وجهة نظر

“السرقة” لا تحل لغز الهجوم على باعة الأضاحي بالبيضاء

أسفرت العمليات الأمنية التي باشرتها مصالح منطقة أمن الحي الحسني بالدار البيضاء، يوم الخميس 30يوليوز 2020، عن ضبط عشرين شخصا، من بينهم ثمانية قاصرين، وذلك للاشتباه في تورطهم في أعمال العنف والسرقة والرشق بالحجارة التي شهدها سوق لبيع الأغنام بمنطقة “أزماط”. غير أن هذه “الحصيلة” ولا حتى صدور الأحكام فيها من أي نوع وحجم لا ينبغي أن تحجب أسئلة حارقة. ذلك أن هناك حصيلة أخرى أمنية وسياسية مقلقة جدا، لا يمكن التغاضي عنها، بل ينبغي التوقف عندها لاستخلاص الدروس والعبر. فكيف وقع ما وقع؟

في مقاربة الإجابة عن السؤال السابق، هناك أمور أساسية في هذا الموضوع ينبغي التوقف عندها، سنكتفي بأربعة منها جوهرية.

الأمر الأول، يتعلق بوقوع عمل مشابه لما وقع في الحي الحسني بالدار البيضاء، وذلك قبل قرابة ست سنوات بفاس، وبالضبط يوم 4 أكتوبر 2014، (5 سنوات و9 أشهر). والمهم في هذا الأمر أن الشريط الذي وثق لحادث الهجوم على باعة ألأضحاي بالحجارة وطردهم من السوق بفاس تمت إعادة نشره على أنه حدث جديد عبر إحدى الصفحات على فايسبوك، وذلك يوم الإثنين 27 يوليوز 2020، أي ثلاثة أيام قبل حادث الحي الحسني. وهذا الشريط، الذي قدم تحت عنوان (فاس / طرد الكسابة لغلاء الأضاحي) عرف رواجا واسعا، إذ تمت مشاركته 4304 مرة، وسجل 1203 تعليق، و 4065 إعجاب. ومن المهم التوقف عند عدد مشاركة الفيديو الذي يوهم بحداثة ما وقع. لذلك من المفيد في إطار تحقيق شامل أن يشمل التحقيق أيضا دوافع إعادة ترويج هذا الشريط. والبحث أيضا عن التأثيرات الممكن أن يكون قد أحدثها على شباب الحي الحسني بأن أطرهم من خلال تقديم “النموذج”.

الأمر الثاني، يتعلق بالفئة المتورطة في حادثي فاس والبيضاء. والسؤال الذي يتبادر إلى الدهن، هل القاصرون والمراهقون والشباب الذين قصفوا الباعة بالحجارة هم من يقتنون أضاحي العيد؟ فبالرجوع إلى أشرطة الفيديو للحدثين نجد أن الفئة العمرية التي تورطت في الحدثين أغلبهم مراهقون وشباب. و8 من أصل 20 الذين تم توقيفهم في حادث البيضاء قاصرون! أي 40 بالمائة! فالتركيبة السوسيوديموغرافية للمتورطين في حادث البيضاء، كما في فاس، تثير العديد من الأسئلة حول طبيعة الأسباب التي كانت خلف ما وقع، وحول ما إذا كان الغلاء فعلا سييها الرئيسي كما تم الترويج لذلك إعلاميا.

الأمر الثالث، يلاحظ أنه خلال الست سنوات التي تفصل بين حدثي فاس والبيضاء لم يسجل أي حدث مشابه لهما. كما لم تسجل حوادث مشابهة لما وقع في سوق واحد بالبيضاء في ياقي أسواقها ولا في باقي المدن الأخرى، وهذه الملاحظة تجعل لحدث البيضاء، كما هو الشأن لحدث فاس، خصوصية، وترجح وجود عوامل خاصة ومحلية تقف خلفهما.

الأمر الرابع، لم تسجل أية طفرة في أسعار الأضاحي هذه السنة يمكن أن تبرر ما وقع في سوق من بين مئات أسواق بيع الأضاحي في العاصمة الاقتصادية، وآلاف الأسواق في المغرب بما فيها فاس. وهو ما يعني أن غلاء أسعار الأضاحي المفترض ليس عاملا مرجحا ولا قويا.

وفي التقدير، وانطلاقا من الملاحظات السابقة، لا يمكن تفسير لغز ما وقع بأحد أسواق البيضاء بعامل غلاء الأسعار، رغم حضوره المفترض. كما لا يمكن تفسيره بتطور عفوي لحادث نقاش حول السعر بين شخصين أو أكثر، لأننا، كما وثقت الفيديوهات ذلك، امام حشود. مما يفترض وجود عوامل مؤطرة سمحت بتشكيل تلك الحشود داخل سوق بيع الأضاحي. وكما هو معلوم، وانطلاقا من نظريات سيكولوجيا الحشود، ومع افتراض حضور غلاء الأسعار والحجر الصحي كعوامل مساعدة، لابد كي يتحرك مجموعة من الشباب في إطار حشد، والقيام بممارسات عنيفة وأعمال سرقة، من وجود تحريض، قد يستغل أو يفتعل أية وقائع لتأطير هؤلاء الشباب، وتوجيههم للقيام بممارسات محددة، نجدها تطبيق حرفي لما جاء في فيديو فاس.

إن نظرية غلاء الأسعار لا تكفي نهائيا لتفسير ما حدث في البيضاء يوم الخميس الماضي، وأن نظرية تشكيل الحشد وتحريض من فيه على ما تم من أعمال عنف وسرقة يمكن أن ترفع اللثام عن حقيقة حدثي فاس والبيضاء. فهل يتسع التحقيق في حادث البيضاء ليشمل جميع الاحتمالات، بما فيها العلاقة مع إعادة نشر فيديو فاس القديم، واحتمال وجود “أطراف” محرضة على العنف؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *