منوعات

همسة: بأي لسان يتحدث المختار الغزيوي؟

سؤال ليس الهدف منه بالمطلق فتح باب الاتهامات الرخيصة للزميل الصحافي المعروف بتوجهاته واختياراته السياسية والأيدلوجية التي يحب أن يصنفها في الديمقراطية والعلمانية، وهذا من حقه ونحترم اختياراته. لكن مناسبة طرح السؤال هو افتتاحيته اليوم في “الأحداث المغربية” فهو يسأل: “آش بغا يقول عبد الإله”؟ وفي غمرة البحث عن جواب لسؤاله ذلك قام السيد الغزيوي بمصادرة الجميع، فهو يقول بكل وثوقية: (كل من رأوا فيديو ابن كيران بين نقابييه هذا “الوكاند” طرحوا السؤال “آش بغا يقول عبد الإله؟) واتهم الغزيوي جميع أصناف متتبعي ذلك “الفيديو”، الذين ذكرهم، بأنهم لم يفهموا من كلام ابن كيران إلا شيئا واحدا وهو أن “عبد الإله لا يروقه ما يجري في القارة الإفريقية من طرف المغرب”!
نعم هكذا قال السيد الغزيوي الذي نعرف أنه يعبر عما ينبغي أن يفهمه الجميع وليس عما فهموه بالضبط.

واستل الغزيوي من كلام ابن كيران عبارة جعلها حصان طروادة في غزوته الإعلامية الجديدة، غزوة تريد أن تفتح المجال لنفس قاموس الحرب الذي اعتمده الإعلام السلطوي في الحرب على شباط ويتعلق بحشر الخصوم في مواجهة الدولة ورئيسها جلالة الملك.

والعبارة التي ركب عليها الغزيوي هي قول ابن كيران: “جلالة الملك يفك كربات الشعوب الإفريقية، والشعب المغربي يهان”.

وبالطبع إخراج الكلام عن سياقه هو المنهج المعتمد في كل خطابات الإعلام الحربي، الذي لا يكون له هدف سوى الاستهداف القاتل.

لكن السيد الغزيوي الذي تصيد تلك العبارة لا يمكنه بالطبع وضعها في سياقها الخطابي ولا في سياقها السياسي، فرئيس الحكومة يتحدث عن البلوكاج، واعتبره إهانة للشعب المغربي، وقدم صورة تؤكد خرجة الغزيوي أنها أصابت مواجع آلية التحكم، وهي أنه في الوقت الذي يعمل الملك جاهدا على المساهمة في فك كربات الشعوب الإفريقية، يهان الشعب المغربي بحرمانه من حقه الدستوري في أن تكون له الحكومة التي يريد وبالشروط الطبيعية لا عن طريق التحكم في الأحزاب.

لا يمكن للغزيوي أن يقف عند هذه الصورة ويضعها في سياقها السياسي، فهي تدين التحكم بكل مكوناته بما فيها “الكوماندو الإعلامي” المعروف ضمن تلك المكونات.

السيد لغزيوي استغرب لمصطلح “فك الكربات” وزايد على ابن كيران بكون علاقة المغرب بالدول الإفريقية ليس هو فك الكربات، بل علاقة تعاون -تعاون!

وبالطبع ينبغي أن نصاب جميعا بالعمى الطوعي لنساير منطق السيد لغزيوي، ونتجاهل كل المبادرات التي قام بها المغرب تجاه أشقائه الأفارقة والتي تهدف بالفعل إلى التخفيف من كربات تلك الشعوب. لكن السيد الغزيوي لا يرى لمصطلح الكربة سوى وضع المتسول، وليس وضع المشقة والصعوبة والتي يمكن أن تكون ذات طابع مالي واقتصادي كما يمكن أن تكون ذات طابع اجتماعي وأمني وغيرها من القضايا.

الكُربة السيد لغزيوي ليست وضعا اجتماعيا يفك بالصدقات وأعمال الإحسان، بل الكربة لها لون واحد هو المعاناة كيفما كانت أسبابها: مالية أو اجتماعية أو لوجستيكية، أو اقتصادية أو سياسية …

فحين تشارك الجيوش المغربية ضمن بعثات حفظ السلام فهي تساهم في فك كربات الشعوب المرتبطة بالجوانب الأمنية. وحين يقدم الملك هبات على شكل مؤسسات اجتماعية فهو يساهم في فك الكربات ذات الطابع الاجتماعي. وحين يعمل على إنشاء شبكة أنابيب الغاز بين إفريقيا وأوروبا، فإنه يساهم في فك كربات اقتصادية واجتماعية وأيضا سياسية كثيرة.

لكن السيد لغزيوي يصر على التعامي على دلالات المصطلح، والذي قد لايكون موفقا مائة بالمائة، لكن لماذا لا يبحث له عن تأويلات تناسبه مع انتقاد استعمال المصطلح واختياره؟

فالسيد لغزيوي نفسه وصف وضع ابن كيران خلال البلوكاج بالكربة، فقال له مخاطبا: (…تم تعود إلى بيتك الشتوي، منتظرا من يفك لك كربتك، أو يحل لك “بلوكاجك” الذي صنعته بنفسك …).

فما الذي تعني الكربة هنا السيد لغزيوي؟ ولماذا قبلت وصف وضع ابن كيران بالكربة وهو وضع سياسي فيه مشكلة تتعلق بالأحزاب ومدى استقلاليتها، وليست وضعا اجتماعية يحتاج عملا إنسانيا.

لغزيوي لا يريد انتقاد ابن كيران، بل يريد اتهامه فقط.

فهو يتهم بنكيران بالغموض، وإلقاء الكلام على هوانه، … بل يريد اتهامه بأنه غير راض على ما يفعله الملك في أفريقيا بالصراحة الصريحة.
لكن السؤال الحيوي هو بأي لسان يتحدث لغزيوي؟

فهو في الفقرة ما قبل الأخيرة يقول بالحرف (قل للشعب الذي تعتبر أنه يهان ماذا تريد قوله بالتحديد، وبعدها لن يكون إلا الخير).

فمن هو الغزيوي هنا؟ وبأية صفة يعد ابن كيران بالخير إن هو عبر عن ماذا يريد؟ وما هو الخير الذي يعد به؟

وهنا أهمس في أذن السيد لغزيوي بتذكيره بعبارة “الخير أمام” التي قالها الصحافي مصطفى العلوي في برنامج تلفزي لقيادي من حزب العدالة والتنمية، وأسأله ماذا فهم الجميع منها، مادمت تتحدث عن الجميع؟

لقد كان مما فهمه الناس أن الصحافي العلوي كان حامل رسالة، وقد بلغها في برنامجه ذلك اليوم. وكذلك يكون لكل لون من الصحافة سعاة بريد، إنما يبلغون من خلالها الرسائل.