وجهة نظر

إسهام حالة الطوارئ الصحية في تقليص القضايا الإجرامية

مقدمة:

رب ضارة نافعة، حديث طالما سمعناه من قريب أو بعيد في نقاشتنا، مفاده أنه مع لحوق كل شيء قبيح غير محبوب هناك شيء في ثناياه من المأمول و المرغوب.
فلا ريب أن الحجر الصحي ما هو إلا تدبير صحي وقائي و استثنائي مقيد لحرية التنقل للفرد بغية وقايته داخل مجتمعه من احتمال إصابته بمكروه سواء كان ضررا ماديا أو معنويا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ولعل للحجر لصحي آثار واضحة على الفرد و على السير العادي لمؤسسات الدولة كذلك، فإن كان الفرد قد يعاني من عزلته في بيته، لا سيما مع قلة موارده أو ضيقها، وكذلك تأثيره على مجموع الأسرة المتواجد بها في إطار العلاقات الأسرية سلبا أو إيجابا وهنا نتكلم عن التأثير النفسي المتباين بين الأفراد في إطار الأسرة الواحدة، فالدولة بفرضها لحالة الطوارئ الصحية أيضأ فإنها تكون قد أقبلت على المجازفة بالاقتصاد الوطني بغض النظر عن رصانته أو هشاشته، وهي مسألة متعلقة باستمرارية مرافق الدولة ودوامها،وهي خطوة كافية لصالح تثمين الفرد وإبراز المقاربة الحقوقية التي تبنتها الدولة وتعهدت بتنزيلها بموجب العقد الاجتماعي وملائمة مع الترسانة القانونية في مجال حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا.

ولا يخفى على المتتبع بشكل عام والمختصون في العلوم القانونية تخصص القانون الجنائي بشكل خاص تزايد معدلات الجريمة في الآونة الأخيرة، و كذا الاهتمام المجتمعي بخطورة الوضع على الأمن والسلم المجتمعي ، حيث نظمت العديد من الندوات، بداية بالتوجهات الجديدة للسياسة الجنائية المغربية من خلال دراسة مؤشرات ارتفاع نسبة ارتكاب الجريمة من خلال إحصائيات حالات العود، ونهاية بالنقاش المجتمعي والحقوقي حول عقوبة الإعدام التي تعارض الرزنامة الدولية لحقوق الإنسان و كيفية تنزيل التدابير البديلة للعقوبات السالبة للحرية، دون نسيان التقرير الأممي للمكتب الخاص بمكافحة المخدرات في أواخر سنة 2019 الذي ابرز تنامي الجريمة في المغرب وخاصة الجرائم المقرونة باستعمال العنف مع تصاعد لوثيرة جرائم القتل واغتصاب القاصرين وبعض الجرائم المستجدة، وامام كل ما تم ذكره تبقى الآمال معقودة على صياغة سياسة جنائية تراعي التحولات المجتمعية الراهنة بإقرار مسطرة جنائية اتهامية ملائمة لما جاءت به الوثيقة الدستورية بدل الميل نحو مسطرة تنقيبية تفتيشية……. وعدم الاكتفاء بتجميل النصوص وتحميلها ما لا تستوعب من خلال تعديلها، وإعادة النظر في مسألة التشريع بالإحالة وأثرها على الأمن القانوني و القضائي، لنخرج بذلك من الترقيع والركون للمنقول إلى التحيين وفق الواقع والمعقول فصياغة القانون حسب الفقيه جارسون علم وفن وبه وجب على الشارع التحلي بالعلم والدقة في تشريع النصوص القانونية .

غير ان الملاحظ في الآونة الأخيرة ومع انتشار جائحة كوفيد 19 لم يعد الاهتمام موجه سوى لمستجدات المختبرات الدولية والاحصائيات الوطنية من خلال المنابر الإعلامية بغية التحسس حول وجود مصل فعال للجائحة وعن الضحايا المحليين جراء الوباء، علما ان السلطة القضائية ووعيا منها بخطورة الوباء من جهة، والأمن القضائي والقانوني من جهة أخرى عملت على تكثيف الجهود للحيلولة دون استغلال حالة الطوارئ من قبل مرتكبي الفعل الشاذ في المجتمع لاقتراف أفعال جرمية قد يصعب حل الغازها في الوقت الراهن، من خلال إصدار دوريات من المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة تحث على اتخاذ جميع التدابير الوقائية داخل قاعات المحكمة وتثمين مجهودات القضاة وتوصيتهم من جهة، ولدعوتهم على التطبيق الصارم للقانون بالأولوية لمخالفي الحجر الصحي، وأيضا بالنسبة لبعض انواع الجرائم التي تتماشى وطبيعة المرحلة الآنية من قبيل نشر الأخبار الزائفة بغية فزع أفراد المجتمع، واحتكار ورفع أسعار المنتوجات الأساسية للمواطنين، مع الحرص على تصريف القضايا الاستعجالية دون إغفال متابعة الجرائم المتلبس بها من جهة أخرى.

وعلاقة بموضوع نقاشنا، والذي سنحصر نطاقه في تتبع مؤشرات و معدل الجريمة قبل إعمال حالة الطوارئ الصحي وبعده، وذلك اهتداءا بإحصائيات الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية في بعض الجرائم، وعليه سنطرح الإشكالية التالية ، هل تقلصت فعلا معدلات الجريمة بفعل فرض حالة الطوارئ الصحية؟ وما إسهامات السلطات المختصة في الوقاية من الجريمة مع الحرص على الالزام بالتطبيق الصارم لمرسوم قانون 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة لحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها ؟

للإجابة عن التساؤلات التالية ،سنعمل على إدراج معطيات رسمية توضح منحى الجريمة في الأشهر القليلة الماضية وخلال الفترة الراهنة وذلك باستعراض الإحصائيات المتوفرة(المطلب الاول)، تم نستعرض إسهامات السلطات في التصدي الجريمة خلال الفترة الحالية لا سيما مع تنامي بعض الجرائم المواكبة للوضعية الراهنة(المطلب الثاني).

التصميم:

المبحث الأول : المؤشرات الإحصائية لواقع الجريمة عقب حالة الطوارئ الصحية

المبحث الثاني: دور السلطات المختصة في زجر الجريمة أثناء حالة الطوارئ الصحية

بعد وضع التصميم أعلاه سنعمل على تحليل التساؤلات وفق منهجية تحليلية من خلال مقارنة الإحصائيات المنشورة حول الجريمة قبل وعقب الجائحة العالمية ليسهل توضيح تأثير الحجر على المنحى العادي الجريمة، وكيفية تعاطي السلطات معه ومعالجته وفق المقتضيات القانونية.

المبحث الأول: المؤشرات الإحصائية لواقع الجريمة عقب حالة الطوارئ الصحية

في هذا المطلب سنقوم بعرض إحصائيات معدل الجريمة مت خلال منشورات المديرية العامة للأمن الوطني، وكذلك من خلال تقديم النشاط العام للقضايا الرائجة بمحاكم المملكة خلال الفترة المذكورة، إضافة إلى تطور القضايا خلال الخماسية الأخيرة.

المطلب الأول: إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني

استنادا إلى بعض الإحصائيات المتوفرة والمتاحة في المواقع الرسمية لكل، من وزارة العدل والحريات، ووزارة الداخلية، والمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي باعتبارهم الفاعلين الأكثر إلماما بواقع الجريمة من خلال المهام الموكولة إليهم بمقتضى القانون المنظم لكيفية ممارسة سلطانهم للوقاية والاستباقية من ارتكاب الجريمة، أو لتوقيف وزجر مرتكبيها في حالة وقوعها.

وسيرا على ما تم ذكره أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني بعض الإحصائيات المبينة لارتكاب الجريمة في شهر مارس 2020 مقارنة بنفس الشهر من سنة 2019، وقد سجلت انخفاضا واضحا في ارتكاب الجريمة مما يبرز تهاوي مؤشرات ارتفاعها من خلال رصد فارق كبير في القضايا الرائجة في الوضعية الراهنة مقارنة مع السنة الفارطة.

وسنبدأ تقصي معدل الجريمة بداية من شهر شتنبر 2019 حيث أفاد مسؤول امني رفيع المستوى وهو مدير الشرطة القضائية (م.ذ) في ندوة صحفية بمقر المكتب المركزي للأبحاث القضائية بسلا عن تسجيل 499 الف قضية خلال الفترة الممتدة بين فاتح يناير إلى غاية 15 شتنبر من سنة 2019، ويضيف أن ان المعالجة الأمنية لهذه القضايا أدت لتوقيف 433 الف شخص، من بينهم 16 الف قاصر وهو عدد مرتفع مقارنة بنفس الفترة من السنة التي قبلها بعدد قضايا يقدر بزيادة 24 الف قضية، لترتفع النسبة المئوية لمجموع 5،58 بالمئة، وسبب هذه التزايد حسب نفس المصدر يعزى إلى الوصول لنتائج عدد كبير من الجرائم سجلت ضد أشخاص مجهولين في السنوات القليلة الماضية، ناهيك عن تصفية القضايا العالقة في نفس المدة الزمنية.

كما أشار مدير الشرطة القضائية إلى تزايد العدد الإجمالي للمشتبه فيهم الموقوفين بنسبة 10 بالمئة، فضلا عن تزايد عدد المشتبه فيهم القاصرين المضبوطين بمعدل 3،13 بالمئة، في مقابل ذلك فإن مؤشرات الجريمة العنيفة أو المقرونة بالعنف، والتي ترتبط مباشرة باستشعار الأمن، مثل الاعتداءات الجسدية والسرقات الموصوفة المشددة والاعتداءات الجنسية وجرائم الضرب والجرح العمديين لا تشكل سوى 8،9 بالمئة من المظهر العام الجريمة وهو تراجع بنسبة 5،25 مقارنة بإحصائيات السنة المنصرمة (1 إحصائيات صادمة عن معدل الجرائم بالمغرب، ندوة صحفية بالخميس 19 سبتمبر 2019 ، منشور إلكتروني، نظر يومه 2020-04-16).

كما أسفرت العمليات الأمنية المنجزة بخصوص الجرائم العنيفة والمقرونة بالعنف، عن توقيف وتقديم أمام العدالة لما مجموعه 23.757 شخصا، من بينهم 465 سيدة، و2097 قاصرا، للاشتباه فيهم بارتكاب قضايا السرقة المقترفة في الشارع العام، وفي السياق ذاته تم تفكيك 332 شبكة إجرامية تنشط في اقتراف السرقات بالعنف بالشارع العام، والتي أوقفت مصالح الأمن في إطارها 652 شخصا، وحجزت 102 قطعة سلاح ابيض، و33 سيارة و 22 دراجة نارية. لتكون النتيجة خلال الفترة الممتدة ما بين فاتح يناير إلى غاية 15 شتنبر 2019 عن توقيف 420.348 شخصا، من بينهم 331.252 تم ضبطهم في حالة تلبس، و89.096 شخصا كانوا يشكلون موضوع مذكرات بحث من أجل جنايات وجنح مختلفة، وذلك بنسبة زيادة ناهزت 8،23 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من السنة المنصرمة(2 – المجلة الإلكترونية المغربية للأمن الوطني، العدد الاخير، سنة 2019 ص،30 ).

كل ما تم ذكره من إحصائيات يظهر واقع الجريمة في المرحلة السالف ذكرها مقارنة مع نفس المرحلة من السنة الفارطة،حيث سجلت قضايا جديدة مسايرة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية مع تنامي أعداد الجانحين من القاصرين والنساء في الآونة الأخيرة.

ومن تاريخ هذه الإحصائيات إلى الاشهر الاخيرة قبل الجائحة ظل معدل الجريمة في منحى عادي مع ارتفاعه ببعض مدن المملكة وهو ما انتبه له المسؤولون بسرعة، بعد تعبير مجتمعي عارم عن تدني استشعار الامن، لتصدر المديرية العامة للأمن تعزيزات امنية لصالح المدن التي تعاني من ارتفاع مؤشرات الجريمة خاصة الجرائم المرتبطة بالإحساس بالأمن العام والاعتداء المادي والجسدي على الأشخاص في الشارع العام، وقد نجحت المجهودات الجبارة لحد بعيد في توقيف عدد من الجانحين والمطلوبين أمام العدالة إقليميا ووطنيا، ناهيك عن التدخلات الميدانية التي أسفرت عن إيقاف عدد كبير من المشتبه فيهم وإحباط بعض المحاولات الإجرامية والوقاية منها، غير ان ما سلف ذكره عرف تغيرا واضحا وفق آخر إحصائيات تم نشرها في عدد صحفي إخباري بتاريخ 2020\04\15 خصص لجس نبض الجريمة إبان فرض حالة الطوارئ الصحية، وعدا تسجيل 20 الف من مخالفي حالة الطوارئ الصحية، جاءت الإحصائيات على الشكل التالي تسجيل 20- بالمئة بمعدل 10.867 قضية، موزعة على الشكل التالي، بخصوص الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية للأشخاص سجلت نسبة 67- بالمئة من جرائم القتل، و175- بالمئة بالنسبة لمحاولة القتل العمد، وفيما يخص جنح الضرب والجرح المفضي للموت تم تسجيل 250- بالمئة، و 41- في جرائم الاعتداءات الجنسية، أما بخصوص الجرائم الماسة بممتلكات الأشخاص سجلت 52- بالمئة في السرقات المقرونة بتهديد السلاح الأبيض و 28- بالمئة بالنسبة للسرقات الموصوفة. (-3 نشرة إخبارية خاصة لإحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني تهم معدل الجريمة).

وتجدر الإشارة إلى أن مخالفات السير سجلت كذلك انخفاض بارز في ظل الحجر الصحي ، حيث تم تقليص ما نسبته 52 بالمئة من الحوادث مقارنة مع السنة الماضية.

كل ما تم ذكره من إحصائيات يظهر انخفاض معدل الجريمة مقارنة مع إحصائيات السنة الفارطة، غير أن هذه السنة كانت خاصة نظرا لتزامن هذه الإحصائيات مع فرض حالة الطوارئ جراء تفشي جائحة كوفيد 19، وما عقبه من آثار على جميع المستويات مما جعل السلطات المختصة تتدخل بفرض قيود على تنقل الأشخاص،وفرض رخص استثنائية لأغراض ضرورية ولعل هذه التدابير ساهمت بشكل جلي في الإنخفاض الملاحظ لمؤشر الجريمة.

المطلب الثاني: إحصائيات الجريمة من خلال القضايا الرائجة في محاكم المملكة

في هذه الفقرة سنعمل على رصد مؤشرات الجريمة من خلال القضايا الرائجة أمام محاكم المملكة من خلال الاعتماد على إحصائيات تطور القضايا خلال الخماسية (2015-2019)، وكذلك بالاعتماد على النشاط العام للمحاكم خلال سنة 2019.

يتبين من خلال مؤشرات القضايا الرائجة بمحاكم المملكة لسنة2019 أن مجموع القضايا الجنحية وصل إلى 338.286 قضية بنسبة 27،80 بالمئة من مجموع القضايا، وتم الحكم في 348834 قضية بنسبة 28،33 بالمئة، فيما قدر مجموع القضايا المخلفة 90.544 قضية، وفي قضايا الجنح التلبسية بلغت 241.009 قضية بنسبة 19،81 بالمئة من مجموع القضايا تم الحكم في 239.391 قضية بنسبة 19،44 بالمئة فيما تخلف البث في 20.114 قضية، وبخصوص جنح السير تم تسجيل 96.814 قضية بنسبة 7،96 بالمئة من مجموع القضايا، حكمت 95694 قضية منها بنسبة 7،77 بالمئة فيما تخلف البث في 7427 قضية (4-موقع وزارة العدل والحريات ، إحصائيات القضايا الرائجة، وثيقة مرجعية بصيغة محملة، سنة 2019 ، تم الاضطلاع عليها والتوثيق يومه 2020\04\18 ) .

وفي مؤشرات تطور القضايا خلال الخماسية 2015-2019 جاءت إحصائيات سنة 2019 كالتالي، القضايا المسجلة بلغت في محاكم الاستئناف العادية 258.943 قضية مقارنة مع 262.140 قضية سنة 2018 ، أما بخصوص القضايا الرائجة بلغت في نفس المحاكم 350.866 قضية سنة 2019 مقارنة مع 3630.73 قضية سنة 2018 ، تم البث والحكم سنة 2019 في مختلف المحاكم الإستئنافية بالمملكة 269.868 قضية مقابل 363.073 قضية سنة 2018.

بخصوص المحاكم الإبتدائية تم تسجيل 245.545 قضية سنة 2018 راجت منهم على أنظار المحكمة 298.5931 قضية وتم الحكم في 250.9918 قضية، ويلاحظ ارتفاع عدد القضايا سنة 2019 بمجموع 272.5834 قضية مسجلة، عرضت 320.3085 قضية أمام القضاء، وحازت 275.4326 على أحكام ابتدائية(5- موقع وزارة العدل والحريات، إحصائيات تطور عدد القضايا خلال الخماسية 2015-2019 ،وثيقة مرجعية بصيغة محملة، سنة 2019 نفسه).

من خلال الإحصائيات السالف ذكرها والتي تم تضمينها من إحصائيات منشورة بالموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات في وثائق مدمجة للتحميل، ان معدل الجريمة قد انخفض نسبيا سنة 2019 مقارنة بالسنة التي قبلها، ويرجع ذلك إلى الدور المهم التي تلعبه الأجهزة المختصة في قمع وزجر الجريمة ونخص بالذكر المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني بواسطة المكتب المركزي للأبحاث القضائية و التي تقوم بأدوار مهمة للوقاية من الجريمة وردعها، واستباب الأمن والحفاظ على النظام العام والأمن المجتمعي بموجب الدور المنوط بها والموكول لها قانونا(6 محمد الدخيسي: مدير الشرطة القضائية، ندوة صحفية بمقر المكتب المركزي للأبحاث القضائية ، يومه الخميس 19 سبتمبر 2019 ،مقال إلكتروني منشور، نظر يومه 2020\04\18)، دون إغفال دور السلطة القضائية التي تضمن الحماية القانونية والقضائية للأشخاص وحماية حقوقهم في حالة هضمها واسترجاعها، أو زجر مرتكبي الأفعال الشاذة التي تشكل تهديد على السلامة الجسدية للأفراد وممتلكاتهم.

وقد ظل معدل الجريمة مستقرا مع دخول سنة 2020 من خلال مقارنة الأشهر الأولى منه مع نفس الأشهر من السنة الماضية، إلى ان قامت رئاسة النيابة العامة في إطار تفعيل المقتضيات الزجرية التي جاء بها مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة لحالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها ببلاغ فحواه انه منذ دخول المرسوم بقانون المذكور حيز التنفيذ وإلى غاية يومه الجمعة 17 أبريل 2020 على الساعة الرابعة بعد الزوال،سجلت مختلف النيابات العامة بالمملكة 25857 شخصا قاموا بخرق حالة الطوارئ الصحية، من بينهم 1566 شخص أحيلوا على المحكمة في حالة اعتقال.

كما تابعت النيابات العامة 2593 شخصا منهم ، موزعة بين 25203 شخص راشد و 654 قاصر متنوعة بين الجنسين 25086 ذكور و 789 إناث، عقب هذه المتابعات إصدار أحكام من مختلف محاكم المملكة في حق مجموعة من الأشخاص المدانين قضت بعقوبات حبسية إلى جانب الغرامات المالية.

وفي نفس السياق، تجدر الإشارة إلى بروز بعض الجرائم المستجدة والمواكبة للوضعية الراهنة والمتمثلة في النصب بداعي التبرعات لصالح الفئات الهشة، و والمضاربة في أثمان الكمامات الواقية بعد تسقيف اثمانها وتعميمها، وصناعة مواد طبية مزيفة مثل المعقمات الكحولية، وكذلك جريمة نشر وترويج الأخبار الزائفة التي من شئنها زعزعة الأمن المجتمعي، وخلق حالة من التخويف والتهويل للمواطنين في ضرب صارخ للمجهودات التي تقوم بها السلطات المغربية ملكا وحكومة وشعبا في محاصرة الوباء وفق مقاربة حقوقية وإنسانية مؤطرة بمجموعة من القوانين التنظيمية، وقد فتحت النيابات العامة في هذا الصدد لاسيما بعد دورية رئاسة النيابة العامة التي تثمن مجهودات السلطة القضائية في إطار وحدتها، وتنوه بمجهودات قضاتها، وتحثهم على التطبيق الصارم للقانون بخصوص جريمة نشر الأخبار الزائفة 93 بحثا قضائيا،تم على إثره تحريك المتابعة القضائية في حق 70 شخصا من بينهم 19 شخصا توبعوا في حالة اعتقال، في حين لازلت باقي الأبحاث متواصلة.

ولعل ما سبق ذكره، ومن خلال المقارنة البسيطة مع السنوات الماضية واضح تقلص عدد القضايا الإجمالي مع بروز بعض الجرائم النوعية والحساسة لإرتباطها بخصوصية الأشخاص من جهة، والتأثير على مجموع الأفراد في المجتمع من جهة أخرى مما يجعل منها ذات خصوصية مزدوجة متمثلة في حماية النظام العام والسلم المجتمعي وضمان أمن وسلامة الحياة الخاصة للمواطنين من جهة أخرى ، وفي هذا الإطار تؤكد رئاسة النيابة العامة على التزامها بموجب الدور المنوط بها في حماية المجتمع وسلامته، على التطبيق الصارم للقانون في حق المخالفين الذين يعرضون الأمن الصحي للمواطنين للخطر ويستهينون بحياة المواطنين و سلامتهم. ( 7-بلاغ النيابة العامة حول حالة الطوارئ، منشور بموقع رئاسة النيابة العامة، تم الإطلاع يومه 2020\04\19).

المبحث الثاني: دور السلطات المختصة والمجتمع المدني في زجر الجريمة أثناء حالة الطوارئ الصحية

عقب فرض حالة الطوارئ الصحية من خلال السلطات المختصة، عملت جل المؤسسات على التقيد بإجراءاتها واتخاذ التدابير الوقائية التي تعين في محاصرة تفشي الجائحة في ربوع الوطن، وقد أظهر كل الفاعلين على الصعيد الوطني استجابة ومرونة ي التعاطي مع الإجراءات الجديدة المرحلية، وما يخصنا تماشيا مع الموضوع كيفية تعامل السلطات المختصة في ردع الجريمة عقب الحجر الصحي، وسنخص بالذكر إعمال التدابير القانونية لرجال الأمن والدرك الملكي في تعاطيهم مع واقع الجريمة لا سيما مع ظهور أنماط جديدة للجريمة، ثم نعرج على الإجراءات القضائية ودورها البارز في الحد من الجريمة أو على الأقل تقليصها.

وعليه سنقوم في هذا المطلب برصد مختلف التدابير القانونية بموجب مرسوم بقانون حالة الطوارئ من طرف رجال الأمن ( الفقرة الأولى)، ثم مجهودات السلطة القضائية وفق سلطتها التقديرية في تطبيق الإجراءات القضائية بما يتماشى وطبيعة المرحلة الحالية (الفقرة الثانية)، ثم نتطرق لإسهام المجتمع المدني في محاربة الجريمة بطريقة غير مباشرة عن طريق التوعية والتحسيس في أنشطتها الحقوقية، لتلائم بذلك التوجهات الوطنية في التعاطي مع تنامي معدل الجريمة( الفقرة الثالثة).

المطلب الأول: إسهامات العناصر الأمنية في تفعيل التدابير القانونية أثناء حالة الطوارئ الصحية

اصدر المديرية العامة للأمن الوطني عقب فرض حالة الطوارئ الصحية مجموعة من التوصيات باتخاذ جميع التدابير القانونية، وتسخير جميع الموارد البشرية و كذلك الإمكانيات اللوجيستيكية الموجهة من قبل المديرية العامة للأمن الوطني رهن إشارة المصالح الوطنية والجهوية والمحلية التابعة لها للتعبئة بحزم لهذه المرحلة العصيبة، بالإضافة إلى المهام الاصلية والمتمثلة في حماية المواطنين وسلامة أجسادهم وممتلكاتهم من أي مكروه.

وقد باردت المديرية العامة للأمن الوطني و مديرية مراقبة التراب الوطني مباشرة بعد تأسيس صندوق خاص لتداعيات ومواجهة الفيروس كوفيد 19 بأوامر مولوية من الملك محمد السادس بضخ مبلغ 40 مليون درهم، انخراطا من هاتين المؤسستين الأمنيتين في التعبئة الوطنية لمكافحة هذا الوباء.

وتظهر هذه التوصيات في الترتيبات التي اتخذتها جل المصالح الأمنية في تشديد نقاط المراقبة في مداخل جميع المدن وعدم جواز مرور العابرين إليها الا بترخيص مسلم من طرف السلطات المحلية يخول صاحبه التنقل بين المدن وفق ما هو معمول به على صعيد التراب الوطني.

ففي مدينة مكناس مثلا قامت الأجهزة الأمنية على المستوى الحضري في مجمل الأحياء بترسيم نقاط مراقبة، ولم تكن الغاية منها الحد من تنقل المواطنين بقدر تقنينه بشكل يتلائم مع تصريحات الخروج الاستثنائية المسلمة من قبل السلطات المحلية، اما على المستوى القروي فعناصر الدرك الملكي في سرية الدرك بمكناس تقوم بنفس المهام التي يقوم بها رجال الامن من مرافقة حملات التوعية والتحسيس إلى جانب السلطات المكلفة بالمجال القروي وتسخير طائرة درون لتعقب تنقلات المواطنين في الطرق السيارة والبوادي المجاورة، ثم الدور الأصلي المتمثل في قمع الجريمة ومساعدة القضاء في تحقيق العدل وضمان أمن المجتمع، ولن يكون الأمر مخالفا لما هو معمول به في باقي المدن وسنعتبره قياسا على المستوى الإجرائي القانوني المتخذة والموحد على مجموع التراب الوطني، ناهيك عن الشروع في استعمال لتعقب عن طريقة صفيحة الهاتف الخلوي لتمكين عناصر الأمن من تتبع المواطنين الحاصلين على رخص التنقل خلال تنقلاتهم و التأكد من الوجهة المصرح بها ، وزجر كل مخالفي حالة الطوارئ الصحية. ( برنامج إخباري من تقديم الأستاذ والصحفي عبد الرحمان ابن دياب، منشور بصحيفة كاب 24 ، تم الإطلاع يومه 2020\04\22

كما تساهم المديرية العامة للأمن الوطني إلى جانب السلطات المحلية واعوانها في التوعية من خطر انتشار فيروس كورونا والتدابير الاحترازية اللازمة لذلك ، وفي صدد ردع الجريمة تقوم عناصر الشرطة القضائية إلى جانب السلطة الإدارية المختصة بتعقب المضاربين في اثمنة المواد الغذائية أو من يقومون بتزييف المعدات واللوازم الطبية، والضرب بيد من حديد في إطار القانون على مروجي الأخبار الزائفة، ولعل كل ما تم ذكره من تدابير ساهم في تقليص معدل الجريمة وسرعة التصدي إثر ارتكابها، أو توقيف مرتكبها في حالة وقوعها.

وتثمينا للمجهودات الجبارة لعناصر الشرطة والأمن الوطني بمختلف رتبهم في مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا، والحرص على قرارات السلطات القاضية بتنفيذ الحجر الصحي، قام المدير العام للأمن الوطني بإرسال برقية شكر لرجال الأمن منوها بتضحياتهم ونكران الذات، وانخراطهم اللامشروط في الحرص على سلامة المواطنين، وتفعيل قرارات المديرية العامة للأمن الوطني المتعلقة بمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد وهو ما يبرز رضى الجهاز الأمني على النتائج المحققة في المدة المذكورة سواء منها الوقائية أو الزجرية في مواجهة الجريمة.

المطلب الثاني : دور القضاء في حماية الحقوق و الحد من الجريمة عقب حالة الطوارئ الصحية

قامت السلطة القضائية بدور مهم عقب فرض حالة الطوارئ الصحية من خلال دوريات متتالية تروم إلى إتخاذ التدابير الوقائية، والتفاعل إيجابا مع تداعيات الجائحة من خلال تعبئة جميع الموارد البشرية الكفيلة باستشعار تحقيق العدالة، وقد ساهم المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلال جميع موظفيه، التزاما منه بتفعيل مبدأ التضامن و المسؤولية الوطنية و انسجاما مع الرؤية والإرادة الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد نصره الله بالتبرع براتب شهر واحد لفائدة الصندوق الوطني الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا والذي تم إحداثه لمواجهة آثار هذا الوباء. ( 8- بلاغ صحفي عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية منشور على الموقع الإلكتروني الرسمي، تم الإطلاع يومه 2020\04\20).

كما أصدر المجلس الأعلى بخصوص تنظيم العمل بالمحاكم للوقاية من وباء كورونا دورية تقرر فيها تعليق انعقاد الجلسات بمختلف محاكم المملكة ابتداءا من الثلاثاء 17 مارس 2020 حتى إشعار آخر باستثناء القضايا الجنائية والجنحية الخاصة بالمتهمين الموضوعين تحت تدبير الإعتقال الإحتياطي والمودوعين بمؤسسات سجنية، القضايا المحالة على قاضي التحقيق بشأن اظناء لتقرير معهم بعد استنطاقهم حول إبداعهم بإحدى المؤسسات السجنية أو متابعتهم في حالة سراح، قضايا الأحداث والقضايا ذات الطابع الإستعجالي التي لا تحتمل التأخير حيث يتعين البث فيها حتى خارج أوقات العمل وبكيفية مستعجلة، تفاديا لضياع حقوق أحد الأطراف في انتظار البث في النزاع من محكمة الموضوع.

كما أوردت الدورية انه يتعين على جميع السيدات والسادة الرؤساء الأولون و رؤساء المحاكم باتخاذ التدابير اللازمة والكفيلة بتفعيل ما تم تقريره،والحرص على تدبير جميع الموارد البشرية العاملة بالمحكمة في حده الأدنى بما يضمن استمرارية المرفق، وضبط عملية ولوج المرتفقين، بحيث لا يسمح لهم بولوج المحكمة الا للضرورة القصوى، مع إشعارهم بإمكانية الإطلاع على الإجراءات ومآل الملفات عبر المواقع الإلكترونية الخاصة بالمحاكم(9- دورية المجلس الأعلى للسلطة القضائية عدد 151\1 الصادرة بالرباط يوم 2020\03\16).

وفي نفس السياق قامت رئاسة النيابة العامة مراعاة للتدابير المتخذة والتي تهم بالأساس المساهمة في مجهودات السلطات في محاصرة انتشار الوباء، وحفاظا على سلامة السادة القضاة والسادة المحامون وغيرهم من مساعدي العدالة وأيضا صحة و سلامة المتقاضين بإصدار دورية للحد من توافد المواطنين و المتقاضين على النيابة العامة، وذلك بفتح قنوات الإتصال عن بعد لتمكين المواطنين من تقديم شكاياتهم وتظلماتهم والحصول على معلومات دونما حاجة للتنقل لمختلف النيابات العامة، بالإضافة إلى تأجيل القضايا التي لا تكتسي طابع استعجالي وغير مقيدة بآجال قانوني،وتم بشأنه إنشاء خطين الفاكس، الاول يعنى بالمواطنين وكل ما يخص مآل شكاياتهم واجراءاتها، والثاني يخص السادة المحامون.(10- دورية رئاسة النيابة العامة ، رقم 10س/ ر.ن.ع بتاريخ 2020\03\16 منشور بالموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة، نظر يومه 2020\04\20).

وفيما يخص ردع الجريمة ووفقا للإحصائيات المذكورة أعلاه بخصوص الموقوفين على خلفية خرق حالة الطوارئ الصحية أو المطلوبين للمثول أمام محاكم القضاء ،يلاحظ من خلالها سهر الجهاز القضائي بكل مقوماته في الحفاظ على السلم والأمن الإجتماعي من خلال عدد المتابعات المسطرة والإجراءات القانونية والقضائية ، وإصداره أحكاما قضائية في حق مروجي الأخبار الزائفة عبر الوسائط الإلكترونية لترويع المواطنين، وكذا بشأن المضاربين في اثمنة بعض المنتوجات الاستهلاكية بما فيها المنتجات الطبية المزيفة، كل هذا يحد من انتشار الجريمة أو على الأقل يقلصها من خلال العقوبات الموقعة على مخالفي المقتضيات القانونية في المرحلة الحالية .

المطلب الثالث: دور المجتمع المدني في التوعية للحد من انتشار الوباء وتقليص الجريمة

بخصوص المجتمع المدني ومن خلال ما تم رصده خلال الأسابيع التي تلت فرض حالة الطوارئ الصحية، انها ساهمت إلى جانب السلطات المحلية في التوعية بأخطار انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث قامت عدد من الفعاليات الحقوقية بالتوجه إلى عموم المواطنين في مبادرات إنسانية لتوزيع الكمامات والمواد المعقمة، في حين ركزت أخرى على دور العجزة والتركيز على الفئة المسنة، وفي نفس الصدد بادرت جمعيات في توزيع هواتف ولوائح إلكترونية على بعض التلاميذ من الأسر الفقيرة، وتوالت المبادرات بين توزيع مؤونات غذائية لفائدة الأسر المعوزة ومبالغ مالية كذلك.

وبخصوص الجريمة لعل التوعية الحقوقية التي التزمت بها بعض الجمعيات الحقوقية ذات المصداقية الوطنية كان لها وقع في تقليص معدلها، إما من خلال دعوة الشباب إلى الإنتاج والمعرفة النافعة وتحفيزهم ومساعدتهم على سلوك السبل القويمة والسوية والدفع بعجلة التنمية الوطنية التي أرسيت اول دعائمها بمخطط التنمية البشرية، أو من خلال الدورات التكوينية القانونية والحقوقية التي تسهم في تعميم الثقافة القانونية من خلال التأكيد على ضمان التمتع بالحقوق المضمونة والمصانة قانونا ،والحرص على الإلتزام بالواجبات وفق العقد الإجتماعي في إطار دولة الحق والقانون.

خاتمة:

إن كل ما تم ذكره يعد قراءة سريعة في المعطيات الحالية لمعدل الجريمة وكيفية تعاطي السلطات المحلية مع فرض حالة الطوارئ الصحية وزجر و قمع الجريمة، ولعل تقلص المعدل الإجمالي للجريمة راجع إلى المجهودات الجبارة التي تقوم بها جميع الاجهزة الامنية من رجال الأمن والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية التي تسهم بالعمل الميداني إلى جانب المصالح المدنية بتعليمات ملكية سامية، إضافة إلى مجهودات السلطة القضائية المتمثلة في جهود المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة في المساهمة في إطار التعاون والتضامن الوطني لمواجهة تداعيات فيروس كوفيد 19 ،وكذلك التصدي لبعض الجرائم المستجدة والمواكبة للوضعية الراهنة، وردع القضايا الزجرية التلبسية، والتصريف المرن للقضايا الرائجة، وكل هذا في إطار مقاربة قانونية و حقوقية تضمن حرية الأفراد ولا تجعل من حالة الطوارئ مقيدا لها بل مقنن وفق ما تقضي به حالة الطوارئ الصحية لضمان امن وسلامة المجتمع ولضمان تجاوز هذه المحنة بسلام.

* باحث في العلوم القانونية تخصص القانون الدولي الخاص والهجرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *