مجتمع

أجيال إعلامية: الراشدي.. قضى 24 عاما في رئاسة الجوق الوطني للإذاعة والتلفزة ولحن 300 أغنية

تقف وراء وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، طاقات بشرية هائلة تسهر على إدارتها وتشغيلها والقيام بكل المهام الإعلامية، بهدف إيصال رسالتهم النبيلة في تبيلغ المعلومة للمجتمع عبر وظائف الإخبار والتثقيف والترفيه، وهو ما يُسهِم في تشكيل البناء الإدراكي والمعرفي للأفراد والمجتمعات.

فالإذاعة المغربية التي تعود سنة انطلاقتها إلى 1928، والتلفزة المغربية التي شرعت في بث برامجها سنة 1962، وعلى مدار تاريخهما، مرت أجيال وأجيال من الإعلاميين أثرت وتأثرت بهذا لكيان الذي ترك بصماته عليهم وعلى ذاكرتهم، وكلما احتاجوا لغفوة منه رجعوا بذاكرتهم للخلف ينهلون منها أجمل الحكايات.

وتبرز في هذا الإطار، أطقم البرامج والنشرات الإخبارية من مخططي البرامج ومذيعين ومحررين ومنشطين وفنيي الربورتاج والتوضيب وتقنيي التصوير والصوت وعمال الصيانة ومسوقو الإعلانات التجارية الذين يقومون بتنظيم الأعمال التجارية، إلى جانب مسؤولي العلاقات العامة والأعمال الإدارية المرتبطة بإنتاج البرامج والسهر على إعداد النشرات الإخبارية من اجتماعات التحرير إلى بثها عبر الأثير.

فطيلة أشهر فصل الصيف، تسترجع معكم جريدة “العمق” من خلال مؤرخ الأجيال الإعلامية محمد الغيذاني، ذكريات رواد وأعلام بصموا تاريخ الإعلام السمعي البصري المغربي عبر مسارهم المهني والعلمي وظروف اشتغالهم وما قدموه من أعمال إبداعية ميزت مسار الإعلام الوطني، وذلك عبر حلقات يومية.

الحلقة الـ38: عبد القادر الراشدي

عبد القادر الرباطي الراشدي من مواليد حي سيدي العواد بمدينة الرباط سنة 1929، بدأ تعليمه الأولي بالمسيد لقراءة القرآن ثم المدرسة حتى الشهادة الإبتدائية.

بدأ مسيرته الفنية وهو لازال صغيرا، كانت والدته هي إحدى العوامل الأساسية التي غرست فيه بذرة العشق الموسيقي، حيث كانت مولوعة بالموسيقى، درس أصول الموسيقى العربية و تتلمذ على يد كبار الأساتذة كعبد السلام بنيوسف والفقيه محمد السبيع وإلكسي شوتان، بمعهد دار مولاي رشيد بن يوسف للموسيقى الأندلسية بالرباط ، الذي كان يديره عمر الوالي.

تشبع منذ طفولته بإيقاعات الإنشاد الصوفي، وحفظ الموشحات والطرب الشرقي وكان يستمع إلى قصائد الملحون والأهازيج الشعبية، كما علمه أخوه آلة العود.

تعلم الطرب الأندلسي ثم الثقافة الموسيقية التي كانت تقتصر على معرفة أوزان وإيقاعات الموسيقى الأندلسية، وهكذا كانت بدايته مع الملحون والموسيقى الأندلسية.

بدأ الإحتراف الموسيقي في مطلع سنة 1944، عندما انظم إلى جوق الاتحاد الرباطي الذي كان يترأسه عبد النبي الجيراري، وبعد سنتين أسس جوق التقدم مع مجموعة من المطربين وأصبح يقوم بإحياء حفلات الأعراس في مدينة الرباط.

بدأ يلحن بعض المقاطع الموسيقية الصامتة، كما كان يستدعى إلى مخيمات الأطفال كمخيم مدارس محمد الخامس في سنة 1947. أما رائعته رقصة الأطلس فقد ظهرت سنة 1948 داخل مخيم للأطفال.

أنتج أول أعماله فأبدع أغاني وطنية، ثم قطع أخرى مثل ”الربيع” و”رقصة الأطلس”، كون رفقة كل من أحمد البيضاوي، وصالح الشرقي، سمير عاكف، عبد النبي الجراري، الفرقة الوطنية، والتي انضاف إليها بعد الإستقلال محمد بن عبد السلام وعبد الرحيم السقاط والمعطي بنقاسم والعباس الخياطي.

ساهم الراشدي في تأسيس فرقة المتنوعات التي اندمجت مع الجوق الوطني برئاسة محمد بن عبد السلام، حيث برز منها المطرب عبد الوهاب الدكالي بأغاني ”يالغادي في الطونوبيل”، ”مولات الخال و بلغوه سلامي” و”أنا مخاصم خليني”، ثم برز عبد الهادي بالخيط بأغاني مثل ”ياحبيب القلب فين.

وكان للإتفاق الذي تم بين عبد القادر الراشدي وأحمد البيضاوي، تأسيس جوق مكناس الإسماعيلي، الذي كان الهدف منه تضييق الخناق على محمد بن عبد السلام الذي خرج بألبوم جديد أثار جدلا فنيا آنذاك عنوانه ”أناالرباطي وأنت سلاوي”، ثم ”يازهرة جيبي الصينية”، و”الصنارة”.

وبعد نجاح جوق الإسماعيلية تم تأسيس الجوق الجهوي لمدينة طنجة، ترأس عبد القادر الراشدي الجوق الوطني للإذاعة والتلفزة، بعد ترأس أحمد البيضاوي لجنة الألحان بالإذاعة والتلفزة.

كانت الأغنية الدينية المجال المفضل لديه، فأهدى للخزانة المغربية أغاني خالدة مثل ”يامحمد ياشفيعنا الهادي”و”المدد يارسول الله” و”من ضي بهاك” و”ياقاطعين لجبال”، كما لحن أغاني عاطفية لكل من نعيمة سميح، سميرة بنسعيد، وعزيزة جلال.

كان من الأوائل الذين عملوا في الجوق الذي أسسته إذاعة راديو المغرب سنة 1952، إلا أن أحداث سنة 1953، ونفي محمد الخامس قلص نشاط هذا الجوق، كما أن الراشدي توقف عن العمل بالجوق وقام بتلحين الأناشيد الوطنية للحركة الوطنية وغادر الإذاعة الوطنية التي كان يتحمل المسؤولية داخلها عبد الله شقرون.

ومن أعماله رائعته الموسيقية ”رقصة الأطلس” التي لحنها في مخيم عين خرزوزة بالقرب من مدينة أزرو مع تلاميذة مدرسة محمد جسوس وأساتذتها، هذه المدرسة التي أسسها الوطنيون. وبعد رجوع محمد الخامس من المنفى سنة 1955، عاد إلى جوق الإذاعة الذي أصبح يسمى الجوق العصري لدار الإذاعة الوطنية.

عبد القادر الراشدي كان وراء بروز العديد من الأسماء الفنية المغربية من مطربين ومطربات باعتباره ملحنا ورئيسا للجوق الوطني، مثل الفنانة نعيمة سميح التي لحن لها ”على غفلة”، ”جاري ياجاري، وبعدها برزت الفنانة لطيفة رأفت، عندما غنت له ”دنيا”، ”مغيارة”.

عرفت سنة 1959 وفي عهد المهدي المنجرة مدير الإذاعة آنذاك، تعيين الراشدي على رأس جوق إذاعة طنجة الجهوية، واستطاع أن يخلق جوقا قويا في الأداء والتسجيل.

ثم عاد إلى إلى مدينة الرباط سنة 1964، ليصبح رئيسا للجوق الوطني خلفا لأحمد البيضاوي واستمر في عمله إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1989.

تعددت مجالات إبداعات الراشدي في لحن الأغاني العاطفية والأناشيد الوطنية والإبتهالات الدينية وألف معزوفات متعددة، استخدم إيقاعات شعبية محضة من قبيل الإيقاع الخماسي في أغنيته الدينية ”يامحمد يا شفيعنا الهادي”.

ومن ألحانه ”عدت ياخير إمام”. ومن أناشيده الوطنية ”حب الوطن من الإيمان” و”أنشودة الإستقلال”.

تم تكريمه في حفل خاص بمدينة المحمدية سنة 1991، كما تم ترشيحه لنيل جائزة المجمع العربي للموسيقى في المؤتمر 15 بلبنان في ماي 1999.

يعتبر الراشدي من المعلمات الفنية الثابتة، ورمزا من رموز الحركة الفنية في المغرب، قضى 24 سنة في رئاسة الجوق الوطني للإذاعة والتلفزة المغربية، و30 سنة في رئاسة جوق التقدم والجوق الجهوي لطنجة، ولحن أكثر من 300 أغنية.

التحق عبد القادر الراشدي بالرفيق الأعلى بمدينة الرباط يوم 23 شتنبر 1999

* المصدر: كتاب “للإذاعة المغربية.. أعلام” وكتاب “للتلفزة المغربية.. أعلام” – محمد الغيذاني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *