وجهة نظر

التحدي الذي حشر الفلسفة و التربية الإسلامية في الزاوية الضيقة

لا أرى تصنيفا للسجال الثنائي بين محسوبين على الفلسفة و التربية الإسلامية، سوى في خانة التحايل على العقل و التظاهر بالتفكير لإخفاء ما نعاينه من توقف الفكر عن إنتاج المعرفة و الالتفاف على الجديد الذي صار يحرج يجرح كبرياءهما إن لم نقل يهدد عرشهما معا، و لنتأمل مثلا؛ فما لا تستطيع التربية الإسلامية الخوض فيه قاله العصامي مكذب صحيح البخاري، و ما لا يسطع فلاسفة اللاهوت تحريكه تجاوزه مهندس مدني و جاء بالبديل، فبُهت أهل التنظير و الاجترار !؟.

المزج بين الدين و السياسة ينهيهما ينهي مقولة حزب بمرجعية إسلامية، كذلك عندما يخوض الفيلسوف في علم الأديان الوجود و الاعتقاد.. فإنه يُسقط الفلسفة من دائرة الراسخون في العلم و من عنده علم الكتاب.. فيعلن حتفها و أنها لا تصلح لشيء بدليل قواعدهم و آينشتاين القائل‘‘إنه لمن الحماقة أن تحصل على نتائج مختلفة و أنت تكرر نفس الشيء’’ إن الخوض في علم الأديان و اللاهوت.. ذلك النقاش التقليدي العقيم و اجتراره لا غاية ترجى منه سوى خلق الاستفزاز و ما يلمع صورة فلان و علان.. أو تهريب النقاش الجمعي الحقيقي و الإلهاء بملفات تصفية الحسابات الخاصة.. فيبقى الذي لا يعرف شيئا لا يطلب شيئا..!.. و الواقع الحالي أتبث أن علم الأديان و اللاهوت يحتاج مختبرات و علم إحياء و فيزياء و هندسة و رياضيات و طب و علم الفلك و التاريخ و الجغرافيا و علم الاجتماع و علماء لغة وفقه.. و فصل الدين عن السياسة ليس بالمنطق الفلسفي القديم على الأقل.

المدرسة لم تعد هي المدرسة و لا العلم هو العلم لما صار العالم قرية صغيرة و كل الوسائل المستحدثة ‘‘تعلم’’ الإنسان 24/24 مما ساعد على كشف الحقيقة التي لا غبار عليها هي توقف العقل عن الإنتاج و النكوص الفكري.. (قبل ذكر أسماء أشير أننا نناقش الأفكار لا نترافع عن أحد و لا نمارس الدعاية لأحد و عداد المواقع الالكترونية يحصي لكل أتباعه) إن السؤال المحرج؛ كيف لمفكر كـ‘‘رشيد إيلال’’ بلا شواهد أكاديمية أن يُكذب الفروع بالدليل؟ و كيف لـ‘‘محمد شحرور’’ مهندس مدني أن يقتحم باب الفقه، بابا غير تخصصه و بالإقناع صارت له مدرسة و أتباعا عبر العالم، تجاوز تنظير فلاسفة الخائضين في الاجترار فجاءهم و أتاهم بالبديل ! فكيف لكبرياء فلاسفة و مفكرين أن يتواضع يميز بين؛ ‘‘جاء و أتى’’ و ما لا وجود له من مفاهيم في القاموس و لا في مراجع نيتشه و أرسطو ففسره دكتور هندسة و حسم إشكاليات كالترادف و الناسخ و المنسوخ و القرآن و الكتاب…إلخ.

الفكر منذور بالتجاوز و التاريخ مطالب بتنقيته من الأوساخ و تجنب إعادة طبع المتجاوز، التاريخ لا يرى نفسه.. و إن لم ننظر الى أسفل فلن نرى الهاوية، كما أنه لن نتحرر من التاريخ بالمساس بالأخلاقي و المطلق و المقيد في كل المرجعيات و ما يستوجب احترام الآخر..
‘‘رشيد إيلال’’ صاحب ‘‘صحيح البخاري نهاية أسطورة’’ بلا شك شوش على بعض ممن ينصبون أنفسهم ‘‘أصحاب تخصص’’ سانده علمانيون فصدمهم جميعا المفكر المهندس ‘‘محمد شحرور’’ شكل مدرسة قراءة النص الديني وفق السقف المعرفي المعاصر، فحدد سقفا عاليا على أهل الفلسفة و الفكر المكبلان بالمرجعية و النقل.. أحرج التراثيين بشعار فلسفته الجديدة ‘‘كلما زادت معرفتنا بالموجودات زاد قضاؤنا فيها و بالتالي زادت حريتنا’’ و بتحد أضاف رقميا أيضا ‘‘أنا أقول ما لا تجرؤ أنت بالتفكير فيه؛ ألف سنة و أنتم في قاع العالم، بسبب الخوف من علماء الأمة لأنكم تعتقدون أنهم فهموا كلام الله و تناسيتم أنهم بشر(…) ألف سنة و أنتم تقولون هذا ما وجدنا عليه آباءنا، لا تريدون مجرد التفكير في سبب هذا الانحطاط في كل شيء، و ستبقون ألفا أخرى ما لم تعلنوا أن الله استخلفنا في الأرض لإعمارها و قد أعطانا الحرية حتى في الكفر به..’’.

الكوجيطو بحث عن الأجوبة و التعبير عنها و ليس مجرد أنا أكرر ما قاله الفلاسفة أنا موجود؛ معملا لصناعة الأسئلة التنظيرية.. إن تجاوزنا الأنانية المضمرة كثيرون لم يستسيغوا أن يأتينا الفكر الحديث من غير حقلهم و بعضهم يتبنى بمرارة و كبرياء.. و سواء صادق ‘‘مفكرون’’ أم لم يصادقوا على نهاية الأساطير فمدرسة الفكر الرقمية تفتح الكتب و تترك للعقل العالمي حرية الاختيار.. ثم هل يتواضع فلاسفة لتسلم جرة نهجهم بالملء و الإفراغ في كل المجالات و ليس فقط في الاعتراف بفكر مدرسة المهندس و تبنيه بلا استعلاء فيأتوه طائعين و إلا فليخوضوا فيه فيكشفوا لنا ‘‘ثغرات نهجه’’ فيكذبونه أو يأتوننا بخير منه فيعتلون مقام الفضح عن جدارة، فالفيلسوف الأنيق في مزبلة التاريخ غالبا ما تكون فلسفته وسخة و الكهنوت لا يحركهم غير الفيلسوف جامع القمامة الزبال، أو بصيغة فلسفة كاتب ‘‘لصوص الله’’ لا تعنیني هنا مشكلة التاریخ، رغم أن المهمة الأولى هي مهمة تنظیفه. إذ لا توجد أعظم من مهنة الزبال، حینما یكون عمله وساخة التاریخ. لذا، عادة، لا یخشى الكهنوت إلا من فیلسوف زبال. أما الفیلسوف الأنیق في شوارع التاریخ، فعادة ما تكون فلسفته وسخة.

هذا و نختم بآيات بينات من الذكر الحكيم، قال تعالى: (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله و عند الذين آمنوا كذلك يطبع الله علىه كل قلب متكبر جبار) غافر الآية 35. و في سورة الصف الآية3 (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) صدق الله العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *