منتدى العمق

القانون التعديلي للمالية بين الماهية والتطلعات

ان الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الراهنة التي يمر منها المغرب، و المتمخضة عن أمرين أساسيين، الأول يتمثل في جائحة كرونا التي انتجت لنا تراجعا ملحوظا في عائدات الضرائب والثاني يتمثل في قلة التساقطات المطرية أو بعبارة اخرى نوبة الجفاف التي يعاني منها المغرب حاليا وما لها من تداعيات على الاقتصاد الوطني بحيث ان الزراعة بالمغرب تمثل حوالي 20 بالمئة من الناتج الداخلي للدولة، ولاسيما ان المغرب يعول بشكل كبير على الزراعة البورية والتي تتوقف بالأساس على تساقط الأمطار من عدمه، كل هذه الامور اربكت عملية تنفيذ الخطوط والمعالم الكبرى للتوازن المضمنة في قانون المالية للسنة الجارية الامر الذي تولدت معه ضرورة اعداد الحكومة لقانون مالي تعديل يأخذ بعين الاعتبار الظروف الراهنة التي يمر منها البلد.

فماذا نقصد اذن بقانون المالية التعديلي ؟

وما الفرق بين القانون المالي السنوي والقانون المالي التعديلي ؟

وما طبيعة النقاش الرائج حاليا بين الحكومة والبرلمان حول مسطرة مناقشة القانون المالي التعديلي ؟

وماذا ننتظر من القانون المالي التعديلي لسنة 2020؟

ومحاولة مني لاستيفاء الجواب على كل هذه التساؤلات سوف اعمل على حصر دائرة اشتغالي من خلال اٌعتماد التقسيم التالي :

اولا: قانون المالية التعديل وسؤال الماهية

ثانيا: اعداد القانون المالي التعديلي لسنه 2020 بين التطلعات ورهانات الواقع

اولا: القانون المالي التعديلي وسؤال الماهية

يعد القانون المالي التعديلي بمثابة استثناء لقاعدة السنوية التي يتميز بها قانون مالية السنة هذا الاخير الذي لا يمكن تعديله الا بواسطه قانون مالي تعديلي طبقا للمادة الرابعة من القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية الا انه وبالرجوع الى أول قانون تنظيمي لقانون المالية والذي يعود الى سنة 1963 نجد ان المشرع لم يكن يستخدم حينها عباره القوانين المعدلة وانما كان يستخدم عباره القوانين المصححة وذلك في كل من المادة الثانية والسابعة من نفس القانون، وعموما فإن القانون المالي التعديلي هو القناة أو السبيل الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه من طرف الحكومة بغية حصولها على الإذن البرلماني من اجل تصحيح وتعديل توقعاتها السابقة المضمنة في قانون المالية السنوي. وهناك بطبيعة الحال مجموعة من النقاط التي تشكل مكامن اختلاف وتباين بين كل من القانون المالي السنوي وكذا القا نون المالي التعديلي، والتي سأعرج على أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، فنجد هناك اختلاف على مستوى تعامل القا نون التنظيمي لقانون المالية مع مجلسي البرلمان بخصوص الآجال المعتمدة للتصويت فنجد ان المدة المخصصة للقراءة الاولى لمجلس النواب للتصويت على قانون المالية السنوي هي 30 يوما مقابل 22 يوما لمجلس المستشارين بينما تنخفض هذه المدة عندما يتعلق الأمر بالقانون المالي التعديلي الى ثمانية ايام لمجلس النواب و اربعة أيام بالنسبة لمجلس المستشارين، وبعبارة أكثر دقة فإذا كانت المدة المخصصة لمجلس النواب للتصويت على قانون المالية السنوي تفوق نظيرتها بمجلس المستشارين بنسبة 37 في المئة تقريبا، فإن الفرق بالنسبة لقانون المالية التعديلي يتسع حيث يصل الفارق لخمسين في المائة.

كما ان هناك اختلاف ايضا في ما يتعلق بالوثائق التي ترفق بقانون المالية، بحيث نجد ان كل من القانون المالي السنوي وقانون التصفية يمثلان تكريس مادي للحق في المعلومة وذلك بناء على كون القانون التنظيمي لقانون المالية ينص على وجوب ارفاق مشاريع هذه القوانين بمجموعه من الوثائق، في حين ليست هناك اي اشارة لأي وثيقة ترافق مشروع القانون التعديلي.

ومن جانب آخر كذلك نجد ان القانون التنظيمي لقانون المالية يعطي الامكانية للحكومة للاشتغال ولو لم يتم التصويت على مشروع قانون المالية السنوي، الامر الذي لم يتم التنصيص عليه بالنسبة للقوانين المالية التعديلية وبالتالي يكون من الصعب اقدام الحكومة على ذلك ولا سيما ان ذريعة استمرارية المرافق العمومية هي الاخرى غير متوفرة لان استمراريتها مكفولة بالقانون المالي السنوي الجاري.

عموما تبقى هذه بعض اوجه الاختلاف بين كل من القانون المالي السنوي والقانون المالي التعديلي وليست كلها لننتقل بعد ذلك للحديث عن طبيعة النقاش القائم حاليا بين كل من الحكومة والبرلمان بخصوص مسطرة مناقشة مشروع القانون التعديلي للمالية وكذا أهم التطلعات المنتظر تضمينها في القانون المالي التعديلي للسنة الجارية، وهذا ما سوف نعرج عليه من خلال الفقرة الموالية.

ثانيا: اعداد قانون المالية التعديلي لسنة 2020 بين التطلعات ورهانات الواقع

اعلنت الحكومة المغربية على انتهائها من اعداد مشروع قانون المالية التعديلي وبأنها ستحيله على البرلمان بغيت المناقشة والتصويت عليه وذلك بعد عرض توجهاته العامة على المجلس الوزاري ثم على المجلس الحكومي، الا أن الاشكال المطروح في هذا الصدد يكمن في المشادات التي جرت مؤخرا بين كل من الحكومة والبرلمان حول طريق المصادقة على مشروع قانون المالية التعديلي بحيث اعلن البرلمان عن رغبته و استعداده للمناقشة والتصويت على المشروع وذلك من خلال دراسته مادة بمادة من طرف جميع اللجان الدائمة بالبرلمان، بينما الحكومة ترفض هذا الامر وتطلب الاكتفاء بتمرير المشروع في لجان المالية والتنمية بالمجلسين دون مروره بباقي اللجان، متمسكة في ذلك بالتجربة المغربية حول طريقه المصادقة على قانون المالية التعديلي لسنة 1991 الا أن هذا الأمر هو محسوم فيه بمقتضى القانون التنظيمي لقانون المالية والذي ينص في المادة السابعة والخمسون على انه “تقدم قوانين المالية المعدلة ويتم التصويت عليها وفق نفس الكيفية التي يقدم ويصوت بها على قانون المالية للسنة، مع مراعات احكام المادة 51 اعلاه” وتنص المادة 51 من نفس القانون على المدة المخصصة لمجلسي البرلمان بغية المناقشة والتصويت على مشروع القانون المالي التعديلي والتي حددتها نفس المادة في 15 يوما موزعة على النحو التالي: تخصيص ثمانية ايام الموالية لتاريخ الايداع للبث في المشروع من قبل مجلس النواب ثم يتم احالة المشروع الى مجلس المستشارين من اجل البث فيه داخل اجل اربعة ايام ليتم ارجاع المشروع بعد ذلك الى مجلس النواب من اجل مناقشة التعديلات المحدثة من طرف مجلس المستشارين ثم البث النهائي في المشروع ، وبناء على ذلك فإن مسطرة المناقشة والتصويت على مشروع القانون المالي التعديلي هي نفس المسطرة المتبعة بخصوص المناقشة والتصويت على القانون المالي السنوي والمنصوص عليها في المواد من 52 الى 56 من القانون التنظيمي لقانون المالية، عموما كان من المفترض تجاوز اهدار الوقت في مثل هذه النقاشات الهامشية والمتمثلة في طريقة مناقشة مشروع القانون المالي التعديلي في حين ان مسطرة واضحة بمقتضى القانون، بحيث كان من الاجدر تأجيل ذلك النقاش حتى ينصب حول مضمون مشروع القانون التعديلي للمالية، والذي من المنتظر ان يأخذ مجموعة من الامور بعين الاعتبار فعلى سبيل المثال يجب توسيع نطاق النفقات الاجتماعية ولا سيما ان هذه الجائحة ازالت الستار على مجموعة من الامور من بينها وجود تقريبا خمس ملايين ونصف اسرة مغربية بدون دخل، ويجب ان يأخذ بعين الاعتبار ايضا الوضعية التي اصبح عليها قطاع السياحة والفندقة وكذا اعادة النظر في الضرائب المفروضة على هذا القطاع الحيوي بحيث يحتل قطاع السياحة المرتبة الاولى من بين القطاعات التي تجلب العملة الصعبة للبلاد، كما يجب كذلك على الحكومة ان تتخلى من خلال مشروع قانون المالي التعديلي على مجموعة من النفقات المتعلقة بالتسيير والتي اصبحنا في غنى عنها بسبب الظروف الحالية التي يعيشها المغرب مثلا نفقات التنقل المخصصة للوزراء…، كذلك لما لا يتم خلق ضريبة جديدة للتكافل والتضامن الوطني كتلك التي تم اعتمادها بعد زلزال اكادير بحيث تم فرض ضريبة المساعدة الوطنية لإعادة بناء مدينة اكادير، الى غير ذلك من المقتضيات التي من شانها انقاذ ما أمكن مختلف المجالات داخل الدولة.

* طالبة باحثة في المالية العامة والضرائب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 3 سنوات

    حسن