وجهة نظر

تعيينات حاملي شهادة العالمية عدولا بين النص القانوني والخطأ الفادح لوزارة العدل

لقد أثار موضوع تعيين العدول الجدد الحاصلين على شهادة العالمية في التعليم العتيق نقاشا كبيرا بين مكونات الجسم المهني وكل المهتمين والفاعلين، واعتبره البعض عن حق سابقة خطيرة من طرف وزارة العدل وخطوة غير محسوبة العواقب، وأنا بدوري أعتبره فعلا غير مشروع وخطأ كارثيا لما له من آثار وخيمة على مهنة التوثيق العدلي لأنه أدخل أشخاصا إلى المهنة لا يتوفرون على أدنى معرفة قانونية وسيفتح المجال استقبالا إلى إدخال آخرين منهم بدون مباراة ولا تكوين ولا امتحان التخرج ولا غيره.

وأنا في الحقيقة كنت اعتقد أن وزارة العدل ستراجع نفسها بمجرد أن تعلم بجسامة الخطأ الذي وقعت فيه، ولم أشارك الزملاء في النقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأن وزارة العدل فيها من الخبراء القانونيين والقضاة ومستشاري السيد الوزير ما لا يوقعها في هذا الخطأ الجسيم.

ولكن لما رأيت أن الموضوع يمضي في صمت عام وكأن خطأ لم يقع، وباعتبار أنني من الممارسين للمهنة منذ أكثر من 25 سنة ومطلع على الموضوع، أردت أن أحرر هذا المقال وأخاطب به زملائي العدول وكل المهتمين والفاعلين ولا سيما المسؤولين في وزارة العدل من قضاة وإداريين ومستشارين للسيد الوزير، لعلني أن أحرك فيهم حسهم الحقوقي والقانوني وضميرهم الحي، وأن أثير فيهم تقوى الله إحقاقا للحق وإبطالا للباطل، وأنا على يقين بأن هذا المقال سيدفع كثيرا منهم ولا سيما النزهاء والفضلاء خاصة السادة القضاة الخبراء بالفقه والقانون، وسيقلب الطاولة على من تسبب في هذه الكارثة.

لأجل ذلك أقول لكم أيها السادة الأفاضل وكما تعلمون، لقد نصت المادة 9 من قانون 16.03 المنظم لخطة العدالة على ما يلي: (يعفى من المباراة والتمرين والامتحان المهني:

قدماء القضاة الذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة مدة خمس سنوات على الأقل، ومارسوا خلالها مهام التوثيق مدة لا تقل عن سنتين.

قدماء العدول الذين انقطعوا عن ممارسة المهنة بسبب لا علاقة له بما يمس شرفها، بشرط أن يكونوا قد زاولوا المهنة لمدة لا تقل عن خمس سنوات.

يعفى من المباراة ومن الامتحان المهني مع وجوب قضاء فترة تمرين لمدة ثلاثة أشهر بمكتب عدلي:

قدماء القضاة الذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة مدة خمس سنوات على الأقل.

حملة شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين.

حملة شهادة الدكتوراه المحصل عليها بالمغرب من دار الحديث الحسنية أو من إحدى كليات: الشريعة، أو اللغة العربية أو أصول الدين، أو الآداب- فرع الدراسات الإسلامية – أو الحقوق – فرع القانون الخاص أو القانون العام – أو ما يعادلها.

يعفى من المباراة مع قضاء فترة التمرين واجتياز الامتحان المهني:

* المنتدبون القضائيون السابقون الذين قضوا بهذه الصفة مدة عشر سنوات على الأقل).

وعندي في شرح النص القانوني وتوضيح الخطأ الجسيم التي ارتكبته الوزارة ثلاثة دفوع كبيرة:

الدفع الأول: وكما ترون السادة الأفاضل فإن المادة المذكورة تتحدث عن (حملة شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين)، ولفهم هذه العبارة يجب أن نتساءل جميعا عن تاريخ صدور هذا القانون وعن نوعية شهادة العالمية التي كانت موجودة آنذاك، لأن ظروف تطبيق النص حاسمة في فهمه وبيان المراد منه عند الاختلاف، وعليه فإننا نعلم جميعا أن قانون خطة العدالة الحالي صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 2 مارس 2006، وحين هذا التاريخ كانت شهادة العالمية الوحيدة الموجودة قانونا هي التي كانت تسلمها جامعة القرويين وهي التي كانت تعادل دكتوراة الدولة -حسبما سيأتي أسفله نصا صريحا في المراسيم الخاصة بذلك – أو تعادل الدكتوراة بعد التغيير الذي طرأ على نظام شهادة دكتوراة الدولة واستبدالها بالدكتوراة الوطنية.

ففي تاريخ صدور قانون خطة العدالة سنة 2006 كانت شهادة العالمية الوحيدة الموجودة آنذاك هي التي كانت تسلمها جامعة القرويين وهي التي تعادل الدكتوراة، مما يعني بوضوح كامل أنها هي التي كانت معنية بالمادة 9 المذكورة، وحاملوها هم من يعفون من مباراة ولوج خطة العدالة ومن الامتحان المهني مع وجوب قضاء فترة تمرين لمدة ثلاثة أشهر بمكتب عدلي، أما شهادة العالمية في التعليم العتيق فكانت غير موجودة إطلاقا في سنة 2006، وإن كان قانون التعليم العتيق قد صدر سنة 2002 ونص عليها ونظمها، لأن الفوج الأول من حامليها سيتخرج فيما بعد أي في سنة 2012، وكانت شهادة العالمية في التعليم العتيق تسلم في بداية الأمر من جامع (مسجد) القرويين أو من مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء اللذين كانا تابعين آنذاك لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ولم تكن تسلم من جامعة القرويين، بل كانت تسلم من مسجد القرويين ومن مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وذلك إلى حدود سنة 2017، حيث كانت هذه الشهادة غير معنية بمقتضيات المادة 9 المذكورة التي تتحدث بصريح العبارة عن شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين التي تضم ثلاث أو أربع كليات هي كليتي الشريعة بفاس وأكادير وكلية أصول الدين بتطوان وكلية اللغة العربية بمراكش، ولم تصبح جامعة القرويين تسلم هذه الشهادة إلا بعد صدور قانون سنة 2015 ومرسوم سنة 2017 اللذين أصبحت بموجبهما مؤسسات التعليم العتيق تابعة هي الأخرى لجامعة القرويين، وتخريج الفوج الأول من حامليها سنة 2018، وصارت هذه الشهادة هي الأخرى تسلم من جامعة القرويين، وهذه الشهادة سواء في طبعتها الأولى التي كانت تسلم فيها من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو في طبعتها الثانية التي أضحت تسلم فيها من جامعة القرويين، إنما تعادل شهادة الإجازة بحسب منشور الوزير الأول رقم 18/2007 الصادر بتاريخ 19 شتنبر2007 الموجه إلى السادة الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين في موضوع: “حول إدماج حملة شهادة العالمية في التعليم العتيق بالإدارات العمومية”، والذي ينص فيه على أن مدة الدراسة للحصول على شهادة العالمية في التعليم العتيق تطابق مدة الدراسة اللازمة لتحضير شهادة الإجازة الوطنية، وكذا بحسب شهادة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الصادرة سنة 2014، ومعلوم أن حاملي الإجازة المطلوبة في قانون خطة العدالة يجتازون المباراة ويخضعون للتمرين مدته سنة كاملة ويجتازون بعد ذلك بنجاح امتحان التخرج.

وبالتالي فلا يمكن للقانون أيها السادة الأفاضل أن يتحدث على حاملي شهادة علمية غير موجودة أصلا حين صدوره، والتي سوف يتم الحصول عليها بعد صدوره بحوالي12 سنة، مما يعني بوضوح أن المادة 9 المذكورة أعلاه تتحدث عن حاملي شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين المعادلة للدكتوراة التي كانت موجودة وحدها قبل وحين صدور القانون المذكور، وهذا أمر بديهي ومعلوم من القانون بالضرورة ولا يمكن أن يختلف فيه اثنان، هذا فيما يخص الدفع الأول، وهو وحده دليل قاطع وكاف في إقناع القاصي والداني، بأن ما أقدمت عليه الوزارة المحترمة هو خطأ فادح.

أما الدفع الثاني أيها السادة الأفاضل فيتلخص في أن النص القانوني المذكور يتحدث عن إعفاء أشخاص من المباراة والتمرين لمدة سنة والاختبار المهني لهم من التجربة والخبرة والعلم ما يؤهلهم لممارسة خطة العدالة، فالقضاة والعدول القدامى والمنتدبون القضائيون اشترط فيهم النص القانوني ممارسة المهام لمدد معينة ليست باليسيرة، بالإضافة إلى سنوات التداريب التي يجتازونها في المعهد العالي للقضاء، وكذلك بالنسبة لحاملي شهادة العالمية المعادلة للدكتوراة، وكذا حاملي شهادة الدكتوراه، فقد راعى فيهم النص القانوني الخبرة العلمية والبحث والتحصيل العلمي الذي يستغرق مدة لا تقل عن عشرين سنة فيما يخص الحصول على الدكتوراة، فإذا كان المشرع راعى هذه الخبرة والتجربة والبحث العملي، فإن حاملي شهادة العالمية في التعليم العتيق ما هي خبرتهم في المجال المهني والحياتي حتى يتم تسويتهم بهؤلاء الخبراء المعفين؟. فقط هم طلبة درسوا وتعلموا دروسا نظرية في الفقه والأصول والحديث النبوي الشريف لمدة 12 سنة بما فيها المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية ويحصلون على هذه الشهادة، وبالتالي فليس لهم أي خبرة في البحث العلمي ولا خبرة مهنية ولا تجربة حياتية، بالإضافة إلى أن المواد العلمية التي يدرسونها هي مواد بعيدة كل البعد عن المجال القانوني.

وبالتالي فهل يشرف وزارة العدل بخبرائها وقضاتها ومستشاريها أن تسوي – مثلا- بين قاض مستشار مارس التوثيق أو القضاء لسنوات طويلة وبعمر يفوق الستين سنة، أو بعدل سابق مارس المهنة لسنوات طويلة، بطالب تخرج من تعليم عتيق بيده شهادة عالمية تعادل الإجازة وقد يكون في أحسن أحواله في عقده الثاني من العمر بدون تجربة ولا معرفة قانونية و…؟ وهل يشرف مستشارو وزير العدل الضرب بعرض الحائط لمبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص في الولوج إلى الوظائف العمومية المنصوص عليهما دستوريا؟ فكيف لحاملي الإجازة الآخرين يلزمون باجتياز المباراة وقضاء مدة التمرين لمدة سنة واجتياز امتحان التخرج بنجاح، بينما يتم إعفاء حاملي شهادة العالمية في التعليم العتيق من ذلك ويولجون المهنة مباشرة، أليس في ذلك مخالفة صريحة قانونية للدستور المغربي؟ فأين مبدأ المساواة وأين مبدأ تكافؤ الفرص بين المغاربة؟ إنها والله لفضيحة كبرى أن تظل وزارة العدل متمسكة بموقفها الرافض لإلغاء قرارات هذه التعيينات كل هذا الوقت، وإنها كذلك لوصمة عار أن تصدر هذه المخالفة لأسمى قانون في الدولة من طرف وزارة العدل التي من المفروض فيها أن تكون قدوة لسائر القطاعات الحكومية الأخرى في المعرفة القانونية واحترام القانون، وبالتالي فإن تسوية حاملي شهادة العالمية من التعليم العتيق بالقضاة والعدول والمنتدبين القضائيين السابقين الذين مارسوا مهامهم لمدد طويلة، هو عبث وخطأ جسيم وضرب لأحكام الدستور.

وأنا أتعجب كل العجب للزملاء في المكتب التنفيذي والمجلس الجهوي للعدول بفاس الذين راحوا يبحثون عن جواب في الموضوع من رئاسة جامعة القرويين يخلصهم من تحمل مسؤوليتهم كاملة أمام التاريخ تجاه المهنة والدفاع عنها والتقدم بطعون قضائية عاجلة، وكأنهم يبحثون عن مخطوط نادر لا وجود له، مع أن الأمر واضح وضوح الشمس في قارعة النهار، فشهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين التي تعادل دكتوراة الدولة موجودة قانونا وبصريح العبارة “وعلى عينك أبن عدي” في ثلاثة مراسيم صادرة عن الحكومة المغربية سنة 1980، وما زالت هذه الشهادة موجودة قانونا إلى اليوم، وهذه حقيقة معلومة لا نحتاج فيها إلى أي جواب من رئاسة جامعة القرويين أو غيرها، والجريدة الرسمية والمراسيم بين أيدينا وأظهرنا، فلماذا البحث عنها في رئاسة الجامعة؟.

فها هي المراسيم أنقلها لكم كما هي منشورة في الجريدة الرسمية نصا نصا وحرفا حرفا بدون زيادة ولا نقصان ولا تصرف مني.

فهناك المرسوم رقم 401 الصادر بتاريخ 26 من جمادى الآخرة 1400 ( 12 مايو 1980 )، ينظم بموجبه الدروس والامتحانات قصد الحصول على الإجازة العليا ( الليسانيس ) والتخصيص ( دبلوم الدراسات العليا )، والعالمية في أصول الدين ( دكتوراه الدولة ) المسلمة من كلية أصول الدين بتطوان، والمرسوم رقم 2.79.402 الصادر بتاريخ 26 من جمادى الآخرة 1400 ( 12 مايو 1980 )، ينظم بموجبه الدروس والامتحانات قصد الحصول على الإجازة العليا ( الليسانيس ) والتخصيص ( دبلوم الدراسات العليا )، والعالمية في الشريعة ( دكتوراه الدولة ) المسلمة من كلية الشريعة، وكذلك المرسوم رقم 403 الصادر بتاريخ 26 من جمادى الآخرة 1400 ( 12 مايو 1980 )، ينظم بموجبه هو الآخر الدروس والامتحانات قصد الحصول على الإجازة العليا ( الليسانيس ) والتخصيص ( دبلوم الدراسات العليا )، والعالمية في اللغة العربية ( دكتوراه الدولة ) المسلمة من كلية اللغة العربية بمراكش، وهي الكليات التابعة لجامعة القرويين، فهذه المراسيم موجودة ومنشورة دفعة واحدة في الجريدة الرسمية عدد 3535 بتاريخ 17 رمضان 1400 ( 30 يوليوز 1980 ).

وإذن فهذه هي شهادة العالمية المسلمة من جامعة القرويين المقصودة بالنص القانوني المذكور وهي موجودة في هذه المراسيم وتعادل شهادة الدكتوراة بصريح عبارات هذه المراسيم، ولا يجتاح الأمر لا إلى تفسير ولا إلى توضيح، ولا إلى جواب لا من رئاسة الجامعة ولا غيرها، وإنما يحتاج فقط إلى التفعيل والتطبيق الأمثل.

أما الدفع الثالث والأخير أيها السادة الأفاضل، فهو ما جرى به العمل في وزارة العدل بخصوص التعاطي مع حملة شهادة العالمية في التعليم العتيق منذ سنة 2012 بعد تخرج الفوج الأول من حامليها، فأنا من ممثلي العدول منذ أن التحقت بالمهنة، ومحتك برؤساء الهيئة الوطنية للعدول الذين تعاقبوا على رئاسة الهيئة منذ التسعينات من القرن الماضي، لم أسمع في يوم من الأيام أن وزارة العدل عينت عدولا من حاملي شهادة العالمية في التعليم العتيق، لا في إطار المباراة ولا في إطار الإعفاء منها، والسادة رؤساء الهيئة الوطنية للعدول السابقين يشاطرونني الرأي في عدم علمهم بهذا الأمر، مع أن الوزارة تعين كل سنة مجموعة من الأشخاص المعفين في إطار المادة 9 المذكورة، ولم نسمع قط أنها عينت واحدا من حاملي هذه الشهادة، فلماذا إذن لم تعينهم الوزارة طيلة 8 سنوات الماضية، وتنتظر مرور كل هذه السنوات لتعينهم في سنة 2020 وبدون مباراة ولا تمرين لمدة سنة ولا اجتياز امتحان التخرج بنجاح؟، فهل استجد شيء في الموضوع أيها السادة الأفاضل؟، وهل صدر قرار من الجهات المختصة بمعادلة هذه الشهادة للدكتوراة؟، أم أن في المسألة “إن” ؟.

الذي يبدو أنه ليس في الموضوع أي مستجد، فقيمة الشهادة هي هي، ومدة الدراسة للحصول عليها هي هي، ومعادلتها للإجازة هي هي، ولا جديد في ذلك كله، ليتأكد بالملموس أن في المسألة “إن” وأن الأمر يتعلق بخطأ متعمد أريد به إغراق المهنة بمن لا يستحقون ولوجها أصلا وفصلا، وليس هو مجرد خطأ لأن التمسك بالخطأ بعد التنبيه عليه من طرف شكاية رئيس الهيئة الوطنية للعدول ومن طرف العدول الشباب الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام الوزارة، وعدم مراجعة هذه القرارات وإلغائها لحد الآن يدل على أن الأمر دبر بليل.

بل وشهد شاهد من أهلها، حيث إن الدكتور الحراق العلمي – وهو أحد شارحي قانون خطة العدالة – الذي كان مسؤولا على تسيير مصلحة العدول لسنوات متعددة قبل أن يصبح رئيس قسم آخر، أوضح في كتبه إلى أن المقصود بشهادة العالمية هي تلك التي تعادل شهادة الدكتوراة وليس هذه التي تسلم في إطار التعليم العتيق، وأشار إلى المراسيم المذكورة أعلاه ومنشور الوزير الأول الذي يؤكد على أن شهادة العالمية في التعليم العتيق إنما تعادل الإجازة فقط، كما أنه كان يدرس مادة التوثيق العدلي في المعهد العالي للقضاء، وكان يؤكد على ذلك في محاضراته أمام الملحقين القضائيين والعدول المتمرنين وغيرهم، وأكثر من ذلك فإن الأستاذ الحراق هو من المساهمين في وضع المسودة الأولى لهذا القانون حينما كان عدلا وواكبه حينما التحق بالوزارة وكان قريبا من مؤسسة التشريع ومطلعا أكثر من غيره ممن شرحوا هذا القانون على نية المشرع، وبالتالي فإن تفسيره للمادة 9 أعلاه كان تفسيرا مبنيا على خبرة وتجربة ميدانية يعيشها صباح مساء في الوزارة.

وانطلاقا مما ذكر، فإن شهادة العالمية المقصودة بالنص القانوني المذكور هي المنصوص عليها في المراسيم الثلاثة المذكورة أعلاه، وهي التي كانت موجودة حين صدور قانون 16.03 الذي ينظم خطة العدالة، وليس تلك التي جاءت بعده بسنوات، والتي تعادل فقط شهادة الإجازة حسب قرار الوزير الأول ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، كما أن وزارة العدل لم يسبق لها أن عينت حاملي هذه الأخيرة في خطة العدالة، وأن تعيينهم هذه السنة هو سابقة خطيرة وخطأ جسيم.

وإذن ماذا بقي من غموض أو لبس بعد هذا البيان والوضوح التامين الأكملين، فهل ما زال الأمر يحتاج إلى تفسير أو تأمل أو تدبر، فقد تبين الرشد من الغي، فالنص القانوني وتاريخ صدوره يؤكدان أن شهادة العالمية المقصودة هي التي تعادل الدكتوراة لا لبس في ذلك ولا غموض، وأن خطأ الوزارة الكارثي ظاهر جهارا نهارا، والتمسك به باطل لا يشرفها ولا مسؤوليها ولا خبراءها في الفقه والقانون والقضاء، وأن عليهم جميعا قول كلمة الحق والصدع بها إحقاقا للحق وإبطالا للباطل، وأن يريحوا ضمائرهم من هذا الوزر الثقيل، وأن يعملوا على إصلاح هذا الخطأ فورا بإقناع السيد الوزير – الذي له اهتمامات وانشغالات أخرى – بإلغاء هذه التعيينات جملة وتفصيلا، عملا بفضيلة الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

وباعتباري ممثلا من ممثلي السادة العدول، أحمل السيد رئيس الهيئة الوطنية للعدول، والسادة رؤساء المجالس الجهوية كامل المسؤولية، إذا تقاعسوا في الدفاع عن المهنة ولم يتقدموا بطعون قانونية في الموضوع أمام المحكمة المختصة – قبل فوات الأوان – لإلغاء هذه القرارات.

وما ضاع حق وراء طالب. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

* عضو مكتب المجلس الجهوي لعدول دائرة محكمة الاستئناف بطنجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *