وجهة نظر

يسألونك عن شرعية عدوان السيسي ضد ليبيا

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب الوعيد و التصعيد الذي ألقاه يومه السبت 20 يونيو 2020 : ” إن أي تدخل مصري مباشر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية سواء للدفاع عن النفس أو بناءً على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في ليبيا و هو مجلس النواب”.

وهنا لا بد لي أن أنطلق من طرح الأسئلة على الرئيس المصري وفق ما يلي : هل قامت قوات حكومة السراج بالهجوم على مصر؟ أو هل قامت ميليشيات مسلحة تابعة لها بالإعتداء على مصر؟ أو هل قامت القوات التركية بالعدوان على مصر ؟ حتى يهدد عبد الفتاح السيسي بالتدخل العسكري الرهيب تحت ذريعة الدفاع الشرعي عن النفس !.

فإذا كان الرئيس المصري يقصد بالشرعية الدولية وجوب تطبيق قواعد القانون الدولي العام على جميع الأفعال التي تصدر عن الدول و بين الدول. فإن هذه الشرعية تعتمد على هيئات النظام الدولي لتحديد مواقفها و تفعيل مقرراتها من القضايا المطروحة على المجتمع الدولي، و يبقى إطارها التنظيمي الأساسي هو الأمم المتحدة و مجلس الأمن الذي يصدر القرارات المعبرة عن موقف المنظومة الدولية. كما أنّ هذه القرارات التي يترتب عنها تدخل المجتمع الدولي بالقوة تتِمُّ تحت إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يربط استخدام القوة المسلحة بضوابط الشرعية الدولية.

أما لَغْوُ عبد الفتاح السيسي بالحديث عن شرعية دفاعه عن النفس فإنه منعوت بالباطل، لأن ميثاق الأمم المتحدة لا يجيز استخدام القوة في الدفاع عن النفس إلا عند التصدي لإعتداء مسلح فعلي تواجهه الدولة برًا أو بحرًا أو جوًّا. و يدخل أيضا ضمن تعريف العدوان -تبعا لمواد و فقرات الإعلان الخاص بتعريف العدوان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974- إعتداءات مرتزقة أو عصابات مسلحة أو قوات نظامية ترسلها دولة معينة و تأخذ تعليماتها منها للقيام بأعمال القوة المسلحة ضد دولة أخرى، و يصطلح عليها: العدوان المسلح الغير مباشر .

و عملا بتفاسير أهل الإختصاص فإن الدفاع عن النفس مشروط بالضرورة يعني أن يكون هو الوسيلة الوحيدة لصد العدوان أو الهجوم المسلح الواقع على الدولة. و يعتبرون إستعمال القوة المعقولة في حالة الدفاع الشرعي استثناءاً لكي تظل القاعدة منع استخدام القوة في العلاقات الدولية ، إذ أجمع جهابذة و فقهاء القانون الدولي على أنه لا يجوز التوَسع فيه أو في تفسيره لإسقاط الحكومات و القيام بانقلابات خارجية. مثلما أنه من غير الجائز إستعمال مبررات الدفاع عن النفس قصد القيام بأعمال انتقامية و عدوانية ، حيث يتطلب هذا الإستخدام موافقة و رقابة مجلس الأمن و يتم العمل به بشكل مؤقت.

أما فيما يخص هرطقات عبد الفتاح السيسي المتعلقة بالسلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة في ليبيا و هو مجلس النواب الليبي. فالرئيس المصري يعلم علمَ اليقين كيف أن هذا المجلس شهد عددًا من الأحداث التي أثرت على شرعية و مشروعية إجتماعاته و جلساته و قراراته. و لعل أبرزها غياب النصاب القانوني و تغييب أكثر أعضائه، ثم إنشطارهم إلى مجلسين أو مجالس موازية للبرلمان الحالي حيث عقدت عدة جلسات في مدينة طرابلس. و لأن الشرعية بالشرعية تُذكر ، فقد كان الأولى للرئيس المصري أن يحترم برلمان بلاده أوّلاً و يترَجَّل ذاهبًا إلى مَقَرِّهِ كَيْ يَرُدَّ على تساؤلات النواب المصريين ، و يبسُطَ لهم الشروحات المستفيضة حول أسباب الإبقاء على سفير حكومة الوفاق في القاهرة مادام رئيس دولة مصر لا يعترف بشرعية حكومتِه و تمثيليَّتِها الديبلوماسية.

على سبيل الختم، أجدد التذكير بما طرحته في مقال سابق. و منه أعود للتنبيه إلى أن جميع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية-المصرية مُطالبة – اليوم- بممارسة النقد الذاتي و ملزمة بالتّعلم من ماضي الأخطاء المشتركة. إذ أنّه من غير المقبول الركون إلى منطق المزايدات الشوفينية الفارغة و الفسح في المجال لتدخلات دولية متعددة قد ترهن مصير الأزمة الليبية. لذا و درءًا لأخطار سيناريوهات شبيهة بما حصل في اليمن أو سوريا، وَجَبَ على الطرف المصري أن يتحلَّى بالحكمة و الرويَّةِ و التَبَصُّرٍ . و أَن يتعامَلَ مع واقع ” مذكرة التفاهم الليبي-التركي” في سياقها البراغماتي الذي يقودنا إلى الجلوس على طاولة مفاوضات سلام شاملة تحقن دماء العرب و المسلمين و تقينا شرَّ الحرب المصرية-الليبية أو الإقليمية، فَلَن تزيدنا الحلول العسكرية الدموية إلاَّ تَبارًا و خسارًا.

إن الأزمة الليبية-المصرية تشكل نقطة إرتكاز يجوز الإنطلاق منها لتدشين حِقْبةِ مصالحةٍ عاقلةٍ ترصُّ الصفوف من خلال تفعيل إتفاق الصخيرات الذي احتَضَنَته المملكة المغربية. هذا الإتفاق الذي على جسرِه تستطيع المنظومة العربية العبور إلى إحداث نقلةٍ استراتيجية نافعة تسمح بإجراء تفاوض عربي مباشر مع الطرف التركي من خلال التقبّل العقلاني لحضوره كمُساهم في الحل السياسي الليبي. و تلكُم رجَّةُ مبادرة السلام العربية-التركية التي ترفع شعار ” الإختيار المُمكن” قبل أن تتوالى علينا المصائب و الفواجع، و تتعدَّد أرقام التدخل الخارجي الطامعة في الثروات الليبية ، و تتباعَد منْحَنيات دوَالِّه المُشتَقة. ثم تتحوَّل مَجاهيلُ معادلاتِه الجيو-ستراتيجية إلى حلول دولية مفروضة لا و لن تحمد عقباها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *