غياب التخدير وحضور التهميش في زاكورة .. هكذا فقدت مريم حياتها ورضيعها

لا يمكن أن يمر خبر وفاة سيدة حامل ورضيعها في زاكورة مرور الكرام، وكأنه حادث عرضي في منطقة معزولة. ما وقع ليس قدرا محتوما، بل نتيجة حتمية لواقع صحي متدهور، غابت فيه العدالة المجالية، وتركت فيه حياة المواطنين رهينة طريق جبلية ومنعرجات قاتلة.
كيف يعقل أن يفتقر مستشفى إقليمي يخدم أزيد من 300 ألف نسمة إلى أبسط مقومات الرعاية الصحية الأساسية؟ طبيب تخدير غائب نصف الشهر، عمليات جراحية متوقفة بشكل متكرر، أطر صحية تئن تحت ضغط عمل يفوق طاقتها. هل هذه منظومة صحية أم مجرد محطة عبور للمرضى في اتجاه ورزازات أو مراكش… حيث تبدأ معاناة أخرى مع التنقل وتكاليف العلاج؟
وفاة “مريم” ورضيعها ليست حادثة معزولة، بل هي صورة مكثفة لمعاناة نساء زاكورة مع الأمومة. كل حمل في هذه المنطقة النائية يتحول إلى رهان على الحياة أو الموت، وكل ولادة تختزل في “مغامرة” محفوفة بالمخاطر. والسؤال المؤلم: هل حقا حياة ساكنة المغرب العميق أقل قيمة من غيرها؟
منذ سنوات، يرفع المواطنون والحقوقيون أصواتهم مطالبين بمستشفى إقليمي مجهز يراعي الخصوصية الجغرافية لزاكورة. لكن وعود الوزارة الوصية لا تتجاوز البلاغات. وحتى عندما يحتج الأطباء والممرضون ويخوضون اعتصامات داخل المستشفى، فإن صدى مطالبهم يضيع في دهاليز البيروقراطية.
لقد آن الأوان لفتح نقاش وطني جدي حول العدالة الصحية في المغرب. فلا معنى أن نتحدث عن “ورش الحماية الاجتماعية” بينما هناك مناطق يموت فيها المواطنون لأن مستشفى إقليمهم يفتقر إلى طبيب تخدير! ولا معنى أن نفتخر بالمؤشرات الصحية بينما نساء المغرب العميق يودعن الحياة في سيارات الإسعاف وعلى جنبات الطرق.
إن زاكورة اليوم لا تطلب المستحيل، بل فقط الحق في مستشفى يحفظ كرامة الإنسان. والحق في أن تكون الولادة حياة جديدة، لا بداية لفاجعة.
الوزارة الوصية اليوم تتحمل كامل المسؤولية: سنوات من الوعود الفارغة، ملايير تصرف على “برامج إصلاح” يصل منها القليل أو لا تصل إلى زاكورة، مقابل موت مجاني يضاعف الإحساس بالحكرة والتهميش. والسلطات المحلية بدورها مسؤولة بصمتها وتبريرها المتكرر، بدل رفع الصوت في وجه المركز دفاعا عن ساكنة الإقليم.
الحق في الصحة ليس منة من الدولة، بل حق دستوري. وإذا كانت الحكومة عاجزة عن ضمان أبسط شروط الكرامة الإنسانية في الولادة، فعليها أن تتحمل تبعات تقصيرها، وأن تعترف بأن سياساتها تقتل المواطنين بصمت.
مريم لم تمت وحدها، ماتت معها ثقة ساكنة زاكورة في مؤسسات يفترض أن تحمي حياتهم. والسؤال الآن: كم من “مريم” أخرى يجب أن تموت حتى تدرك الدولة أن المغرب ليس فقط الدار البيضاء والرباط، بل أيضا زاكورة وتمكروت والمحاميد وأكدز ونواحيها ؟
والمؤسف أكثر أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، التي يفترض أن تتحمل المسؤولية المباشرة في ما جرى، التزمت الصمت ولم تصدر أي بلاغ يوضح ملابسات وفاة “مريم” ورضيعها، أو يحدد الإجراءات الاستعجالية لتفادي تكرار مثل هذه المآسي.
هذا الصمت الرسمي زاد من غضب الساكنة وعمق شعورهم بأن أرواحهم لا تساوي شيئا في حسابات المسؤولين، وأن الحادثة لن تكون سوى رقم جديد يضاف إلى سلسلة من الوفيات المأساوية التي تطوى ملفاتها بسرعة دون محاسبة أو إصلاح.
اترك تعليقاً