وجهة نظر

حين ينطق الوحش الذي بداخلنا

سواء تعلق الأمر بالشباب الذين رموا باعة الأضاحي بالحجارة كأنهم يرمون عدوا سلبهم ممتلكاتهم، ليستولوا على الأضاحي بالقوة، وبطريقة ليس فيها حس إنساني ولا حبة خردل من التحضر، أما المواطنة فبين تصرفهم وبينها ما بين السموات والأرض… أو تعلق الأمر بكل الذين حاولوا تبرير ذلك التصرف الصادم بمصوغات واهية، وغير منطقية وغير صحيحة، مثل الحديث عن “الغلاء”، وكأن غلاء السلع يجيز الاستيلاء عليها بالقوة. أو تعلق الأمر بالذين لبسوا جبة المحللين لواقعوا نفس المشهد الجبان بأطروحات متهافتة، مثل حديث بعضهم عن “ثورة الجياع”! وقد تجد نفس المحللين أسالوا الكثير من مداد الحربائية لما تحدثوا عن أخلاق ثورة الياسمين، وثورات الشعوب خلال ما سمي بـ”الربيع الديموقراطي”، مشيدين بالممارسات المتحضرة للمحتجين، حيث لا سرقات ولا تحرشات، ولا … لكنهم، ولاعتبارات سياسوية وإديلوجية ضيقة، يرون في أحداث سوق الأضاحي بالحي الحسني بالبيضاء “ثورة الجياع”، وكأن الجوع يخص هذا الحي دون باقي الأحياء في العاصمة الاقتصادية، ويخص هذه المدينة دون باقي المدن المغربية، ووكأن ” الجياع” لا بد أن يثوروا ضد أمثالهم من المواطنين المستضعفين، لكنها بلادة الحس حين تعمى البصيرة والأبصار… أو تعلق الأمر بالذين لبسوا جبة المصلحين، وصعدوا منبر “الضمير الجمعي” ليتبلوا من فوقه على كل التراث الإنساني والحضاري والأخلاقي، ويتحدثوا عن “اللصوص الصغار” الذين استولوا بالعنف على الأضاحي مقابل “اللصوص الكبار” من رعاة الفساد والاستبداد، الذين نهبوا المال العام، مهونين من سرقة الأضاحي، ويصرخون أن المطلوب محاربة “اللصوص الكبار” ونجد عذرا “للصوص الصغار”، وكأن تمة تناقض بين محاربة العنف والسرقة وكل الجرائم، ومحاربة الفساد في المال العام والمرفق العام!

لا بد أن نقول لهؤلاء جميعا، دون خوف ولا تردد، إنكم شركاء في اغتصاب “تامغرابيت” التي نعتز بها وترفض الظلم ممن كان وكيف كان، وترفض السيبة، وترفض اعتماد “شرع اليد”، وترفض كل التصرفات والسلوكات التي تناقض أخلاقنا وقيمنا الجامعة، وترفض كل الأشكال التي تضعنا في مصاف الوحوش والهمج.

لا بد أن نقول لكل هؤلاء، بصراحة ووضوح، إنكم لا تمارسون النقد، ولا تمارسون الإصلاح، ولا تمارسون الفكر، ولا تمارسون السياسة الفاضلة، بل تستسلمون للوحش الذي بداخلكم، وشاركتم مراهقي الحي الحسني في “شطحاتهم العنيفة وغير الانسانية”، وصفقتم لها، كل بطريقته، ودافعتم عنها، ونافحتم عنها، وسجلتم للتاريخ أن كل من سيفكر باقتراف نفس ممارسات “مراهقي سوق الحي الحسني”، سيجدكم طابورا خامسا، تبررون، وتدافعون، وتشوشون، وتبتزون السلطات، وتشوشون على التحقيقات وعلى مسار العدالة.

لا بد أن نقول لهؤلاء جميعا، إن النضال الذي تزعمون، والقيم التي تدعون الدفاع عنها، والاصلاح الذي تتوهمون أنكم من دعاته، كلها قيم ومبادئ قاتلتموها، شعرتم بذلك أم لم تشعروا، علمتم ذلك أم لم تعلموا.

لا بد أن نقول لكل هؤلاء، إن الذي حاولتم الدفاع عنه او تبريره، جريمة كبيرة لا يقبلها حس إنساني وإصلاحي حقيقي، والمفروض أن نقول لهلاء “اللصوص الصغار”: لا. كما ينبغي تماما قولها وبقوة للصوص الكبار، لا فرق بينهما. لأن الأمر يتعلق: بالظلم، وباستعمال القوة للسطو على ممتلكات مواطنين أبرياء بغير حق، وبالانتظام في حشود عنيفة لممارسة جريمة السطو الجماعي، وفوق كل هذا، بتمريغ صورة المغرب والمغاربة في تراب الوحشية.

إن نفس الأعمال الصادمة لكل حس إنساني ومواطني التي اقترف شكلها المادي في سوق الأضاحي، اقترف “الطابور الخامس” المنافح عنها ظلما وعدوانا، شكلها المعنوي في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الجرائد.

لقد نطق الوحش الذي بداخل ثلة من المغاربة، يوم “الخميس الأسود” في سوق بيع الأضاحي بالحي الحسني بالدار البيضاء، وسفك دم “تامغرابيت” في أعز مناسبة دينية واجتماعية لدى المغاربة، كما نطق نفس “الوحش” بعد ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات بعض الجرائد، فحاول إخفاء أثر الجريمة فيما كان، بل وقدمه على أنه “ثورة جياع”، و”انتفاضة مظلومين” ورقصة صغار على وقع ضرب الطبل من طرف الكبار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *