وجهة نظر

أزمة كورونا.. ومسؤولية الوزارة الوصية فيما آل إليه الوضع في التعليم المدرسي الخصوصي (1)

في هذا الجزء من المقال سنعمل على إظهار المسؤوليات التي أنيطت بوزارة التربية والتعليم، ولم تلتزم بها منذ دخول الميثاق الوطني حيز التطبيق سنة 2000. وأن تفريط الوزارة، وخاصة عندما تخلت عن تأسيس “وكالة التقييم والتوجيه”، هو الذي جعل “حيتان” القطاع تَقلِب الطاولة على السلطة التي أنشأته، والخبرُ ما كشفته أزمة كورونا.

يقصد بالتعليم المدرسي الخصوصي جميع أنواع التعليم والتكوين الملقن بالمؤسسات التي يقوم بإحداثها أشخاص طبيعيون أو معنويون غير الدولة، وذلك حسب القانون رقم 06.00 بصفته نظاما أساسيا صدر بتاريخ 25 ماي 2000 موقعا بالعطف من طرف الوزير الأول آنذاك الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله.

جاء هذا القانون ، بعد تسعة أشهر مرت على تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بقصد أجرأة المواد المتعلقة بالتعليم الخصوصي، وعلى وجه التحديد تلك التي وردت تحت كل من الدعامتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة.

وربطا للماضي بالحاضر، فقدْ أصبح من الواضح اليوم أن “صدمة كورونا” أعادت الاعتبار لأولائك الذين انتقدوا ونددوا بمخاطرة الدولة المغربية بخصخصة العديد من القطاعات العمومية، وعلى رأسها قطاع التعليم وقطاع الصحة الذين سبق لهما أن تعرضا رسميا للتهميش باعتبارهما “قطاعين غير منتجين” كما جاءت به سياسة التقويم الهيكلي التي طبقتها الدولة مابين (1983-1993) خضوعا منها لإملاءات صندوق النقد الدولي.

يعود ملف خصخصة التعليم بالمغرب إلى الواجهة بعدما كاد أن يصبح أمرا واقعا أَسنَدت إليه العديد من الأسر أعناقها. يعود إذن بعد تصدع الثقة بين عدد من أصحاب المؤسسات وآباء وأمهات التلاميذ بلغت إلى درجة تنطيم أشكال احتجاجية عبر مختلف المدن المغربية. يعود هذا الملف ليتصدر الأحداث بعد تقديم طلب الاستفادة من صندوق كورونا من طرف أحد تكتلات هذا القطاع، ويعود بعد انكشاف هشاشة وغموض العلاقة التي تربط العاملين بمؤسسات التعليم الخصوصي مع أصحابها والحياد السلبي للوزارة الوصية، ويعود كذلك بعدما أصبحت العودة إلى التعليم العمومي مطلبا لدى الكثير من الأمهات والآباء.

بروز هذا الملف صاحبته مجموعة من الكتابات والدراسات عالج بعضها الطبيعة القانونية لمؤسسات التعليم الخصوصي انطلاقا من القانون الأساسي والقانون التجاري، والبعض الآخر عالج جودة الأداء في ارتباطه مع التحصيل المعرفي عند التلاميذ، ثم هناك من عالج أحقية أداء الرسوم من عدمها على ضوء التصريحات والتصريحات المضادة حول نهاية الموسم الدراسي  واستمراريته، وهكذا. إلا أن الانسياق مع تطور الأحداث غطّى على مصدر الخلل، ومصدر الحل في نفس الوقت.

إن مقارنة الأهداف التي توخاها واضعو الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمُصَدِّقون عليه بصفته النص التشريعي الأول لخصخصة التعليم، مع الأهداف التي حددها القانون الأساسي رقم 06.00، ثم الوجه الذي أظهرته بعض التكتلات لأصحاب المؤسسات الخصوصية، هذه المقارنة تجعلنا نخرج باستنتاج مفاده أن الأهداف من إنشاء التعليم الخصوصي بالمغرب قفزت من “أهداف تربوية مُيَاسِرة”، إلى “أهداف تجارية مُعَاسِرة” ، إلى “أهداف استغلالية مُفْترسة”.

فما هي مسؤوليات الوزارة الوصية في هذا التحول التصاعدي؟

من خلال تفحص مواد الدعامة الثامنة عشرة من الميثاق والمعنونة بـ” حفز قطاع التعليم الخاص، وضبط معاييره وتسييره..”، يتبين من خلال المادة 163 أن قطاع التعليم والتكوين الخاص يُعَد ” شريكا وطرفا رئيسيا إلى جانب الدولة”، وذلك بهدف “النهوض بنظام التربية والتكوين وتوسيع نطاق التشاور والرفع المستمر من جودته”، كما توجب هذه المادة على القطاع الخاص “اعتبار التربية والتكوين مرفقا عموميا”. وبهذا يكون الغرض من إنشاء القطاع الخاص المدرسي هو تحقيق مصلحة عامة، مما يعني أنه سيظل أثناء نشاطه خاضعا للسلطة التي أنشأته.

تبين المادة 164 أن سلطات التربية والتعليم تقع عليها: مسؤولية “ضبط معايير الجودة بالقطاع الخاص، وتقويم مؤسساته ومراقبتها..” ؛

مسؤولية نشر نتائج التقييم: وذلك بـ” إعلام المواطنين بأداء المؤسسات العاملة بالقطاع” .

نعم وتنشر نتائج تقييمها بوسائل الإعلام ليطلع عليها الآباء والتلاميذ على الخصوص، بحكم أن معرفة مستوى أداء المؤسسة الذي يتم تحديده بموضوعية وبتجرد عن المصلحة الداخلية للمؤسسة، هو المعيارالذي يتم من خلاله الاختيار، تحقيقا للمشروع الشخصي للتلميذ، بعيدا عن كل مغالطة أو خطاب التسويق. ثم إن نشر نتائج التقييم يدفع المؤسسات الخصوصية إلى المنافسة فيمن يؤدي رسالة التربية والتعليم أحسن.

مسؤولية تنظيم الإشراف البيداغوجي، وإحداث مؤسسات التقويم والتوجيه وطنيا ومحليا: بحيث” يسهم في المراقبة والتقويم المشرفون التربويون التابعون للدولة، وكذا وكالة التقويم والتوجيه..”.

هذه الوكالة التي بشّرت بها المادة 103 من الميثاق التي نصت على أنه ” تحدث وكالة وطنية للتقويم والتوجيه تتمتع بالاستقلال التقني والمالي والإداري وبالشخصية المعنوية”. بهذه الصفات وبهذه الضمانات، كان من المفروض لهذه الوكالة أن تتحمل أخطر مَهَمّتين في قطاع التربية والتكوين:

– مَهَمّة التقييم والتقويم التي تلامس كل أبعاد النظام التعليمي ومؤسساته وفقا لأحدث المؤشرات المعتمدة دوليا بهدف بث ثقافة التقييم التي من شأنها التشجيع، ليس على حسن الأداء فحسب، بل أيضا على عدالة الأنطمة التعليمية؛

– مَهَمّة التوجيه وهي المَهَمّة الملازمة لسابقتها وتتميز بكونها تنظر إلى بناء الحاضر التعليمي على ضوء نتائج الدراسات المستقبلية التي تُعنَى بما يجب أن تكون عليه الأنظمة التعليمية ليحقق خريجوها الشروط المطلوبة في قابل الأيام.

نقول هذا حتى نزيل تلك الصورة الخاطئة التي تختزل مفهومَ التقييم في الامتحانات والفروض فقط، ومفهومَ التوجيه في “الإعلام بتعدُّد الاختيارات” عند كل محطة انتقالية.

مسؤولية حفز قطاع التعليم الخاص: ففي إطار حفز التعليم الخاص نصت المادة 165 على ” وضع نظام جبائي ملائم ومشجع للمؤسسات الخاصة لمدة يمكن أن تصل إلى عشرين عاما”. وإذا كانت الدولة هنا بالخصوص قد عجلت بالتنفيذ، فإن التوترات التي عرفها القطاع تزامنا مع أزمة كورونا تذكرنا أننا في 2020 أي آخر سنة وَعَدَ بها الميثاق الذي أريد له أن يكون وطنيا.

مسؤولية سلطات التربية والتعليم في تحديد رسوم التعليم الخصوصي ضمانا للانتشار والتيسير: تلزم المادة 166 من الميثاق مؤسسات التعليم والتكوين الخاصة ” بتطبيق رسوم التسجيل والدراسة والتأمين (كما) تحدد باتفاق مع سلطات التربية والتكوين بما ييسر الالتحاق بها لأوسع الفئات من التلاميذ والطلبة..”.

فهذه المادة من الميثاق تعكس صراحة الهدف التيسيري من خصخصة التعليم بالمغرب لتحقيق الاستفادة من خدماته من طرف أوسع الفئات الاجتماعية. وهذا الهدف بطبيعة الحال لا يحصل إلا إذا كانت الرسوم لا تثقل كاهل الأسر. وهنا تكمن مسؤولية سلطات التربية والتكوين في قبول أو رفض ما تحدده مؤسسات التعليم الخصوصي من رسوم، وأن أي خلل أو تفريط في هذه المسؤولية يكون على حساب الذين التحقوا بالفعل بالتعليم الخصوصي، كما أنه يحرم الفئات الأخرى من خدمات مؤسسات تتلقى الدعم المادي والمعنوي، بشكل مباشر أو غير مباشر، من المال العام ومن خدمات أطر وخبراء المؤسسات العمومية.

فهل أوْفـتْ وزارة التعليم بمسؤولياتها التي أناطها بها الميثاق منذ سنة 2000؟

في انتظار نشر الجزء الثاني من المقالة/الدراسة، المتعلق بالمآل “التعسيري” والمآل “الافتراسي”، نضطر إلى الاكتفاء بخلاصة أولية فنقول:

كل المسؤوليات التي تم ذكرها متوقفة على وجود “وكالة التقويم والتوجيه” المنصوص على إحداثها بهياكلها الوطنية والجهوية والمحلية في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتي اسبشرَتْ بها خيرا لتعليمنا المغربي، أطرُ التوجيه والتخطيط من مفتشين ومستشارين، هذه الوكالة لم  تَرَ النور للأسف. وبناء عليه فعملية تحديد وضبط معايير الجودة والتي بدونها لا يمكن تقييم المؤسسات، تدخل في اختصاصات الوكالة؛ ونشر نتائج التقييم للعموم تقتضي أن تكون هناك نتائج؛ وغياب هذه النتائج يجعل عملية تحديد رسوم التمدرس بالاتفاق مع المؤسسات التعليمية الخاصة، يجعلها عصية على الوزارة خصوصا مع غياب المُطالِب بالحق سواء الآباء أو النقابات لمدة أشرفت على 20  سنة.

فهل يعفي غياب وكالة التقويم والتوجيه وزارة التربية والتعليم من تحمل مسؤولياتها في أزمة تضارب المصالح بين مؤسسات القطاع الخاص من جهة، وآباء وأمهات التلامذ ثم الأطر العاملة وأساتذة التعليم الخصوصي من جهة أخرى، التي كشف عنها وباء كورونا ؟

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *