وجهة نظر

في الحاجة إلى الدين والفلسفة

جدل الفلسفة والدين عمّر قرونا من الزمن، وخلق تيارات مناصرة ومعارضة، كما أنه خلق رأي عام يقف وسط ادعاءات المناصرين والمعارضين.

رهانات الحاضر تؤكد أن الحاجة إلى الفلسفة والدين، وبصرف النظر عن الصراعات الافتعالية والانفعالية، تخدم تلقائيا المشروع الإنساني، اعتبارا للقيم المستمدة من معطف الدين، فضلا عن القيم المستمدة من معطف الفلسفة، وتزداد الحاجة كلما انحدرت مرتبة الإنسان، وذابت في ” لا متناهي” البؤس والأنانية.

ومن الواضح أن البحث عمّا يخدم الإنسان، ويضمن له سيرورة حياتية منسجمة مع كينونته، وأيضا منسجمة مع الواقع في تناقضاته وتغيراته.. هو جوهر التفلسف والتديّن معا، بالنظر إلى كون انكشاف صورة الله في الإنسان هي أسمى الغايات التي ينشدها الدين، والمقصود بمفهوم الانكشاف ارتقاء الفرد في سلوكاته وتصرفاته، وتحقيق امتداد صفات الخالق في علاقاته الوجو- موجودية.

أما الفلسفة والتفلسف والتفكير الفلسفي.. فلا تعدو كونها مفاهيم تأسيسية؛ تؤسس لنمط تفكير عقلاني، كما أنها تؤسس لنمط عيش وهوية حياتية، حيث يصبح تجاوز الفهم الدولوزي ” ج دولوز” مشروعا، ويصبح الإبداع منفتحا على المفاهيم والتجارب المتصلة بإكراهات اليومي، لأن الحاجة إلى الفلسفة والتفلسف والتفكير الفلسفي.. تستند إلى شرط القيمة وليس شرط الماهية الذي اتصل بالفلسفة منذ نشأتها. هكذا يصبح سؤال ما الغاية من الفلسفة!؟ أرقى أشكال التعاطي مع الفلسفة في علاقتها بانشغالات اليومي، والأمر نفسه ينطبق على سؤال: ما الغاية من الدين!؟ حيث تجر الغاية إلى تفكيك البعد البرغماتي بلغة و.جيمس، بينما تجر الماهية إلى تفكيك آليات الفهم والمعرفة.

إن النفاذ إلى الفهم العميق للفلسفة والدين، يمر بالضرورة عبر تجاوز خلفيات الفهم، ومعها كل المواقف التي تُوجه هذا الفهم، حيث التموقعات الإيديولوجية تنزع صبغة العِلمية عن كيفية التعاطي مع قضايا الإنسان؛ فلسفيا أو دينيا، وتؤكد أن الجدل الذي يصنعه الدين وتحركه الفلسفة، ليس جدلا خلّاقا كما قد يظهر سطحيا، وإنما جدل يتمركز حول ذاته، وتحكمه قِوى التعصّب والتطرف.

تأسيسا على ما سبق، يتضح أن المغزى من الفلسفة والدين، بعيدا عن الصراع المفتعل، هو توضيح فاعلية التفكير الفلسفي في الوجود الإنساني، حيث السؤال: بماذا تدين الفلسفة للإنسان؟ كاشف لتمفصلات أفكار الفلاسفة وتصوراتهم، خصوصا في زمن الأزمة، أما فاعلية الفعل التديني فلا يختلف كثيرا في عمقه عن الفلسفة، لأن البحث عن المعنى من الوجود، وإدراك أسرار اللامتناهي ( الكون- ما وراء الموت) .. كلها مقاصد يتقاطع فيها كلام الله مع كلام البشر ( الفلاسفة)، والقناعات التي تنتج المعرفة هي الأهم أولا وأخيرا.

ولأن المعرفة تُبنى ولا تُعطى، يتوجّب الابتعاد عن الانفعال الموجّٓه، والانضباط لقواعد البحث العلمي، ذلك أن نقد الفكر الديني يفترض الإحاطة بخطاب ” الله”، والوصول لمرتبة تسمح بإبداء رأي أو موقف، والمنهج نفسه ينطبق على نقد الفلسفة والفلاسفة، حيث فهم إرث الإغريق وامتداداته شرقا و غربا، بل والجدل فيه أيضا.. يٓمرُّ – حتما – عبر قراءته والإحاطة بأنساقه وتوجهاته، وهذا الأمر جد مهم بالنظر إلى المواجهات المفتوحة التي باتت تحكُم فئة المتعصبين هنا أو هناك.

ختاما، الفلسفة تضمن حوارا عقلانيا مع مشاكل اليومي، وتدفع في اتجاه مراجعة المبادئ التي يسير على إيقاعها العالم، وذلك بما يخدم الفرد في وجوده الكلي، أما الدين فيضمن حوارا روحيا وعقلانيا مع المحيط، ليس من باب الإيمان الخالص كما يعتقد البعض، وإنما من باب الإيمان المٓبني ” لا يؤمن أحدكم حتى..”، وفي العمق دعوة مباشرة لتعقّل الموضوعات قبل الإيمان بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *