وجهة نظر

الملك محمد السادس.. قدوة ونموذج يحتذى به في إحترام المواطن وأدواره الدستورية‎

Sa Majesté le Roi Mohammed VI adresse un discours à la Nation à l’occasion du 44 ème anniversaire de la Marche Verte. 06112019 - Rabat

إنه الملك محمد السادس، مافتئ ملكنا الحكيم يُدهشنا ويثير إعجابنا بحرصه الدائم والقوي على القيام بأدواره الدستورية حتى في حالات إستشفائه حفظه الله، فالملك محمد السادس لم يتوانى ولو لحظة واحدة في تتبع شؤون البلاد بدقة و إعطاء التوجيهات الازمة في الوقت المناسب، وما خطاب العرش الذي وجهه مساء الأربعاء المنصرم إلا نموذج يُحتذى به لرئيس دولة يبرهن في كل وقت مهما كانت الظروف التي لم تمنعه من ممارسة أدواره الدستورية في احترام منقطع النظير لمواطنيه الذين يبادلهم كل الحب والتقدير ، خطاب العرش الذي يصادف هذه السنة الذكرى الحادية والعشرين لتربع الملك على العرش، خطاب حمل في طيّاته العديد من الرسائل ذات أبعاد إنسانية في مجملها، واقعية بإيجابياتها وتحدياتها، حرص ملك البلاد من خلالها على التواصل المباشر مع شعبه بلغة واقعية قد تكون أحيانا صعبة، ففي مستهل خطابه أكد الملك محمد السادس على أن صحة المواطن هي أولى الأولويات قبل أي شيء آخر، بحيث قال الملك “فالعناية التي أعطيها لصحة المواطن المغربي وسلامة عائلته هي نفسها التي أخص بها أبنائي وأسرتي الصغيرة؛ لاسيما في هذا السياق الصعب، الذي يمر به المغرب والعالم، بسبب انتشار وباء كوفيد 19.”

تطرق بعدها الملك محمد السادس للتدابير والإجراءات الإحترازية الإستباقية الحاسمة التي قام بها المغرب منذ ظهور أولى الحالات بفيروس كورونا التي أعطت نوعا من الأمل والثقة والطمأنينة توازيا مع حالات القلق والخوف التي يشعر بها البعض وهو أمر طبيعي، إذ قال جلالته:”وهي قرارات صعبة وقاسية أحيانا، لم نتخذها عن طيب خاطر ؛ وإنما دفعتنا لها ضرورة حماية المواطنين، ومصلحة الوطن.”، وفي هذا الصدد نوّه الملك محمد السادس بالدور الجبّار الذي قامت به مختلف السلطات العمومية للحد من انتشار هذا الوباء، وفي مقدمتها نساء ورجال القطاع الصحي من أطر طبية وشبه طبية، مدنية وعسكرية، وكذا أفراد القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي ورجال وأعوان السلطات المحلية وكل مكونات الأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية إضافة إلى العاملين في مجال إنتاج وتوزيع المواد الغدائية.

إن هذه اللحمة المجتمعية بين كافة مؤسسات الدولة وروح التضامن والتآزر وتحمل المسؤولية الذي أظهرته مؤسسات الدولة و المجتمع المدني والمواطنين عامة جعلت الملك محمد السادس يعتز ويفتخر بها، إذ يقول الملك :”فقد عشنا مشاهد لاتنسى من التعاون والعمل التطوعي ، بـين الجيران ، ومع الأشخاص المسنين ، والأسر المحتاجة، من خلال توزيع المساعدات، وتقديم الدعم والإرشادات.”

تحدث الملك محمد السادس على الإنعكاسات السلبية التي أفرزتها جائحة كورونا على المستوى الإقتصادي والإجتماعي من خلال تأثر مداخيل الأسر وميزانية الدولة، مما استوجب معه إحداث صندوق خاص بمواجهة التداعيات الصحية والإقتصادية والإجتماعية لهذا الوباء، المبادرة الملكية لقيت تفاعلا كبيرا وواسعا من لدن المؤسسات العمومية والخاصة ومن كافة شرائح الشعب المغربي الأمر الذي أثلج صدر ملك البلاد خلال خطابه، بحيث تمت تعبئة 33 مليارا و700 مليون درهم صُرف منها لحد الساعة 24 مليارا و650 مليون درهم عبر الدعم الإجتماعي للقطاعين المهيكل وغير المهيكل ومن خلال كذلك دعم القطاع الصحي بالأساس.

لقد تطرق الملك محمد السادس إلى خطة إنعاش الإقتصاد الوطني التي سيتم إطلاقها عبر رصد خمسة ملايير لصندوق الضمان المركزي، كما دعا الملك الحكومة لِ” دعم صمود القطاعات المتضررة، والحفاظ على مناصب الشغل، وعلى القدرة الشرائية للأسر، التي فقدت مصدر رزقها.”

إنه بالرغم من كل المجهودات المبذولة حسب الملك محمد السادس وبنظرته الواقعية أكد على أن” عواقب هذه الأزمة الصحية ستكون قاسية.”، وفي هذا السياق دعا الملك محمد السادس لضرورة مواصلة التعبئة واليقظة والتضامن، والالتزام بالتدابير الصحية، ووضع مخطط لنكون مجندين ومستعدين لمواجهة أي موجة ثانية.

أكد الملك محمد السادس على الإهتمام بالأولويات لبناء إقتصاد تنافسي قوي عبر” إطلاق خطة طموحة للإنعاش الإقتصادي تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والرفع من قدرتها على توفير مناصب الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.”، وفي هذا الصدد أكد الملك محمد السادس على أنه “سيتم ضخ حوالي 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة تجعل المغرب من بين الدول الأكثر إقداما في سياسة إنعاش الاقتصاد بعد هذه الأزمة.” هذا بالإضافة إلى إحداث صندوق للإستثمار الإستراتيجي وظيفته هي دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشاريع الإستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص، خطة إقتصادية ربط الملك نجاحها بالإعتماد على مقاربة تشاركية بين كافة المتدخلين الحكوميين، الفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين، هذا دون نسيان حتمية التعجيل بإطلاق “إصلاح عميق للقطاع العام ومعالجة الإختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قـصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والإنسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الإقتصادية والإجتماعية. ولهذه الغاية، ندعو لإحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.”

لقد أكد الملك محمد السادس على ضرورة بلورة منظومة الحماية الإجتماعية نظرا لما يطبعها من تشتت وضعف على صعيدي التغطية والنجاة، وفي هذا السياق أعطى الملك توجيهاته” لإطلاق عملية حازمة لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة.”، ينطلق بشكل تسلسلي ابتداء من يناير 2021 بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، قبل توسيعه، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل وما يستوجب ذلك من إصلاح حقيقي للأنظمة والبرامج الإجتماعية الموجودة حاليا للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين خاصة عبر تفعيل السجل الإجتماعي الموحد،بحيث اعتبر الملك بأن بلوغ تعميم التغطية الإجتماعية سيُشكل رافعة جوهرية لإدماج القطاع غير الهيكل في النسيج الإقتصادي الوطني، ومن هذا المنطلق فقد دعا الملك الحكومة بأهمية فتح تشاور عمومي مع كافة الفعاليات الإجتماعية بُغية بلورة تصور شامل محددا زمنيا يهدف إلى تعميم فعلي للتغطية الإجتماعية.

وفي ختام خطابه إستشهد الملك محمد السادس بآية قرآنية كريمة حيث قال الله تعالى: “لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها، سيجعل الله بعد عسر يسرا”. صدق الله العظيم.

إن خطاب العرش هو لبنة تواصلية مستمرة من ملك يحترم ويقدر شعبه، ملك يواصل بكل حزم ممارسة أدواره الدستورية، ليشكل نموذجا يحتذى به قاريا وعربيا، بالشفاء العاجل لملكنا المحبوب.

* رئيس مجلس شباب إقليم ورزازات، المغرب، ناشط شبابي وباحث في علم الإجتماع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *