منتدى العمق

مقاومة التدخلات الخارجية حل مجدي للأزمة الليبية

لقد تحسنت سياسة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين الخارجية، حيث تخلى عن السياسة الكلاسيكية للدب الروسي ثقيل الخطوة، وأصبحت سياسته دينامية أكثر، تتبع قواعد اللعبة الأمريكية البراغماتية نفسها، التي تتقن فن التلاعب بالأضداد؛ وهي أهم سمة في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا بعد انهيار الأنظمة السياسية في دول المحيط على سبيل المثال: (ليبيا، سوريا والعراق).

ولا يخفى علينا، أن تدخل أجنبي في ليبيا نتج عنه تشكل ساحة مفتوحة للتدخلات الدولية والإقليمية، مما أدى لكثير من العواقب والتداعيات الوخيمة؛ ليس فقط بالنسبة لأمن واستقرار ليبيا ووحدة أراضيها ومستقبلها، وإنما بالنسبة للأمن والسلم الإقليمي والدولي.

و لهذا، من المفيد أن نتساءل عن موقف روسيا بعد تنامي دور تركيا في ليبيا؟ لاسيما أن موسكو تحاول قدر الإمكان بسط نفوذها في ليبيا من جديد. وهل من الممكن أن تدع روسيا تركيا تنفرد وحدها بالساحة الليبية؟ وما هي الآثار التي ستترتب عن ذلك بعد إلغاء حفتر لاتفاق الصخيرات؟

من الصعب على روسيا، أن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث، لأنها تدرك تماما أنها أول المستهدفين، وأن إخراجها من ليبيا وإبعادها، سيمثل إهانة بالغة لها وخسارة جسيمة لإستراتيجيتها في المتوسط. لذا، سعى الرئيس بوتين بالفعل في اتصالاته مع أردوغان لإقناعه بتقسيم ليبيا، وترك طرابلس، ومدن الغرب لحكومة الوفاق، لأن ذلك كان سيمكنه من إقامة قاعدة عسكرية بحرية على الشواطئ الليبية في مياه المتوسط أسفل قواعد الناتو بإيطاليا، وعلى مقربة منها، ومن تواجد الأسطول السادس الأمريكي في الشطر الشرقي.

وما فعله بوتين مع أردوغان في سوريا، من الصعب تكراره في ليبيا، لأن مواجهة أردوعان في ليبيا، تعني مواجهة الناتو مباشرة، وهو ما تأكد من تصريحات رسمية لأمين الناتو، البنتاجون والسفير الأمريكي في ليبيا المقيم في تونس، مدعومة بتوافق دول الناتو على التصدي لروسيا في ليبيا، ومنعها من تحقيق هدفها في إقامة قاعدة عسكرية بحرية هناك، بل أن تركيا جاءت إلى ليبيا موكلة من الناتو، وبأمر من أمريكا لمهمة محددة، وهي إخراج روسيا من ليبيا نهائيا.

لذلك، لم يستطع أي طرف من الأطراف الدولية الأخرى، والتي هي فرنسا وألمانيا ومعهم روسيا، بالطبع من الوقوف في وجه أردوغان، ومنعه من نقل الجيش والأسلحة إلى ليبيا تحت بصر الجميع.

كما أن، الهجوم التركي الثقيل بحرا، جوا وبرا على محيط الهلال النفطي، كانت غايته هو إبعاد روسيا كلية من ليبيا، تحقيقا للهدف الموكل إليه من الناتو ولأطماعه الأخرى.

بمعنى أن، رد روسي على تركيا، قد يؤدي إلى انفلات لعناصر القوة، يجعل من ليبيا المكان، الذي انطلقت منه الحرب العالمية الثالثة.
أما فيما، يخص إلغاء حفتر لاتفاق الصخيرات مع السراج، هو أخطر منحنى وصلت إليه الأزمة الليبية، والذي قد يؤدي إلى تقسيم ليبيا إلى دولتين في حالة تأخر حفتر عن تحرير طرابلس العاصمة السياسية لليبيا، واستعادة مؤسسات الدولة، وأولها السيطرة على مقر الرئاسة ومجلس الوزراء والبنك المركزي الليبي، حتى تبدأ ليبيا في إعادة إنتاجها للبترول، واستعدادها لضخه حال انتهاء أزمة اختناقه الحالية.

لم يكن لحفتر، أن يقدم على قرار خطير كهذا، في إلغاء اتفاق الصخيرات دون التشاور العميق مع الأطراف المشتبكة في الملف الليبي، وخاصة الأطراف الداعمة له مصر، الإمارات وروسيا، وربما السعودية، حتى يضمن المساندة الفعلية والدعم السياسي والعسكري، كي يخرج بليبيا من حالة الفوضى والاقتتال والدمار، التي أغرقت فيها تركيا ليبيا وشعبها أملا في تحقيق أحلامه وأطماعه، ومن يدعمونه في الخفاء.

الأيام القادمة، قد ترتب على مصر بعض الالتزامات المستجدة نتاج قرار حفتر، وهو انتقال الدعم المصري من المستوى السياسي إلى المستوى العسكري المعلن والواضح، مقابل التدخل العسكري التركي والمخالف لكل الاتفاقيات السياسية، التي أقرتها معظم المؤتمرات المتعلقة بالأزمة، خاصة قرار حظر إمدادات أطراف الأزمة بالسلاح، وهو ما خالفته تركيا مرارا، بإرسال السلاح إلى ليبيا.

وأن ما يحدث في ليبيا حسب مصر، سيكون له تداعيات شديدة الخطورة على أمن مصر، أو سيكون تدخل مصر في ليبيا عسكريا الآن محكوما بقواعد عدم الانخراط الكامل، حتى لا يؤدي إلى انزلاق الجيش المصري في ليبيا، واستهدافه هناك وتوريطه في حرب، تلهيه عما قد يعده للتعامل مع إثيوبيا بعد شهرين من الآن.

وبالتالي، أصبح الحل الوحيد لمشكلة الأزمة ليبيا، هو تفعيل اتفاقية الصخيرات من جديد، والالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، والتأكيد على الحل السياسي، ورفض التدخلات الخارجية في ليبيا.

*طالب جامعي وباحث في القانون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *