منتدى العمق

العمارة العسكرية بالمغرب.. فاس نموذجا

سنحاول في هذه المقالة العمل على دراسة تاريخية تراثية لمدينة فاس العريقة خاصة فيما يتعلق بالجوانب الأثرية و المعمارية الفريدة خاصة الأمنية و العسكرية منها للمدينة العتيقة و ذلك عبر مر العصور و الفترات التي مرت على المدينة منذ التأسيس إلى يومنا هذا و أهم التغييرات التي طرأت عليها على الجانب المعماري و الهندسي للمدينة معتمدين في ذلك على أهم المراجع و المصادر المختلفة التي اهتمت بدراسة هذه المدينة الجيواستراتيجية، محاولين تحديد خصائصها و ملامح تطورها بغية الإسهام في تطوير البحث العلمي عن العمارة العسكرية المغربية التي ما زالت في طور التأسيس خلافا للدراسات العمرانية الأخرى المهتمة بالمعمار الديني و المدني .

فالمؤهلات المميزة للمدينة ألحت على القائمين بتدبير شؤونها إلى تحصينها و الزيادة في مناعتها و هو ما يتردد في الكتابات الإدريسية و العلوية ، حيث لا يزال جزء كبير من هذه البنيات قائما إلى يومنا هذا على الرغم من اختفاء بعض أجزائها و اندثار معالمها و ذلك بفعل عدة عوامل، من مفهوم العمارة الإسلامية فالعمارة لغة: مصدر فعل عمر يعمر، عمارة أي صار عامرا، وعمر المكان أهله اسكنوه وعمر المنزل جعله آهلاً.

يرد فعل عمر عدة مرات في القرآن الكريم }إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر{ (سورة التوبة الآية 18). أما المصدر فلا يرد إلى مرة واحدة: }أجعلتم نهاية الحاج وعمارة المسجد الحرام{ (التوبة الآية 19).

العمارة اسم للبنيان والعمران، ويقول أبو صالح في كتابه “الفن الإسلامي” «العمران البنيان، وهو أيضا اسم لما يعمر به المكان» أما في الاصطلاح، فإن العمارة فن مرتبط بالبناء وفق قواعد معينة.

و ترتبط العمارة العسكرية الإسلامية بالتاريخين السياسي و العسكري لدولة الإسلام التي شهدت فترات متنوعة من طبيعة العلاقات الداخلية والخارجية فضلا عن الحروب و المعارك التي شهدتها مما ألزم الدول الإسلامية الدخول في طور التحدي لتثبيت أمن و أمان الدولة و الدفاع عن حدودها هنا سننطلق لسبر أغوار هذا المقال .

تقع مدينة فاس في أقصى الشمال الشرقي للمملكة المغربية و هي ثاني أكبر مدن المملكة، كما أنها تعد مدينة تاريخية عريقة ضمن تراث اليونسكو العالمي و عاصمة ثقافية و روحية للمغرب حاليا يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الثامن الميلادي إبان مجيء المولى إدريس الأول إلى المغرب سنة 789 م بعد نجاته من موقعة فخ سنة 786م، حيث بنيت النواة الأولى للمدينة على الضفة اليمنى لوادي فاس بحي الأندلسيين .

و “ذلك بعد أن ضاقت على المولى إدريس مدينة وليلي نظرا لكثرة الوفود العربية عليها، حيث اشترى مكانا اكتشفه وزيره عمير بن مصعب ، من بعض القبائل المتناحرة بسبب اختلافهم الديني و القبلي، مقابل ستة ألاف درهم . و شرع بعد ذلك في بناء عدوة القرويين، و انتقل إليها نهائيا مع أهله و عشيرته و رجال دولته و شجع الناس على بناء بيوتهم لتعمير المدينة ، و في عدوة الأندلس أنزل الأندلسيين الوافدين من هسبانيا و لم أتم إدريس بناء مدينة فاس جعلها عاصمة ملكه”
تطور المجال الدفاعي المغربي منذ مرحلة ما قبل الإسلام، و انتشرت التحصينات على مجموع ترابه حيث أثبتت الأركيولوجية وجود أحزمة دفاعية “الليمس” limes”خصوصا خلال الوجود الروماني إذ عمد الأباطرة الرومان إلى إنشاء شبكة من المواقع العسكرية و أبراج المراقبة قصد التحكم في النقط الإستراتيجية، خاصة في ليكسوس و تامودا و شالة و وليلي و باناصا و تاموسيدا و الأمثلة كثيرة في هذا الجانب من تاريخ المغرب .

إن نظرية التطور في المعالم العسكرية تجد تفسيرها في تنوع الأساليب التي يتم تبنيها في التخطيطات المعمارية المدنية، فكانت هذه المعالم العسكرية تستجيب لمتطلبات المرحلة التاريخية و تتساوق مع الأهداف الدفاعية المتوخاة من بنائها، و تفيد دراسة الآثار المتبقية من العهد الروماني التعرف بشكل دقيق على أنظمة الحكم الذي استخدموه في المغرب من خلال المباني الإدارية و العسكرية إذ كان الاهتمام بالتحصين مهما، حيث عملوا على بناء المدن و إحاطتها بالأسوار الضخمة و الأبراج الدفاعية تقيهم هجمات السكان و الثوار المغاربة .

تطور الشكل الهندسي للبنايات العسكرية بالمغرب منذ عهد الأدارسة حيث انتشرت مراكز خاصة لحراسة الثغور و تسوير المدن خصوصا مدينة فاس و البصرة، و إنشاء القلاع كقلعة حجر النسر و جراوة و تامديلت و غيرها من المواقع الإستراتيجية .

خاصة قلعة حجر النسر التي كانت حصنا منيعا مرتفعا جدا و الذي لا تزال به أطلال أثرية من البنيان و النحت الحجري و الذي شيدها الأمير محمد بن ابراهيم بن محمد القاسم بن الامام ادريس الأزهر بن الإمام ادريس الأكبرسنة 317 هـ .

يوجد أعلى الجبل بها مشهد عظيم يعلوه خمس قباب بنيت في عهد مولاي عبد الرحمان العلوي و به ضريح الأمير أحمد مزوار بن علي حيدرة المتوفى سنة 350 هـ
أما المرابطون فقد شيدوا العديد من التحصينات للدفاع عن امبراطوريتهم بالارتكاز على على تنظيم عسكري محكم، باعتبار أن اساس الدولة هو التنظيم العسكري السليم .

فلقد كانت خطتهم العسكرية تعتمد وضع شبكة من الحصون لحراسة محاور الطرق الاستراتيجية و مراقبة القبائل و تدعيم سيطرتهم عليها و الحد من تحركاتها، فقد شيدوا سلسلة من الحصون و القلاع حول جبال الأطلس لإخضاع المصامدة و السيطرة عليهم، كما قاموا ببناء مجموعة من الحصون في مختلف المناطق القبلية التي أخضعوها و خاصة في المواقع التي تمكن من المراقبة المستمرة لها بالجبال و الهضاب و الأماكن المنعزلة، و يتجلى ذلك في الأماكن التي تم اختيارها لبناء هذه الحصون و القلاع مثل تادلا و هسكورة و تازغدرا و غيرها و التي تعتبر كلها مناطق جبلية .

فلقد كانت هذه الحصون عبارة عن قلاع عسكرية تتألف من جدران سميكة غليظة تنهض سامقة في الجو تتخللها أبراج على هيئة أنصاف دائرية و تحيط بها الخنادق الواسعة .

و خير مثال على ذلك حصن قصر الحجر الذي قال فيه صاحب الحلل الموشية “و ذلك في سنة ثلاث و ستين و أربعمائة ، فأقام بعده يوسف بن تاشفين مدبرا للأمور، قائما بالملك، و اشتغل ببناء الحصن المسمى بحصن قصر الحجر برحبة مراكش ..” و قصبة النصراني و حصن أمركو الذي شيد على علو مرتفع لحراسة سفوح الجبال و الممرات و يعتبر من أروع ما خلفه المرابطون في المجال المعماري العسكري إذ يشرف على وادي ورغة جنوب قلعة بني تاودا و قلعة تاسفيوت و تاسغيموت، و لم يكتف المرابطون بالتحصينات الجبلية فقط بل تم تحصين المدن وتسويرها كمدينة مكناس و تلمسان و يبدو هذا النموذج واضحا بمدينة مراكش التي شكلت العاصمة السياسية للبلاد طيلة عملية التوحيد السياسي حيث ارتكز بناؤها على دواعي أمنية و عسكرية و يستشف ذلك من خلال رواية ابن عذاري : “تشييد دار الإمارة ، أي قصر الحجر، و ساهم فيه الجميع، حيث شارك الأشياخ أيضا ، و أعانوا على البناء بالمال والرجال …”

أما الموحدون فقد اتسعت عنايتهم بالتحصينات، إذ أصبحت القصبة تعني كل مدينة محصنة بأسوار و أبراج، كما غذت القصبة تحنوي على مرافق اجتماعية من مساجد و حمامات و مخازن للتموين و سجن و سوق و مساكن للعسكر و قصر السلطان و بساتين و قد حافظ الموحدون على نفس السياسة الدفاعية التي اعتمدها أسلافهم المرابطون و يظهر ذلك جليا في ترميم و بناء عدد من التحصينات كان أهمها تينمل التي اختارها المهدي ابن تومرت منطلقا لدعوته و تجييش أتباعه و اعتبرت حصنا منيعا بشهادة صاحب الحلل الموشية، إذ يقول فيها : “و أن المهدي توجه إلى تينمال، لما رأى من منعتها، و حصانة موضعها … و أدار على المدينة سورا أحاط بها من كل جانب، و بنى على رأس الجبل سورا، و أفرد في قمته حصنا يكتشف على ما وراء الجبل، و لا يعلم مدينة أحصن من تينمال، لا يدخلها الفارس إلا من شرقها أو من غربها . ”

و قد اعتمد في بناء الحصون على رجل من أهل الأندلس يدعى الفلكي الأندلسي حيث ذكر صاحب الحلل أنه : أول من صنع له حصونا، ضبط بها أنقاب جبل درن، الذي يتوقع بسببها الخوف من نزولهم إلى البسائط، فمنعهم من الهبوط عليها .

و عمد خلفه عبد المومن على نهج سياسة دفاعية عبرت عن حس إستراتيجي و وعي دفاعي، فتم بناء حصن بجبل طارق، و جعله قاعدة أمامية للدفاع عن البلاد، و تشييد رباط تازة عام 529 هـ

ليخصص كقلعة عسكرية مهمة، و رباط تيط المعروف حاليا بمولاي عبد الله بالقرب من الجديدة.

يضاف إلى ذلك العديد من الأسوار و الأبواب خاصة بمدينة الرباط باب الوداية ، باب الأحد ، باب الرواح ، باب العلو ، باب زعير … أو في مدينة مراكش باب أكناو حيث شيد السلطان المنصور الموحدي القصبة و جهزها بأبراج ضخمة و تميزت الأسوار بإرتفاعها و متانتها كما تنوعت الخيارات في تصاميم البناء و استيعاب بعض العناصر المأخوذة من حضارات أخرى خاصة تلك التي سادت بالأندلس.

شكلت مسألة التحصينات خلال العهد المريني نقطة بارزة في سياسيتهم الدفاعية إذ إنها لم تتغير عن العهد السابق، فانتشرت على طول البلاد و تم ترميم العديد من المنشأت العسكرية و تشييد أخرى فاأهتموا ببناء قلاع ساحلية لمواجهة القرصنة الأوربية، حيث شيدوا أربعة حصون شاهقة بسبتة، و شبكة من القلاع الممتدة من أسفي إلى مدينة الجزائر، و حصنوا جبل طارق و بنوا قصبة تطوان و قلعة دبدو و غيرها .

و تعتبر قصبة شالة مثالا حيا في مجال التحصين و اختيار المجال و الموضع الجغرافي بإطلالتها على وادي أبي رقراق، و هو ما جعلها تؤمن الأراضي الفلاحية المجاورة للوادي و تميزت القصبة بإحاطتها بالأسوار ذات أبراج بلغ عددها اثنان و عشرون برجا للمراقبة موزعة على طول الأسوار، و قد شيدت لأغراض دفاعية محضة، حيث اتخذت الأسوار شكلا مخمس الأضلاع غير منتظم، و تتميز بالارتفاع و بباب ضخم كسيت واجهته من الداخل و الخارج بحجارة منحوتة .

مثال أخر بمدينة سلا التي أحاطها المرينيون بأسوار خاصة في الواجهة الغربية في عهد يعقوب بن عبد الحق كما ذكر أبي زرع في كتابه روض القرطاس “فلما خرج النصارا عنها بنا عليها السور الغربي، الذي يقابل الوادي لأنها كانت لا أسوار لها من تلك الجهة … فسار في بنائه فبناه من أول دار الصناعة الى البحر “، و بأبواب ضخمة على الطراز الموحدي كباب المريسة، و باب دار الصنعة.

كما أن مدينة فاس لم تغيب عن السياسة الدفاعية التي نهجها المرينيون، إذ أحيطت بسلسلة من الأسوار و يعتبر السور الداخلي الذي بني على عهد السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق مؤسس الدولة المرينية، نموذجا لذلك.

ما يميز المرحلة الحديثة هو ظهور السلاح الناري، مما فرض تقنيات جديدة في أساليب المجال الدفاعي بجميع مكوناته و تجلياته، حيث إن الهندسة العسكرية و تحديد مجال التحصينات كانت و لابد أ، تتلاءم و طبيعة الأسلحة الجديدة .

\حظيت التصاميم بدراسة إستراتيجية الهجوم و الحصار و تقدير مدى مقاومة تلك التحصينات لضربات المدافع و طرق الاختراق، ما دفع بالمهندسين العسكريين و البنائين إلى استلهام النموذج الأوربي خاصة الاسباني و الايطالي، و ذلك باعتماد على تقنيات حفر الخنادق و تقوية سجف السرير بالأحجار و الدبش .

و عليه فإن العهد السعدي تميز بتعدد المنشآت العسكرية في جميع ربوع البلاد من اجل ضمان الأمن و تميزت بظهور فن جديد في مجال التحصينات بما يسمى بالهندسة الباستيونية .

امتدت هذه التحصينات من الساحل الأطلسي حتى أقصى الحدود الشرقية لتافيلالت و منها إلى تغازى حيث تنتشر منشآت عسكرية مثل مرسة أكادير بسوس كما جاء في صاحب نزهة الحادي “أول من أختط مرسى أكادير بالسوس الأقصى سنة سبع بموحدة و اربعين و تسعماية لما أجلى النصارى دمرهم الله من الموضع …” و قصبة أزرو بسوس ، و دادس ، و مزكيطا ، و تنزولين ، و بالإضافة إلى قصبتين بإقليم التوات بهدف حماية القوافل التجارية الصحراوية الذاهبة أو القادمة من السودان، و هو ما يدل على حضور تحديد جغرافي دفاعي في توزيع المنشآت العسكرية خلال هذه المرحلة حتى في أقصى الجنوب المغربي و تخوم الصحراء .

فيما يتعلق بالمناطق الشمالية فقد أنشأ السعديون عدة معسكرات و حصون منها :

تحصينات مدينة فاس : البرج الشمالي الذي بني على شكل مربع ينتهي عند زواياه الأربعة بأبراج مثلثة الشكل، مما جعله يطل بمدافعه الضخمة على كل الجهات من فوق أسوار قصيرة الارتفاع سميكة عند القاعدة .

و البرج الجنوبي : و هما من الإتقان بحيث لا يعرف قدرهما إلا من وقف عليهما حسب الأفراني في نزهة الحادي أو فيما كتبه الفشتالي في مناهل الصفا بقوله : “ومما أسهم به ايده الله و خلد ايامه لمدينة فاس من الأثار الشريفة و المصانع المنيفة التي هي طرز على عواتق تحصينها و منعتها الحصون الشامخة الانوف الجاثمة … “، تفننت في سبيل التحصين أوضاعها، يحرس بعضها بعضا، و تكاتر عدد أنقاضها الفاخرة ، و برج اللقلاق و برج الفتح بالعرائش، الباستيون بتازة، الذي روعي في بناءه شروط استعمال المدافع كما تم تشييد تحصينات بدبدو و بادس و القصر الكبير و عليه فالاهتمام السعدي بهذه المناطق يرجع إلى حساسيتها العسكرية، حيث تمثل واجهة المغرب المطلة على العالم المسيحي و على أتراك الجزائر شرقا، لقد نجح السعديون في سياستهم الدفاعية إلى أبعد حد، إذ ضمن المغرب بفضلها بعده عن السيطرة العثمانية على عكس بقية الدول المجاورة و هو ما جعل سلاطين هذه الدولة يولون اهتماما بالغا بالمنطقة الشرقية .

كانت مسألة التحصينات و الدفاع حاضرة عند الدولة العلوية فقد خصص السلطان مولاي الرشيد ألف مثقال لبناء القصبة الجديدة بفاس في حين عمد السلطان مولاي إسماعيل الذي سخر نفسه لتشييد و تجديد العديد من القصبات في مواقع دفاعية تغطي مجال نفوذه، إلى نهج سياسة عسكرية،رغم أن المغرب قد عرف في عهد الأسر السابقة نظام الحصون و القصبات التي كان دورها مقتصرا في الدفاع عن حدود البلاد الخارجية و عن رد هجمات القبائل، بل إن هذا السلطان قد سن نظاما جديدا في مجال الدفاع و التحصينات و تقسيم المغرب إلى ثلاثة مقاطعات عسكرية و هي : تافيلالت و مراكش و فاس، و في وصف هذه القصبات و القلاع العسكرية أكد الناصري في الاستقصا : دخلت سنة ست و تسعين وألف فيها خرج السلطان غازيا بلاد ملوية، و جعل طريقه على مدينة صفرو، ففرت قبائل البربر إلى رؤوس الجبال و هم ايت يوسى و شغروسن و أيوب و علاهم و قادم و حيون، فأمر السلطان ببناء قلعة باعليل و أخرى على واد كيكو من أسفله، و أخرى على وادي سورة على وادي تشواكت، ثم خرج السلطان بملوية ففرت القبائل المذكورة إلى جبل العياشي و تفرقوا في شعابه، فأمر ببناء قلعة بدار الطمع و قلعة بتاببوست و قلعة بقصر بني مطير و قلعة بواطواط و قلعة بالقصابي ، و أقام على نهر ملوية يبث السرايا و يشن الغارات على البربر قريبا من سنة و العمل مستمر في بناء القلاع إلى أن أكملت أسوارها و أنزل رحمه الله بكل قلعة أربعمائة من خيل العبيد بعيالهم .

في نفس السياق أشار هنري طيراس إلى أن مدينة مكناس بنيت لتقوم بوظائف دفاعية، حيث كانت عبارة عن قلعة كبرى و مخزنا للأسلحة و قاعدة لانطلاق الحركات السلطانية، جانب اخر عمل السلطان مولاي اسماعيل على سنه في مجال التحصينات هو اهتمامه بتوفير الشروط المادية لضمان سير نظامها إذ كان من بين الوظائف التي تم تكليف القلعة بها هو تحصيل الضرائب أي تقريب الإدارة الجبائية من القبائل و ضبط عملية الجباية المحلية و استغلال جزء من هذه الضرائب لتموين القلاع : و قد أشار الناصري لذلك بقوله : “… فولى عليهم رئيسهم بايشي القبلي فااستصفى منهم الخيل و السلاح، ثم تجاوزها إلى المال فااستصفاه أيضا، و جمع ذلك كاه و قدم به على السلطان و هو ببسيط ادخسان” و عين السلطان مولاي اسماعيل لكل قبيلة تلك البلاد قلعتها التي تدفع بها زكواتها و أعشارها لمؤونة العبيد و علف خيولهم .

و يحيل المؤرخون على 79 قصبة و هي عبارة عن أحزمة دفاعية و مراكز مراقبة، كقصبة تادلا بالأطلس و قصبة حميدوش بالضفة اليمنى لتانسيفت …. أما السلطان سيدي محمد بن عبد الله فقد اهتم بدوره ببناء العديد من التحصينات فضلا عن بناء مدينة الصويرة و تحصينها و التي كانت شبيهة بالمراكز المحصنة التي سبق أن أسسها الإسبانيون و البرتغاليون ، و سموها بريزيديوس سنة 1760 م .

Presidios و هي حصون و مواقع تجارية تتولى حراستها حاميات عسكرية، كما شيد العديد من السقالات بالرباط و سلا و أبراج فضلا عن تجديد الأسوار بجل المدن المغربية .

و قد تميزت المرحلة التاريخية الممتدة زمنيا من سنة 1844 إلى 1912 م بكونها مرحلة مهمة في التاريخ العسكري المغربي، فخلالها بدل السلاطين المغاربة جهودا كبيرة لإصلاح القطاع العسكري و كل ما يتصل به من تحصين للمراسي و بناء و إعادة إصلاح الأبراج و قد تميزت المرحلة كذلك بتشييد تحصينات على طول السواحل المغربية .

المصادر المعتمدة :

ـــ إسماعيل بن الأحمر ، بيوتات فاس الكبرا ، دار منصور للطباعة و الوراقة ـ الرباط 1972 م ، ص 13
ـــ مؤلف مجهول ، الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، تحقيق سهيل زكار و عبد القادر زمامة ، دار الرشاد الحديثة الدار البيضاء ، ط 1 ، 1979 ، ص 25
ــ ابن عذاري المراكشي ، البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب ،ج 3،تحقيق بشار عواد معروف و محمود بشار عواد ، دار الغرب الاسلامي ، ط 1 ، 2013 ، ص 16
ــ مجهول ، الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، تحقيق سهيل زكار و عبد القادر زمامة ، دار الرشاد الحديثة الدار البيضاء ، ط 1 ، 1979 ، ص 112ـ113
ــ علي بن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس، دارالمنصور للطباعة و الوراقة الرباط 1972 ، ص 301
ــ محمد الصغير بن الحاج بن عبد الله الوفراني ، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تم طبعه بمدينة انجي ، 1888، ص 41

ـــ ابي فارس عبد العزيز الفشتالي ، مناهل الصفا في مأثر موالينا الشرفا، تحقيق عبد الكريم كريم ، جامعة محمد الخامس الرباط ، مطبوعات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية والثقافة ، ص 263
ـــ أحمد بن خالد الناصري، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج7، تحقيق جعفر الناصري و محمد الناصري، دار الكتاب الدار البيضاء 1997 م ، ص 68
ـــ أحمد بن خالد الناصري، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج7، تحقيق جعفر الناصري و محمد الناصري، دار الكتاب الدار البيضاء 1997 م ، ص 70

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *