وجهة نظر

عبد الفتاح السيسي ونهاية فيلم “أنا.. الجنرال المختار”

تؤشر الأزمة الليبية على نهاية دموية لأحداث فيلم ” أنا .. الجنرال المُختار ” الذي أنتجَته شركة “فَتَّان للتَّشْنيع” بتَكلُفة مالية تقدر بملايير الدولارات. و هو فيلم أَكشِن مبني على أحداث واقعية تجمع ما بين الدراما و التراجيديا و الحرب و فنون القتال، و يلعب فيه دور البطولة المتأخِّرة الممثل المصري عبد الفتاح السيسي حيث يجسد شخصية الجنرال الإنقلابي الذي يحاول جعل مقر جامعة الدول العربية حديقة خلفية لمواقف محور اللِّئَامِ ضد إتفاق الصخيرات.

و تدور أحداث الفيلم الجديد حول شخصية جنرال مَأْزوم يقضي ساعات طوال مُنعَزلِاً يُكَلِّم نفسَه داخل غرفة ضيقة بقصره الفسيح ، محاولا الهروب من ذل الهزيمة العسكرية التي قد تستَعجلُ سَكرات احتِضارِه السياسي. لِيُسارعَ مهرولا نحو القيام بمناورة أخيرة من خلال تحويرِ مضامين المادة الخامسة من ميثاق جامعة الدول العربية، و التي تنصُّ على مهمّة التَّوسط لحل الخلافات العربية – العربية و عمل مجلس الجامعة من أجل منع وقوع حرب بين دولة و أخرى من الدول الأعضاء ، و إصدار قرارات التحكيم و القرارات الخاصة بالتوسط ، و منع اللجوء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة. حيث تعتبر قرارات المجلس في هذا النوع من القضايا نافذة و مُلزِمة.

و بالعودة إلى سيناريو الفيلم فنجد قصَّتَه مقتبسَة بتصرف عن رواية ” حلفُ الضِّباع” التي توثق لمسار العلاقات الإماراتية/المصرية التي تمظهرت فظاعاتها الدموية منذ الإنقلاب العسكري على القوى السياسية التي صعدت إلى حكم مصر عن طريق صناديق الإقتراع. و رغم تمكن الجنرال المختار من السيطرة على مركز القرار بأرض الكنانة، إلاَّ أنه لم ينجح في إقامة نظام جديد ديمقراطي يحتضن الإختلاف داخل المجتمع المصري. كما أنه لم يأْتِ ببرامج إقتصادية و لا حلول إجتماعية جديدة ، مما أدى إلى تفاقم الاختلالات الداخلية و انتهاكات حقوق الإنسان ، و شاع خبر الفقر المائي في مصر العزيزة . كما إستنزفت الحروب العبثية خزائن المالية العامة ، و تقوَّضت الروابط و العلائق بين فئات مصر و سارت إلى بؤس الفرقة و التشتت إلى مِلل و نِحل متقاتلة على الأرض و على برامج الفضائيات التلفزيونية و الهواتف الذكية و وسائل التواصل الاجتماعي و غيرها من التكنولوجيات الجديدة.

هكذا إذن تعرّت جرائم نظام الجنرال الديكتاتوري الذي إنتهى إلى حالة كارثية تدل على الصَّفاقة و الانحطاط على كافة الأصعدة. و بات التغيير الإيجابي مطلبا مصريا أساسيا، بعد أن فرَّط الجنرال القاتل في كرامة السيادة الوطنية و استقلالية القرار المصري ، و زاغ عن الدور التاريخي الذي كانت تلعبه مصر العزيزة في المنظمات العربية و الإسلامية. كما لم تُسعفه عقليَّته الدموية في إستيعاب معاني التحول الديمقراطي و الحرية و الكرامة و لم يستطع ترجمة شعارات إسقاط القمع و الاستبداد إلى ثقافة حكم حديثة، بل تدهورت الأوضاع المعيشية و الصحية داخل مصر العزيزة بسبب الفشل الاقتصادي و التنموي و الفساد المالي.

و من بين الشخوص البارزة في فيلم ” أنا .. الجنرال المختار” يتمظهر الممثل ” أبو العِيط ” و هو مسؤول يدين بالولاء للجنرال السيسي الآيل للسقوط. حيث يلعب دور الأمين العام لجامعة الدول العربية، لكنه مسؤول فاشل لم ينجح في تفعيل دورها الديبلوماسي لرأب تصدعات النظام الإقليمي العربي، رغم أنها تتوفر على حد أدنى من الأساس القانوني الذي يسمح لها بالتدخل في القضايا التي تهم المصير العربي المشترك. لكي يتضح للجمهور في الأخير أن هذه الجامعة العربية بحاجة إلى نفس إصلاحي يقيها شر التجميد و الضمور بعد عجزها عن التفعيل القبْلي لما تبقى من أساس قانوني كان يؤهلها للتدخل في النزاع الليبي ، و العمل على تسويته بشكل يخدم حاضر و مستقبل النظام الإقليمي العربي.

و الجدير بالذكر ، أن مجلس الجامعة العربية لم يعد يحتضن حلول تدبير نزاعات عديدة ( اليمن ، سوريا ..) و لم يُسْمَخ له بإعادة شدِّ أواصر الوحدة العربية. و ذاك ما أتاح لكل من إيران و تركيا و روسيا فرص النفاذ بسهولة من نفق المواثيق المُجَمَّدة و الديمقراطية المخنوقة. فَتَراكمت المشاكل البنيوية في دول المنطقة حتى صار الفضاء السياسي العربي مرتعًا خصبًا للمشاريع التوسعيَّة العابرة للحدود التي تستفيد من فوضى التغيير التي زعزعت أوطان الأمة العربية.

و تتطور أحداث فيلم ” أنا .. الجنرال المُختار” كيْ تصل عند إكتمال عقدتها إلى حقيقة أن إعادة صياغة ميثاق جامعة الدول العربية تتطلب بالأساس مصالحات عربية شجاعة توقِف لؤمَ ضِباع الحلف الإماراتي المصري، الذين يزرعون شرور معارك سياسية تقودها تنظيمات حزبية مأجورة أو حروب دموية تدور رحاها بالوكالة داخل بلدان عربية عديدة. و هكذا ستنكشف سوأة محور اللِّئام الذي أضاع آمال الشعوب العربية في الحرية و الكرامة و الديمقراطية بين سندان العنف الداخلي و مطرقة التدخل الأجنبي، فحلَّ الرِّهانُ على المقامرات الجيو-ستراتيجية محل خدمة المصالح الشعوب العربية.

و حسب رأي العديد من النقاد ، فإن فذلكات قصة فيلم ” أنا .. الجنرال المُختار” ستثير الإنتباه إلى أن تحديات المرحلة قد تجاوزت طرح الأسئلة الثانوية إلى إلزامية تقديم الأجوبة الرئيسية المتعلقة بشكل و طبيعة النظام العربي الجديد بعيدا عن ثنائية الثورة / الثورة المضادة. و هذا ما يتطلب تصحيح تعريف الفعل الثوري كي نستطيع تجاوز فوضى الممارسات العنيفة التي قادت نحو انتشار حالات اللاَّدولة و جعلت من الصراع على الحكم إقتتالاً يفضي بالضرورة إلى الإنقلاب على حقوق الإنسان أو التدخل العسكري الأجنبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *