منتدى العمق

الجماعات الترابية.. إطلاق سراح مشروط

شكل دستور 2011 مرحلة انتقال استبشر به طيف مهم من المجتمع المغربي، في استشراف لغد يحمل في طياته إرهاصات الدمقرطة والحرية وتكافؤ الفرص، وشكلت مضامينه أرضية خصبة للبحث والنقاش لاسيما الفصول المتعلقة بالديمقراطية المحلية، وأقصد هنا الباب التاسع، على اعتبار أنه حمل آمالا في تحقيق عدالة ترابية تمكن الفاعل المحلي من ممارسة اختصاصاته الكاملة دون وصاية مركزية، كما شكل قطعا مع كل أشكال الريع السياسي وهدر الزمن التنموي. وعليه تم إصدار القوانين التنظيمة لتنزيل الجهوية المتقدمة في سياقات معروفة سنة 2015.

مسار اكتنفه التقاطب والترقب

رغم أن الدستور نص  في الفصل 146 على إصدار قانون تنظيمي واحد فقد تم إخراج ثلاث قوانين لتنظيم الجماعات الترابية، الشيء الذي نعتبره هدرا للزمن السياسي والتنموي على اعتبار ان الوثيقة الدستورية نفسها من خلال الفصل 86 الزمت الحكومة بإخراج جميع القوانين التنظيمية في اجل أقصاه نهاية الولاية التشريعية التاسعة، لتدخل تجربة الجهوية المتقدمة طور التنزيل على أرض الواقع.

في واقع الأمر تعرضت التجربة (الديمقراطية) الوليدة في بعدها الترابي لنكسة ديمقراطية من خلال إفراز مجالس لم تعبر عن ما أنتجته صناديق الإقتراع خصوصا على مستوى مجالس الجهات، من خلال توافقات وتحالفات حزبية الأمر الذي طرح الشكوك حول قدرة النخب المحلية وكذا الفاعل المركزي على انجاح الورش، واستمر السير في انتظار خروج المراسم التطبيق والقوانين الفرعية لتفعيل مجموعة من المبادئ الدستورية والمواد التنظيمية.

لقد تعلقت آمال كل متتبعى الشأن العام على ظهور الأثار التنموية للجهوية المتقدمة، إلا أن الوضع لم يبرح مكانه، بل تعمق التوثر بين حدود سلطة المنتخب ديمقراطيا وصلاحيات رجل السلطة المعين، كان من بين نتائجه غير المباشرة حل مجلس -كلميم ودنون- بفعل تنازع الإرادات، ليعقبه مباشرة عملية إسقاط ميزانية جهة -درعة تافيلات- عَلَى مَرْأَى ومسمع  الجميع في حلقة سمجة سجلت في تاريخ التأسيس للديمقراطية المحلية، ليبرز سؤال أي نخب لأية جهوية؟ ومن له مصلحة إفشال ما عرف بالإستثناء المغربي؟.

ما بين حل مجلس واسقاط ميزانية، شهدنا ارتدادات طارئة على تجربة الجهوية المتقدمة من توقيف الدورات بالقوة ومشدات كلامية نابية، فهل ضاقت الممارسة الديمقراطية في المغرب إلى هذه الحدود؟

صلاحيات تم الإفراج عنها

صدر يومه الجمعة 12  يونيو 2020 بلاغ مشترك لوزارة الداخلية يقضى بإمكان مجالس الجماعات الترابية وهيئاتها، عقد دوراتها العادية والإستثنائية بشكل حضوري مع الحرص على اتخاذ كافة التدابير الوقائية المقررة من قبل السلطات المختصة. جاء هذا القرار بعد إنعقاد المجلس الحكومي الذى تلته الجلسة الشهرية للبرلمان، والتي تم خلالها  الإقرار بشكل ضمنى على أن دور المجالس المنتخبة في حالة تدبير الأزمة هي الالتزام بالحجر الصحى وتقديم الخدمات البسيطة داخل مقر الجماعات، كما أكد ذلك مسبقا قانون الطوارئ الصحية، وتم منح سلطة تدبير الوضع للعمال والولات على المستوى الترابي.

هذا الإقرار سبقه قرار وزارات الداخلية بتعليق اشتغال المجالس الترابية، الأمر الذي دفع بثلاث فرق برلمانية إلى وضع مقترحات قوانين لرفع هذا التجميد، وقدمت حلا مناسبا لاجتماع للجن عن طريق استعمال وسائل التواصل عن بعد، إلا أن وزارة الداخلية عادة وأكدت قرارها السابق وتمسكها بتعليق أشتغال المجالس وتم توجيه دورية قصد إرجاء عقد دورة يونيو 2020 في إغفال صريح لما اقره الدستور في البند التاسع من المادة 146 الذي تحيل عليها المادة 84 من القانون التنظيمي  113.14 والتي تؤكد بشكل صريح أن ممارسة أي اختصاص يدخل في ما خوله القانون للجماعات يكون بإذنها أو بطلب منها وذلك تفعيلا لمبدأ التفريع، كما  استحضر في هذا السياق أيضا المادة 100 من نفس القانون، والتى تحدد صلاحيات رئيس المجلس بشكل واضح في مجال الحفاظ على النظافة والسكينة العمومية والتى يستحضرها النقاش العمومي  اليوم باعتبارهما اشكالات راهنة و ملحة  في علاقتهما مع الحالة الوبائية.

تنص المادة 100 على: “يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدبير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع..”؛ وهي صلاحيات واضحة منحها القانون للمنتخب في شخص رئيسه، إلا ان توقيف اشتغال المجالس قد يحد من ممارسة هذه الصلاحيات بالشكل المطلوب، لتتدارك الوزارة الوصية على الجماعات الترابية الأمر وتفتح المجال أمامها لعقد مجالسها.

تنازع الإرادات أم ممارسة الصلاحيات.

من نافلة القول، إن كان من أمر توسيع في الصلاحيات خلال مرحلة تدبير حالة الطوارئ الصحية فالمفروض أن تُعنى به السلطة المنتخبة بمساعدة من الأجهزة التى تشترك معها في الاختصاص، إلا أن هذه المواد التى تشمل البعد الثالث من الجماعات الترابية وغيرها من القوانين تم طرحها من المعادلة عند إعلان قرار التوقيف. وهو ما يستدعي طرح جملة من الأسئلة عن دور المنتخب؟ والانتخابات؟ والديمقراطية المحلية؟ وتفعيل مبادئ الجهوية المتقدمة من تدبير حر  وتفريع الاختصاص وحكامة جيدة؟.

فمتى يمكن تفعيل هذه المقتضيات إن لم تنزل  في مثل هذه الظروف؟ وتحضرنا في مثل هذه الحالة المادة 80 من القانون 113.14 إذ تنص: “يمكن تحين برنامج عمل الجماعة ابتداء من السنة الثالثة من دخوله حيز التنفيذ”، ألا تستدعى حالة الأزمة هذه من الجماعات التربية مراجعة برامج عملها لتكيفها مع حالة الطوارئ؟ الم تظهر ازمة كورنا اولويات جديدة يجب اعادة النظر فيها؟

∗طالب باحث 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *