منتدى العمق

ألعاب الفيديو وتأثيرها على سلوك الطفل.. لعبة “فري فاير” أنموذجا

يسير العالم اليوم على إيقاع متسارع الخطى نتيجة التقدم الحاصل الذي تشهده البشرية على مختلف الأصعدة ، ذلك أن الأشياء المستحيلة في الماضي القريب أصبحت اليوم تنجز ببصمة أصبع أوعين، فاختصرت المسافات والتعقيدات المركبة فالذي كان مجرد خيال يحلم به الإنسان ويهذي به في بعض الأحيان أصبح اليوم يعيشه كمادة تقنية ، سهلت له الولوج وتجاوز كم هائل من العوائق الحياتية ، نتيجة التجارب و التراكمات العلمية وخصوصا المتعلقة بما هو تكنولوجي .

فإلى جانب ظهور الهاتف الذكي والأنظمة المشغلة التي أحدثت ثورة في مجال التقنية ، ظهرت بالموازاة معه برامع وتطبيقات جديدة تمكن صاحبها من الولوج للعديد من الخدمات الاجتماعية الحياتية المرتبطة بمختلف المرافق والمؤسسات .

وفي الوقت الراهن وأنت جالس في عقر بيتك، أو مررت بالشارع العام أو صعدت الحافلة ، سيشد انتباهك من الوهلة الأولى بعض الشبان حاملين هواتفهم الذكية يخاطبونها بكل نباهة وانفعالية مركزين انتباههم مع ألعاب الفيديو الافتراضية التي لم تعد حكرا على الأطفال الصغار ، بل شملت شريحة واسعة من الشباب والكبار على حد سواء فأصبحوا يمارسونها لساعات طوال بشكل شبه يومي يدعو للقلق.

لايختلف اثنان حول الأهمية الكبرى التي يحظى بها اللعب لدى الطفل حيث يعتبر مادة أساسية في التنشئة الإجتماعية كونه تعبير عن الحياة الإجتماعية والثقافية ، فتصير الألعاب بذلك جسرا لنقل الثقافة والسلوكات الإجتماعية ، فمن خلال اللعب يجد الطفل ذاته ويطور من إمكاناته العقلية المرتبطة بالمهارات ويفرغ ضغطه اليومي مع أقرانه من الأطفال , فالإنسان يكون أويصير إنسانا حين يلعب ، كما قال “شيللر.

وعرف جان بياجيه اللعب أيضا كونه :

( عملية تمثل ( Assimilation ) تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية النماء العقلي والذكاء ).

ووجب التمييز هنا بين قسمين من الألعاب فالألعاب “الواقعية ” التي عشنا على إيقاعها على جنبات ” الحومة ” والأحياء الشعبية كنا طرفا مؤثرا مباشرا فيها تعتمد في غالبيتها على ماهو “حس حركي” ، أما الشق الثاني وهي الألعاب ” الإفتراضية الإلكترونية يكون فيها الشخص متحكما بشخصية افتراضية تحاكي فقط الواقع بواسطة بصمات الهاتف وسماعات الأذن ، والتي انتشرت في الآونة الآخيرة بسرعة خاطفة ، كونت مجتمعا افتراضيا قابع من وراء الهواتف والحواسيب غالبيتهم لاتولي اهتماما للواقع المادي الملموس وتعيش تفاصيله بل تجد لذتها بالمقابل داخل جبة الافتراضي، أكثر من ممارسة الحياة الإعتيادية هنا وهناك .

لقد انتشرت الألعاب الإلكترونية بشكل سريع خلال السنوات الأخيرة بالمجتمعات العربية والأجنبية كالنار في الهشيم، فارتفعت مبيعاتها وغزت الأسواق و المنازل وأصبحت من الحاجيات الأساسية الجديدة التي خطفت عقول الأطفال وشغلت اهتمامهم .

يعد THOMAST ; GOLDSMITH وزميله في العمل ( ESTLE RAY MANN) أول من قاما باختراع جهاز تسلية إلكتروني وذلك سنة 1952 ، حينما كانا يعملان كمبرمجين بإحدى شركات صناعة المعالجة الحاسوبية لصالح الحكومة الأمريكية ، أما صناعة ألعاب الفيديو المنزلية فقد بدأت سنة 1972 ، وكانت شركة ماجنافوكس هي أول شركة تطرح جهاز ألعاب الفيديو تحت مسمى أوديسي ،

لقد ابتكرت الألعاب وصممت بدقة عالية من حيث الشكل والمحتوى المقدم والمرئيات والمؤثرات الصوتية التي تشد انتباه الشخص خصوصا الطفل وتصل به إلى درجة الإدمان .

ومن بين الألعاب الإلكترونية التي اشتهرت اليوم بشكل مخيف نجد لعبة ” فري فاير ” التي شغلت الصغار والكبار وانتشر صيتها في مختلف أقطار العالم ، وهي لعبة ”باتل رويال من تطوير 111 دوتس ستوديو ونشر شركة غارينا وتم إصدارها في 4 ديسمبر 2011 ، أصبحت اللعبة الأكثر تحميلا للهاتف لسنة 2019 نظرا لشعبيتها حصلت اللعبة على جائزة أفضل لعبة شعبية في تصويت متجر ” جوجل بلاي سنة 2019، وحققت أرقاما مرتفعة في التحميل تجاوزت 500 مليون تحميل في أجهزة الأندرويد في فبراير 2019 . مما يجعلها تتربع على عرش أكثر ألعاب الفيديو شعبية عبر بالعالم .

يشير العديد من المختصيين في علم النفس والإجتماع إلى أن اللعب لساعات طوال أمام الحاسوب أو الهاتف ، قد يشكل مضاعفات جانبية بالنسبة للأشخاص وخصوصا الأطفال ، حيث قامت المنظمة العالمية للصحة بتصنيف إدمان ألعاب الفيديو اضطرابا في الصحة العقلية ، التصنيف الدولي للأمراض الذي أعدته المنظمة وصف إدمان ألعاب الفيديو ، بأنه نمط من اللعب المستمر أو المتكرر يصبح مفرطا جدا لدرجة أن تكون له الأسبقية على غيره من اهتمامات الحياة ، مشيرا بأن بعض أسوء الحالات تتعلق بأشخاص يمارسون تلك الألعاب لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم ويمتنعون عن النوم أو تناول الوجبات أو العمل أو الدراسة وغيرها من الأنشطة اليومية ولا يقتصر الأمر على هذا فقط ، بل إنه يؤدي بشكل غير مباشر إلى الموت المبكر ، وبحسب المنظمة فإن ” اضطراب ألعاب الفيديو ” صنف ضمن الأمراض والمشكلات الصحية ذات الصلة ICD _11 ، ومن أجل تشخيص ” اضطراب الألعاب ” أو ” إدمان الألعاب ” تقول المنظمة العالمية أن نمط سلوك الشخص يجب أن يكون “شديد الخطورة بحيث يؤدي إلى تدهور كبير في المجالات الأسرية أو الإجتماعية أو التعليمية أو المهنية .

من زاوية أخرى تؤكد “دافني بافلير ” الحاصلة على الدكتوراه في علوم الدماغ والعلوم المعرفية ، أن ألعاب الكمبيوتر لها تأثير كبير على حياتنا اليومية ، واعتبرت أن اللعب لجرعات معقولة قد يكون له طابع صحي على الشخص، وخلصت الباحثة إلى بعض الآثار الإيجابية لألعاب الفيديو في الدماغ خصوصا ألعاب الحركة التي عادة ما تتضمن تحديات بدنية كإطلاق النار وتخطي العقبات وجمع الأشياء ، وأثبتت بافلير مع فريق من الباحثين في دراسة أجريت قبل نحو 10 سنوات أن الأشخاص الذين يلعبون ألعاب الحركة لأربعة أيام في الأسبوع بحد أدنى ساعة واحدة في اليوم ، فاقوا غيرهم في حل الألغاز البصرية ، وكانوا أقدر على تقدير أعداد العناصر ، ومعالجة المعلومات المعقدة بسرعة ، والتحكم في تركيز انتباههم على موضع معين ، إضافة إلى سرعتهم في التحول من مهمة إلى أخرى

إذن اللعب لساعات معقولة لاتتعدى الساعتين قد ينعكس إيجابا على الصحة العقلية للشخص ، غير أن تجاوزنا الحد المعقول من الوقت الزمني قد ينتج عنه إدمان ومن تم اضطراب عقلي .

إن الملاحظ لمشاهد وصور لعبة ” فري فاير ” ورفيقاتها من ألعاب الفيديو الأخرى التي تلعب على شبكة الأنترنيت على المباشر ، سيلاحظ أن الهدف من اللعبة هو القضاء على الأعداء والمجرمين قبل أن يتم القضاء عليه ، وبالتالي هو استبطان لسلوك عدواني قد يولد في نفسية الطفل “العنف العدوانية ” مع الآخر ، وهو ما يفرض على الآباء وأولياء الأمور مراقبة أطفالهم وتحديد أوقات لعب أبنائهم حتى لا تسبب هاته الألعاب العنيفة آثارا جانبية على سلوكياتهم النفسية وكذا العقلية .

المراجع :

جريدة الشرق الأوسط ” الصحة العالمية تصنف إدمان ألعاب الفيديو مرضا رسميا الإثنين 27 مايو 2019 .

إدمان ألعاب الفيديو خطر يهدد الصحة العقلية للأطفال ” تقرير قناة الغذ ”

الألعاب الإلكترونية ” واقع ممارستها لدى طلبة جامعتي السلطان قابوس في سلطة عمان وجامعة المنوفية في مصر ” د. ناهد محمد بسيوني سالم كلية الآداب والعلوم الإجتماعية _ جامعة السلطان قابوس .

موسوعة ويكيبيدبا الحرة “غارينا فري فاير “.

سيكولوجية اللعب عالم المعرفة سوزانا ميلر رقم العدد : 120 .

* طالب باحث في السوسيولوجيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *