وجهة نظر

المواطن المغربي بين مطرقة الحجر الصحي وسندان الإعلام العمومي

سؤال يُطرح لماذا لم يُحتكر الإعلام في الولايات المتحدة من طرف الدولة كما حدث في بلدنا بعد الإستقلال؟، الجواب ببساطة لأن القانون يحرم على الدولة الفدرالية إمتلاك وسائل إعلام بمعنى لا يحق لرئيس الولايات إمتلاك قناة تلفزية رسمية ولا جرائد ومجلات، والسبب في هذا المنع هو الخوف من أن تُوجه الحكومة الرأي العام، فهو يجب أن يظل حرا.

بعد هذه التوطئة سوف أقوم بسرد كرولونوجي لأهم المحطات وبشكل موجز ، ففي بلدنا الحبيب أنشأت الدولة قنواتها العمومية ومنعت على الشعب إنشاء قنواته، وأسست جرائد ومجلات خاصة بها ومنعت أو راقبت غيرها ، وبذلك تم التحكم في الإعلام وأصبح موجها لعقود من الزمن، فخلقت بذلك مسلمات لا أساس لها، وجعلت الحق باطلا والباطل حقا بحسب أهوائها.

ثم جاء البث الفضائي فكسر إحتكار التلفزيون الرسمي التافه للبث، ورأت الشعوب ما يدور في العالم وبدأت تتخلص من رواسب أكاذيب دعاية الأنظمة، هذا وذاك فرض على الدولة المغربية إعادة ترتيب أوراقها فلجأت إلى تحرير مجال السمعي البصري الذي يعتبر خطوة و تجربة إيجابية رغم أن العملية تشوبها نقائص ومن ثمارها تحويل التلفزة المغربية إلى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة حيث استكملت إجراءات التحويل سنة 2006 بتوقيع دفتر تحمـــــــلات و عقد البرنامج الذي يربطها بالحكومة.

و بناء على قرار صادر بتاريخ 10 ماي 2006، منحت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري11 ترخيصا جديدا لإحداث قنوات إذاعية و تلفزية من لدن متعهدين خواص، بعد التوقيع على دفاتر تحملاتها سنين طويلة من الركود و الجمود و إحتـكار الدولة للمجال.

و ما دامت وسائل الإعلام العمومي أو الرسمي لا تقدم عرضا إعلاميا في مستوى التحديات فلن تجد لها مكانا في زمن الفضاء المفتوح ، وخاصة بعد أن مَنَّ الله علينا بالإنترنت فلم يعد المواطن يتلقى فقط ، بل أصبح ينتج ويشارك برأيه وبالتدريج تحول الإعلام البديل إلى موجة مؤثرة تشارك في مراقبة الشأن العام وتوجيهه حيث أصبح إعلاما بديلا مؤثرا في الرأي العام بصورة أكبر و الأهم كذلك أنه بقي أداة مؤثرة على الاعلام التقليدي نفسه.

فبظهور مفهوم ” الإعلام البديل ” والذي يهدف إلى تقديم أفكار هادفة و غير مبتذلة، وبذلك أصبحت مواقع التواصل الإجتماعي اليوم تنافس بقوة الوسائط الإعلامية التقليدية من قنوات عمومية وجرائد وطنية وفعاليات المجتمع المدني كقوة ضاغطة في توجيه الرأي العام وصناعته أحيانا والتأثير على عدد من القرارات الذي قد تصدر من السلطة أو الحكومة ونذكر هنا مجموعة من الحملات التي أطلقت على الفايسبوك على شكل (#هاشتاغ) ومجموعة من الحملات التي إنطلقت من هذه الشبكة العنكبوتية لتتجسد على أرض الواقع لتعطي نتائج كحملات التبرع بالدم ومساعدة المناطق المنكوبة في أعالي الجبال .

فإن جاز التشبيه فمواقع التواصل الإجتماعي أضحت تيار سياسي، ليست له إيديولوجية واضحة يقف وقفات صريحة وصحيحة، ويساعد على تعديل الكفة لصالح الأشياء النبيلة في العموم، وأنه لولا المعارك التي أقيمت في فضاءه الأزرق لما أنصف عدد من الناس. لكن حينما يُصبح هو أيضا أصفرا ماذا تنتظر منه ؟ متى يتوقف الإعلام المأجور عن الإستخفاف بعقل المواطن المغربي ؟ متى يكون الإعلام عامل بِناءٍ يَحث المجتمع المغربي على التقدم والتنمية والتماسك ويؤدي رسالته النبيلة؟

لأن الإعلام النزيه المهني هدفه واضح، يعرض القضايا عرضا أمينا، ويقف على مسافة واحدة مع جميع الأطراف التي يتعامل معها، فلا يجامل طرفا على حساب الآخر، ولا يتحامل عليه، لأن كل همه الوصول إلى الحقيقة، فليس همه إحداث السبق الصحفي، ولا هدفه تشويه فصيل يختلف معه في الرؤى، ولا يستخدم إعلامه من أجل تحقيق مآرب شخصية أو مؤسَّسيَّة. فكم من شخصيات ارتقت وأصبحت ذات ثقل سياسي ، كان وراؤها قلم أسود مبتور مباع في سوق الصحافة الصفراء، فتزوير الحقائق وتغير الواقع والإستخفاف بالعقول التي أصبحت شبه غائبة عن الوجود، وترويج الأكاذيب ونهش أعراض الناس واقتحام خصوصياتهم، التي لم نعد نستحي منها حتى فقدت المصداقية، فكم من مجتمعات سقطت بفعل إعلامها المزور للحقائق ، وكم من مجتمعات ستسقط بأقلامها الرخيصة المندسة ؟ فمتى وصل الفساد والإنحطاط إلى الإعلام فقد وصل إلى كافة المجتمع .

إن المتتبع لما ينشر هناك وهناك يلاحظ العديد من أشكال النفاق (التطبيل ) والخداع والضحك على عقول البسطاء ، وتلميع بعض الأشخاص الذين لا يستحقون الوجود على الساحة السياسية حيثُ إنهم يدفعون مبالغ مادية أو هداية لهؤلاء الذين يديرون هذه الصفحات، وذلك لنشر أشياء وترويج إشاعات من أجل شهرتهم والضحك على عقول البسطاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *