اقتصاد

دومو: “الانتعاش الاقتصادي” توجه غير صائب.. ولا يجب اقتباس ما يروج في الاقتصاديات المتقدمة بكيفية عمياء

خبير اقتصادي

اعتبر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي عبد العالي دومو، أن ما سماها بـ”سانفونية الانتعاش الاقتصادي” هو توجه غير صائب لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية وضع الاقتصاد المغربي، ويشكو من تبعية مذهبية تريد أن تقتبس ما يروج في الاقتصاديات المتقدمة وتطبيقه بكيفية عمياء في المغرب.

وأوضح دومو في حوار مع جريدة “العمق”، أن السيمة المشتركة لعملية “الانتعاش الاقتصادي”هي اختزال الإشكالية في جوانبها الكمية، ما يعني ضرورة ضخ موارد استثنائية وإضافية لإنعاش الاقتصاد الوطني.

وأشار إلى أن هذا الطرح أصبح متجاوزا لعدة اعتبارات، منها تجاهل العوامل الهيكلية التي تعوق الاقتصاد الوطني وتمنعه من الإقلاع، مشددا على أن الإشكال المطروح اليوم على المرفق العمومي لا يتعلق بضرورة تعبئة موارد إضافية، بل القيام بالإصلاحات المؤسساتية التي تمكنه من أن يحسن هندسة البرمجة والتنفيذ لتدخلات الدولة.

وفيما يلي نص الحوار

ما رأيك في النقاش حول كيفية تدبير الأزمة الحالية؟

إن النقاش حول آثار الأزمة الحالية والسياسة العمومية الواجب اعتمادها ما بعد الجائحة، تهيمن عليه سانفونية (symphonie) ضرورة الانطلاقة الاقتصادية عبر تدخل إرادوي للدولة واعتماد الميزانية لتحريك النسيج الاقتصادي.

إلا أن هذا التصور المهيمن يرتكز على تقييم مذهبي كلاسيكي يتعامل مع أزمة كورونا كباقي الأزمات السابقة عبر اقتراح برنامج انطلاقة اقتصادية تقليدي يفعل الميزانية والسياسة النقدية، فكل الفاعلين الخواص، والخبراء في الاقتصاد، والمسؤولين العموميين يرددون هذه السانفونية (Symphonie) عبر التأكيد على ضرورة سن سياسة للانتعاش الاقتصادي.

فالاتحاد العام للمقاولات اقترح ضخ 100 مليار درهم لإنعاش الاقتصاد الوطني؛ كما اقترح بعض الخبراء في الاقتصاد ضرورة تفعيل دور الدولة عبر الرفع من حجم الاستثمار العمومي وضخ السيولة الضرورية من طرف القطاع البنكي لصالح المقاولة المغربية؛ وجاء القانون التعديلي للمالية (2020) لتكريس هذا الخيار باعتماد 182 مليار درهم كغلاف إجمالي للاستثمار العمومي لخمسة أشهر المتبقية من السنة.

فالسيمة المشتركة لهذه التوجهات هي اختزال الإشكالية في جوانبها الكمية: ضرورة ضخ موارد استثنائية وإضافية لإنعاش الاقتصاد الوطني.

إذن هل هذه التوجهات غير مناسبة؟

هذا الطرح أصبح متجاوزا لعدة اعتبارات

1- أولا: الغريب في هذا الطرح هو أنه تجاهل بسرعة كبيرة العوامل الهيكلية التي تعوق الاقتصاد الوطني وتمنعه من الإقلاع.

فقبل انتشار هذه الجائحة في البلاد، كان المغاربة يفكرون في الخيارات الإستراتيجية التي يجب اعتمادها لتجاوز المعوقات الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت تهدد مستقبل المغرب. وتحت إشراف ملك البلاد وضعت لجنة لتجميع الاجتهادات الوطنية لاقتراح البدائل التنموية الناجحة لمغرب القرن 21.

لكننا بعد بضعة شهور، أفقدنا التفكير في سبل الحد من آثار الجائحة البعد الاستراتيجي ورجعنا إلى تفكيرنا التقليدي من أجل الترقيع وتغليب المنطق الانتهازي الفئوي على الصالح العام.

2- الملاحظة الثانية: فقد تناسينا من خلال هذا الطرح أن المقاولة الصغيرة والمتوسطة تشكو أساسا من صعوبة ولوجها إلى الأسواق والتمويل.

3- الملاحظة الثالثة: كما تناسينا كذلك أن رأس المال المغربي (أي المقاولة الكبرى) يحصل على أرباح هائلة، لكنه لا يخلق من النمو والتشغيل ما يكفي لإدماج اقتصادي واجتماعي للشباب المغربي. وهذا راجع للتوجه غير المنتج لهذا الرأس المال وانخراطه أكثر في اقتصاد الريع التي تغذيه تحفيزات وإجراءات السياسات العمومية، الشيء الذي يمنعه من الابتكار وتطوير تنافسيته.

4- الملاحظة الرابعة: إن طرح الاقتصاديين من أجل الرفع المستمر للاستثمار العمومي دون المبالاة بالمعوقات المؤسساتية التي تمنع الإنفاق العمومي من تحسين مردودية الخدمة العمومية داخل المجالات لصالح المواطنين، إن هذا الطرح أصبح متجاوزا.

إذن أين هو الإشكال بالضبط؟

فالإشكال المطروح اليوم على المرفق العمومي لا يتعلق بضرورة تعبئة موارد إضافية، بل القيام بالإصلاحات المؤسساتية التي تمكنه من أن يحسن هندسة البرمجة والتنفيذ لتدخلات الدولة داخل المجالات لكي يتمكن من تثمين الموارد الحالية والتي لا يتم صرفها من طرف القطاع العمومي بالنجاعة، والسرعة والجودة الضرورية.

فما الفائدة إذن من اقتراح الرفع من حجم استثمار الحكومة من 70 مليار إلى 100 مليار درهم (من طرف بعض الاقتصاديين)، كما نعرف أن ما يراوح 200 مليار درهم التي تعبأ سنويا للاستثمار العمومي (استثمار عمومي سنوي + الموارد المنقولة من سنة الى أخرى) لا يصرف منها إلا حوالي النصف وفي أحسن الحالات 70%.
وما الفائدة كذلك من ضخ موارد إضافية لما نعرف أن الموارد المرصودة لا تنفق بكيفية ناجعة من جراء ضعف الالتقائية والاستهداف الاجتماعي و المجالي.

فلهذه الاعتبارات كلها يتضح أن ما سميته بسانفونية (Symphonie) الانتعاش الاقتصادي هو توجه غير صائب حيث لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية وضع الاقتصاد الوطني ويشكو من تبعية مذهبية تريد أن تقتبس ما يروج في الاقتصاديات المتقدمة وتطبيقه بكيفية عمياء في المغرب.

لكن المشكل الأساسي في هذا التصور هو جهل الطبيعة الحقيقية للأزمة وتجاهل العوامل المؤسساتية البنيوية التي تعوق أي مجهود تنموي من تحقيق أي إقلاع اقتصادي واجتماعي للمغرب. وإذا كان التشخيص غير صائب فإن المداواة لن تحقق الأهداف المتوخاة.

فلهذا أي تصور ستعتمده الحكومة يستلزمه تشخيصا صائبا لطبيعة الأزمة من جهة، ومعرفة وإصلاح طبيعة الاقتصاد الوطني موضوع المداواة.

ما هو تشخيصك للأزمة الناتجة عن كورونا؟

طبيعة الأزمة الناتجة عن الجائحة تمكن في:

1- الأزمة التي يشكو منها الاقتصاد المغربي حاليا –بخلاف سابقاتها- ليست أزمة عرض فقط؛ أو أزمة طلب فقط ؛ إنها أزمة شمولية تتسم بوقف (إيقاف) عنيف لجميع المبادلات العالمية والأنشطة الإنتاجية في جميع نواحي العالم.

2- إنها أزمة فريدة من نوعها حيث أن مداواة المظاهر والآثار تتم بكيفية متناقضة، فاعتماد مداواة صحية عبر الحجر الصحي يؤدي إلى أزمة اقتصادية واجتماعية، وعكس ذلك، إن سن انتعاش اقتصادي عبر رفع للحجر الصحي قد يؤدي إلى أزمة صحية من جراء تفشي الجائحة.

3- إن الأزمة الحالية تفرز خلخلة للعولمة، على الأقل في أشكالها التقليدية إذ تحدث هذه الخلخلة ظاهرتين جديدتين:

• الظاهرة الأولى: تجزئ المنظومة الدولية (Fragmentation) حيث ستتعدد الأقطاب (Multipolarisation): الصين، الولايات المتحدة، الإتحاد الأوروبي.

• الظاهرة الثانية: التوجه نحو عولمة تعتمد القرب: حيث أن تطور رأس المال سيرتكز على قرب فضاءات الإنتاج، خلافا لما كان سابقا.

والنتيجة لهذه التحولات: تكمن في ارتكاز تنافسية هذه الأقطاب على قدرة كل واحد منها على إرساء مناطق جغرافية قريبة (آسيا بالنسبة للصين، أمريكا اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة وإفريقيا بالنسبة لأوروبا).

وسيترتب على هذه العولمة الجديدة لضمان الانتعاش الاقتصادي، بناء علاقات جديدة تتسم بتوازن أكبر بين دول الجنوب المؤهلة ودول الشمال.

وفي هذا الإطار فإن المغرب مؤهل لأن يستفيد من هذا التوزيع الجديد للأدوار شريطة أن ينجح في الإصلاحات الهيكلية الضرورية.

4- السيمة الرابعة للأزمة: هي أزمة سيادة تظهر خطورة التبعية الصحية، الغذائية، التكنولوجية لدول العالم أكثر تقدما: فرنسا، ألمانيا، الولايات المتحدة ومدى تبعية اقتصادياتهم للصين، والهند (ودول آسيا بكيفية عامة).

5- إنها كذلك أزمة النظام الديموقراطي:

• تصاعد الاحتجاجات الإجتماعية؛

• الدور المهيمن لشبكات التواصل الاجتماعي في اتخاذ القرار؛

• تراجع آليات الوساطة والتمثيلية التقليدية.

• أمام هذه الأزمة الفريدة من نوعها، يوجد المغرب في وضعية حرب ضد عدو خفي، فتاك، له قدرة كبيرة في زعزعة البنيات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

• إن السنفونية (Symphonie)السائدة والتي تحث على ضرورة التسريع بالرجوع إلى الانتعاش الاقتصادي والحياة الطبيعية تتجاهل خطورة الظروف الجديدة التي يمر منها المغرب والعالم.

• إذ بما أننا في وضعية حرب فالمداواة هي النجاة والتعافي في المدى القصير (الذي قد يستغرق سنتين إلى 3)

• قبل إنجاح أي برنامج للانتعاش الاقتصادي الذي سيتطلب وقتا طويلا بعد مرحلة النجاة والتعافي (3 إلى 5 سنوات)

وكمثـال للتنوير، فالدول أكثر قوة اقتصاديا من المغرب كألمانيا وفرنسا لن تسترجع مستواها في النمو الذي عرفته سنة 2019، إلا إبان 2022، أي بعد سنتين من التعافي.

ماهو هامش المناورة التي تتوفر عليه البلاد؟

من باب المسؤولية، يجب تثمين في المدى المتوسط والبعيد هذا الهامش. لماذا؟

أولا: إن استرجاع قدرة المغرب لتعبئة الموارد الضريبية سيتطلب وقتا مشروطا بتعافي النسيج الاقتصادي الوطني (على الأقل سنتين).

ثانيا: إن هامش اللجوء إلى الدين الخارجي محدود ومرتبط بالتعافي كذلك (تبلغ نسبة الدين 67% من الناتج الداخلي الخام).

ثالثا: إن جلب الاستثمارات الأجنبية والسواح سيتطلب وقتا طويلا لاسترجاع الثقة في المغرب من جراء هذه الجائحة.

رابعا: الصادرات والتحويلات للمغاربة بالخارج نفس المشكل: ضرورة تعافي الاقتصاد العالمي.

خامسا: يجب علينا أن لا ننسى من حيث أتينا، التفكير في نمط لنمو جديد، فاقتصاد معطل ولا يخلق النمو والتشغيل في مستوى الإمكانيات المرصودة (الاستثمار العمومي) نظرا لطبيعة البنيات الإنتاجية للاقتصاد الوطني، وكذلك نظرا لضعف مردودية الإنفاق العمومي؛

وهذه كلها عوامل نحن بصدد إصلاحها لتجديد النموذج التنموي المعتمد.

لهذه الاعتبارات كلها، يترتب على المسؤولين تثمين الهامش المحدود المتوفر لديهم والتفكير جديا بمصاحبة الإجراءات المتخذة بالإصلاحات الهيكلية التي من شأنها أن تفعل نجاعتها.

هل لديك تصور معين أو برنامج لإنقاذ الاقتصاد الوطني؟

بناء على هذه الملاحظات السابقة، يجب علينا أن نضع:

أولا: برنامج استعجالي (مدة سنتين): هدفه هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النسيج الاقتصادي (السياحة، النقل، الصناعة، المقاهي والمطاعم) ودعم الشرائح الضعيفة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين (التذكير بمحدودية الإجراءات الحالية).

• التفكير في آليات دعم العاطلين من جراء الأزمة

• التفكير في توفير السيولة الضرورية للمقاولة الصغيرة

• التفكير في سن الإصلاحات الهيكلية بناءا على التصور الجديد للنموذج التنموي: اللاتركيز،محاربة الريع، تقوية التصنيع

• تحسين مردودية الإنفاق العمومي (اللاتركيز)

• دعم حقيقي للوسط القروي ،تقريبا نصف الساكنة على المستوى الوطني، والذي يشكو اليوم من جفاف حاد زيادة على أثار الجائحة، لاسيما قطاع تربية الماشية، النشاط الاقتصادي الرئيسي لأغلبية الساكنة.

فثمن الشعير بلغ 5 دراهم للكيلوغرام، وأبار الماء الصالح للشرب فقدت 30 متر خلال سنة واحدة في غياب مطلق لمحاور مؤسساتي بالوسط القروي في ميدان الماء الصالح للشرب.

• البرنامج الثاني: (5 سنوات) وضع تصور للانتعاش الاقتصادي يمكن من تطوير تنافسية الاقتصاد الوطني والرفع من مردودية الإنفاق العمومي في نتاج الخدمة العمومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *