وجهة نظر

الحوز بعد عامين: بين الذاكرة والصمود

رئيسة منظمة النساء الحركيات، خديجة الكور

في مثل هذا اليوم، 8 شتنبر 2023، ارتجت جبال الحوز تحت وقع زلزال مدمر بلغت شدته 6.8 درجات على سلم ريشتر مخلفا دمارا واسعا امتد إلى عدة دواوير وقرى. خلف هذا الزلزال المروع أكثر من 3000 شهيد، وأصيب حوالي 5000 شخص بجروح متفاوتة، بينما وجد أكثر من 30.000 شخص أنفسهم بلا مأوى، مضطرين للعيش في خيام مؤقتة. بين هؤلاء الضحايا، كان هناك آلاف الأطفال الذين فقدوا أبويهم أو تعرضوا لصدمات نفسية عميقة، وصار كل بيت منكوبا مرآة للألم والخسارة.
كنت شاهدة في اليوم التالي للزلزال على حجم الكارثة بمنطقتي الغالية ، على المنازل المدمرة، وعلى وجوه الأهالي المصدومة وعلى عمق المأساة في أدق تفاصيلها الإنسانية. كان يوما أسودا في تاريخنا الحديث، يوم امتزج فيه الألم بالدموع، و ارتفعت فيه صرخات الأمهات و زفرات الأرامل، و أنين الأطفال الأيتام، وصور الخراب كانت تحاصر كل زاوية: منازل منهارة، مدارس مدمرة، طرق مقطوعة، و أسقف تحطمت فوق رؤوس العائلات.

لكن وسط هذا الحزن العميق، بزغت أروع صور التضامن المغربي. من كل المدن والقرى، ومن وراء البحار، تدفقت قوافل الخير ، محملة بالحب والدواء و الدفء والقلوب المفتوحة و بأسمى مبادرات التضامن و التعاون و التكافل . لقد توحد المغاربة كما لم يتوحدوا من قبل، فصار الحوز جرحا واحدا نازفا في جسد الوطن، وصارت دمعة كل يتيم دمعة لنا جميعا.

وكانت المبادرة الملكية السامية، بتفقد جلالته شخصيا للضحايا بالمستشفى، عنوانا أسمى لهذا التضامن، و رسالة قوية أن الملك مع شعبه في السراء والضراء. تلك اللحظة الخالدة، حين وقف جلالته بين أبنائه وبناته، لمس آلامهم وواسى جراحهم، بمشاعر

أبوية عميقة ستبقى محفورة في ذاكرتنا، ورمزا للقرب الإنساني والوفاء الوطني.

وكان لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها دورا كبيرا سواء منها السمعية البصرية أو الصحف المكتوبة، أو الجرائد الإلكترونية المحلية، الإقليمية والوطنية و مواقع التواصل في تغطية أحداث الزلزال. فقد نقلت هذه الوسائط الأخبار العاجلة، و وفرت متابعة دقيقة لتداعيات الكارثة، كما ساهمت بشكل فعال في توعية المجتمع بأهمية التضامن مع المتضررين. ولم تقتصر وظيفة الإعلام على نقل الأخبار فحسب، بل أصبح أداة للتعبئة الإنسانية، حيث شجعت على المبادرات المجتمعية والخيرية، ونقلت أصوات الضحايا إلى صناع القرار والجمهور العام، مما عزز من روح التضامن الوطني والمواطنة الفاعلة.

واليوم، بعد مرور سنتين. نشيد بالجهود الكبيرة التي بذلها المغرب: الدولة، والحكومة، والسلطات المحلية، وجميع الفاعلين، في تأمين السكن المؤقت، ومساعدة المتضررين، ودعم إعادة الحياة في القرى المنكوبة. لقد كان هذا الدعم أساسيا للحفاظ على كرامة المواطنين والمواطنات، ولمنع تفاقم الأزمة الإنسانية. ومع ذلك، يبقى من الضروري تسريع ما تبقى من عملية الإيواء لباقي ضحايا الزلزال خاصة لازال
أمامنا الكثير لإنجازه: كون إعادة البناء ليست مجرد بيوت ترفع، بل حياة تستعاد بكامل أبعادها: إيواء كريم يحفظ الكرامة، تنشيط السياحة الجبلية، إحياء الزراعة والمشاريع المذرة للدخل، توفير فرص عمل للشباب، دعم الصناعات التقليدية و المبادرات النسائية و الاقتصاد التضامني وإقامة مدارس مراكز للتكوين المهني و مستشفيات و خدمات صحية جيدة وبنيات ثقافية و رياضية و مراكز لايواء للمعاقين لتقوية النسيج الاجتماعي. إن بناء المستقبل الحقيقي للحوز يعني إعادة الأمل، وإعطاء كل مواطن ومواطنة الفرصة ليعيش بكرامة وطمأنينة، ليعيد تشكيل حياته وطموحاته. في ظل مغرب العدالة الاجتماعية و المجالية

ولا يسعنا إلا أن ننحني تقديرا أمام السلطات المحلية والجماعات الترابية، التي وقفت بالليل والنهار إلى جانب الضحايا، وأمام الجمعيات الوطنية والمحلية، والمبادرات الفردية التي جسدت التضامن الحقيقي. ونوجه تحية خاصة لمغاربة العالم، الذين عبروا القارات ليكونوا سندا وسخاء في لحظة محنة، و ليؤكدوا مرة أخرى أن حب الوطن عقيدة و سلوك لا تبدده المسافات.

وفي قلب هذا المشهد كلها، كانت النساء أيقونة الصمود. نساء فقدن الأزواج، فتحملن عبء الأسرة وحدهن وسط الخيام، حيث لا خصوصية ولا ظروف تحفظ الكرامة. فتيات يتيمات وجدن أنفسهن بلا سند، وأمهات حملن جراح الفقد وبنَين الحياة من لا شيء. بعضهن تعرضن لضغوط قاسية، بل لعنف مضاعف زاد من هشاشتهن. ومع ذلك، أبدعن في تحويل المأساة إلى قوة: نظمن الحياة اليومية وسط الركام، ربين الأطفال في ظروف لا تطاق، وأثبتن أن المرأة المغربية، حتى في أقسى الظروف، هي عماد الصمود وحافظة النسيج الاجتماعي. من أجل ذلك، نؤكد أن إنصاف هؤلاء النساء ودعمهن النفسي والاجتماعي والاقتصادي يجب أن يكون ركنا أساسيا في أي مشروع لإعادة الإعمار.

إن 8 شتنبر ليس فقط يوما نستحضر فيه مأساة الزلزال، بل هو يوم للحزن والأمل، للألم والوحدة، وللعهد على النهوض مجددا. يوم نتذكر فيه أن المغرب قادر على تحدي المآسي وأن المغاربة قادرون على مواصلة بناء وطن أقوى وأعدل، بقيادة جلالة الملك نصره الله، وطن يتسع الجميع، و طن يسير بسرعة واحدة ويكرم كل ذكرى، ويضمن لكل مدينة وقرية على امتداد الوطن الحياة التي تستحقها.

رحم الله الشهداء، وشفى الجرحى، و المكلومين وحفظ الله وطننا وأهله من كل سوء و مكروه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *