منتدى العمق

“الخطة الثلاثية”.. إستراتيجية فعالة للتصدي للوباء

تفرض الظروف على المغرب اليوم سياسة خريطة “التتبع الذكي، وأيضا “خطة التعايش” “وثقافة التعامل” تجاه الفيروس، التي تحتمل أن الوضع سيسوأ، مما يجعل ضرورة تبني الخطة الثلاثية، من أجل مواجهة أزمة كوفيد -19، التي تعتمد أساسا على تأسيس بنية نظم معلوماتية صحيحة؛ أي استخدام كواشف تحاليل، باعتماد نقطة دم من الأصبع ذات حساسية عالية، لاكتشاف الإصابات الصامتة، حيث أصبح التحليل ورقة مهمة جدا لفصل الناس، وبالتالي تمنحك نظرة من أعلى لأماكن البؤر الساخنة، و تتبع الحالات الإيجابية، و الأهم تتبع مخالطيهم، لكن مشكلة التحاليل تكون “نفسيا” أنها تمثل عبئا، لأنها بالتبعية ستتضخم أرقام الحالات، و لكنك لا يمكن أن تعيش كدولة بعد سنة، دون أن تكون التحاليل قادرة على أن تذهب لكل الناس كل الوقت، دون ذلك ستظل دائما معصوب الأعين ولا تعلم مكان الفيروس، ناهيك أن تحقيق هذا الشرط يتطلب توفر الأموال الضخمة من جانب الدولة.

الأهم في خريطة التتبع هو البحث عن مخالطين، و لن يكون في هذه الحالة تحاليل الأشخاص المخالطين هي نهاية المطاف، و لكن بوضعهم على منحنى التنبؤ كحالات وارد إصابتها في الأيام التي تليها، و عليه إذا طبقت الدولة ذلك على مستوى العموم، ستنشأ خريطة “التتبع الذكي”، بمعنى تنبؤ إحتمالات مستقبلية للمرض و الأماكن المتوقعة، و سيكون من الملائم حينها، أن تتدخل الدولة بالمستشفيات الميدانية و الإستعداد الطبي في منطقة دون الأخرى، للإجهاض الإستباقي، أو لتوزيع مواردها الطبية المتاحة من أسرة و طواقم طبية إلى المناطق المتوقع تضررها، (قبل لا بعد تضررها)، حتى لو أدى الأمر لعزل إقليم معين بشكل إستباقي عكس الأقاليم حوله. لهذا سياسة التتبع الذكي المبنية على التنبؤ و “الحظر المرن” هي ما سيتيح لنا كحكومة، أن نسبق الفيروس إلى الضحية قبل أن يسبقنا هو إليها، ما أراه الآن هو سياسة إطفاء حرائق بعد اندلاعها. لكن المواجهة الحقيقية هي المواجهة المبنية على بيانات ويعقبه تحرك إستباقي.

هذا يا سادة هو ما يطلق عليه سياسة “التتبع الذكي”، التي فيها حزمة من القرارات، ولها تأثير، وأيضا توقيتها الأنسب.

أما فيما يخص “خطة التعايش” مع وباء الكورونا، التي كشفت عنها الحكومة، وكانت مدتها ثلاثة أشهر تقريبا إذا نجح تطبيقها، الأولى تشمل استمرار الإجراءات المشددة الحالية من إغلاق للمدارس والجامعات وأماكن الترفيه كالمقاهي، دور السينما، صالات ممارسة الرياضة والمطاعم عدا خدمة التوصيل المنزلي، وعدم إقامة المناسبات الاجتماعية كالأفراح والجنازات والعزاء.

وكان الهدف منه هو أن تستمر هذه المرحلة، حتى تحقق معدل تناقص مستمر في إجمالي الحالات الجديدة المكتشفة.

المرحلة الثانية هي مرحلة الإجراءات المتوسطة، وتبدأ بإنتهاء المرحلة الأولى، فهي مرحلة الإجراءات المخففة والمستمرة، من خلال نشر الوعي وفرض إرتداء الكمامات واحترام مسافات الأمان.

هذه الخطة ليست بالقطع الخيار المثالي، ولكنها البديل الأكثر عملية وقابلية للتطبيق وملائمة لواقعنا وظروفنا الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية.

ومع تطبيق هذه الخطة، التي أدت إلى تطوير الأداء، القدرات، وأيضا حسن سرعة الإستجابة، وتجهيز المستشفيات، وتأمين أطقمها الطبية وتطوير آليات واضحة وحاسمة للتعامل مع الحالات المصابة أو المشتبه في إصابتها، وكذا الحالات التي وجدت ملاذا بأحد مراكز الاستقبال.

لذا، خطة التعايش هذه هي استمرار حظر التجول الجزئي زمانا ومكانا، والتشدد والحسم في مراقبة تطبيق حظر ممارسة الأنشطة وإغلاق المواقع المذكورة، وعدم التهاون في تطبيق العقوبات، ذلك حتى تؤتي الخطة ثمارها المرجوة .

أما خطة “ثقافة التعامل”، فنحن نجد على المستوى الفردي من يمارسون بكل جهل وسرور لعبة القط والفأر مع سيارات الشرطة، التي بمجرد ظهورها وإطلاق سفارة التحذير، فإن الجميع يطفئ الأنوار ويختفي سريعا داخل مداخل البيوت و الشوارع الجانبية، حيث ترى مجموعة من الأشخاص إما تلعب الطاولة، أو شباب يلعبون كرة القدم في الشوارع، أو الأطفال يلهون، وبمجرد ذهاب سيارة الشرطة، يعود الجميع بكل همة ونشاط إلى مسرحهم العبثي المحزن.

أتصور أننا بحاجة إلى تطوير ثقافة التعامل الرشيد مع جائحة بهذا الحجم، وأول أسس ثقافة التعامل الرشيد تبدأ من الإقرار بأن الفيروس سوف يبقى كخطر حال لمدة أطول مما كنا نتوقع، ولابد من أن نتعايش مع هذه الحقيقة، ونقلل من شعور الخوف، وننتقل إلى التشديد على أهمية الحذر.

والحذر له عدة إشتراطات حتى يكون مجديا وفعالاً، أولها الحفاظ على النظافة والحرص عليها أكثر من أي وقت مضى، ثم التخلص من العادات الكثيرة السيئة المتعلقة بسلامات الأحضان والتعانق، وضرورة الحفاظ على مسافة بيينا، وبين من نتعامل معهم، ونصر عليها حتى نجبر الجميع على احترام المسافة، والأهم في مسألة ثقافة التعامل الرشيد مع الفيروس، أننا يجب أن نتشدد في مواجهة؛ أي احترام قواعد التباعد الواجبة، خاصة في أماكن التجمعات.

ومسألة ثانية في ثقافة التعامل، هي على رجال الإعلام والتنوير المجتمعي أن يواصلوا دون كلل دورهم البناء في التوعية وتوضيح ما قد يكون غامضا أو خافيا عنا.

أخيرا، وقف انتشار الوباء وتقليل معدلات الإصابة، وعودة الحياة إلى طبيعتها مقرون بمدى قدرة المؤسسات المعنية على إنجاح الخطة الثلاثية، وأيضا بمدى قدرتنا كمواطنين على التمسك بالجدية، وإنهاء حالة الإستهتار والإلتزام بإجراءات الوقاية وعلى رأسها قرارات الدولة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *