
علو الهمة في بناء علاقة زوجية ناجحة
مناقشة الموضوع مع المحيط وتطويره بالقراءات العميقة
استمرار ملاحظة التجارب الزوجية، ومتابعة أصول المشكلات الزوجية
الانخراط في الأنشطة المتعلقة بالأسرة والحضور الدائم في جبهة الدفاع عنها بعلم

منطلقات الاختيار :

التدين والحرص على أن تكون الزوج/ الزوجة ملتزما ومهتما بالتزامه بتلقائية.
مراعاة المستوى الفكري والثقافي المتقارب والاهتمام العلمي المشترك.
الحرص على التأكد من العلاقة الطيبة للزوج/الزوجة مع الوالدين والإخوة والمحيط العائلي.
الانتماء إلى نفس المحيط الاجتماعي والبيئي ما أمكن.

طور الاختيار وقبل القرار :

الحرص على التزام الآداب الشرعية عند اللقاء.
استحضار البعد العقدي من خلال تنبيه المراد خطبته على أن الأمر بيد الله، وطلب الاستخارة الشرعية، وسؤال الله الذي هو خير.
عدم الوعد القاطع بالزواج خوفا من الوقوع في شرك الارتباط العاطفي الذي قد يعمي.
السؤال عن علاقة المراد خطبته/ خطبتها بأفراد أسرته، ومدى حضوره بينهم، واستجماعه لقبولهم، وحيازته لاحترامهم؛ لأجل معرفة ما يمكن عن أخوال/ أعمام الأبناء المنتظرين.

الاختيار والمساندة :

الحرص على عدم طول فترة الخطبة
التعامل بحذر مع ما يبدو من مشاعر تجاه الطرف الآخر
إشراك زوجين صديقين أثناء الحديث عن إجراءات الزواج
الاكتفاء بالاتصال الهاتفي وتجنب الزيارة لمنزل الأهل إلا لضرورة بينة.
الحرص على حضور الأقارب المباشرين والأصدقاء حفل الزفاف.

بعد الزواج والانتقال إلى بيت الزوجية :

التذكير بضرورة استحضار رقابة الله في العلاقة في حال الاجتماع والانفراد.
الموافقة على الإذن العام للزوجة بالخروج متى احتاجت، وترك أمر ذلك لتقديرها ورقابتها لله سبحانه وتعالى.
عدم التضييق عليها عند رغبتها في زيارة أقاربها أو بيت أهلها متى شاءت.
مراعاة التغيرات التي قد تحدت خلال فترات المرض والحمل والإرضاع مع المؤازرة والرعاية.
التعاون على أداء العبادات، والانخراط في بعض الأنشطة الخيرية والاجتماعية، والحرص على تنظيم دروس دينية في البيت ( جلسات للرجال وأخرى للنساء).
تقوية التعارف والصلة مع الصالحين من أرباب الأسر بالمجتمع.
العناية بتكوين مكتبة للأسرة وتنميتها وإرفادها باستمرار بمواد متنوعة
ضبط العلاقة مع الجيران والأقارب والتعامل مع الكل باحترام وإكرام، والقليل من المخالطة
التعاون على بر الوالدين، وتفهم احتياجاتهما وتحمل ما قد يصدر عنهما كيفما كان.
تعهد العلاقة الزوجية بتجديد أساليب التعبير عن الحب والمودة، واغتنام كل فرصة لتأكيد ذلك، والعناية بإمتاع بعضهما بمختلف أوجه وصور الاستمتاع المباحة بين الزوجين بغية الإحصان والعفاف.
ترك الجدال عند حدوث ما يدفع إلى غضب أحدهما، وتفضيل السكوت أو الانصراف إلى حين عودة الهدوء للمغضَب منهما.
بعد هدوء المُغضَب تتعين مناقشة ما كان سببا في الغضب، دون إفراط في التتبع والاستقصاء، بل ينبغي حرص على توجيه النظر إلى المستقبل.
السعي دوما إلى إغلاق ملف أي مشكل يحدث، والحذر من تراكم المشاكل أو التغافل عنها.
الحرص على الحضور إلى البيت غالبا بعد انتهاء العمل الوظيفي ما لم تكن هناك مهام مترتبة عليه، وعدم الانغماس في أمور ثانوية خارجه، وتفهم حالات التأخر إن طرأت مع الإخبار المسبق غالبا بإمكانية وقوعها.
العناية بتوجيه الأبناء، وعدم تدخل أحدهما عند اضطرار الآخر لتأديب المخالف من الأبناء
الاشتراك في كل فائدة يعثر عليها أحدهما
مناقشة ما يبلغ إلى علمهما من مشاكل أسرية للإفادة منها
إكرام كل مهما لمعارف وأصدقاء الآخر فضلا عن رحمهما
التوسط في نفقات البيت اليومية، مع عناية تامة بالضيوف والإحسان إليهم
وعي الزوجة بخطورة نفسية الاستهلاك، وضبطها لنفقاتها الخاصة، ولنفقات تجديد تجهيزات البيت إلا الضروري منها؛ مع تجنب تلبيتها دفعة واحدة.
الإسهام في خدمة البيت ما أمكن، وإعانة الزوجة بين الفينة والأخرى في تدبير التزاماتها البيتية.

والحق أن جملة من الأمور المذكورة أعلاه تنتج تلقائيا عن إدراك أهمية الميثاق الذي يجمع الزوجين؛ وحرصهما على طاعة الله بالوقوف عند حدوده في تدبير شركة الحياة الزوجية.

واللهَ أسألُ أن يثبتنا على الحق، وأن ينفع بهذه الكلمات من يطلع عليه، كما نسأل المنتفع بها أن يدعو لنا بظهر الغيب، وله مثل ما دعا به لنا، والله يرزقه ما تقر به العُيون.

والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *