وجهة نظر

على عجل ..

استفزني ذلك الشاب النادل في ذلك المقهى بإحدى مدن شمال المملكة، وجهت له اللوم الناصح بأن كنس المكان والزبناء فيه قاعدون، يرشفون كؤوس القهوة والشاي، فيه ضرر وتلوث، فالباكتبريا تتطاير مع الغبار المتصاعد من المكنسة فتستقر في كؤوس المشروبات.

لكن الشاب، وبذكاء جيل مواقع التواصل الاجتماعي وإشارة “جيم”، اعتذر لي مطمئنا معترفا ما لعملية الكنس من ضرر، معلقا “ما باليد حيلة يا عم”، فهو إن لم ينفذ أمر صاحب المقهى بالكنس سيغدو هو المكنوس من عمله الموسمي المرتبط بمزاج “الباطرون” الذي إذا أراد طرد أي عامل لديه، فعل ذلك بلا تردد.

ذكرت النادل، واسمه “ع. النعمان”، المتعدد الاختصاصات في ذلك المقهى، فهو يكنس ويقدم المشروبات للزبائن، بل قد تدخله أوامر الباطرون إلى تنظيف المرحاض أو أي عمل آخر ..، فأوامر الباطرون لا ترد. ذكرته بما كتبه الأديب العربي الكبير توفيق الحكيم عن الفنان الإغريقي “باجماليون” الذي نحت تمثالا حسناته “جالاتيا”، لكن الفنان سيثور فيحطمها لما رآها في لحظة تكنس في لحظة خنوع وذل.

لكن النعمان سيفاجئني وأنا أحكي له حكاية باجماليون و”أبولو” إله الفن في ثقافة اليونان، وقد برقت عيناه سرورا، معلقا على كلماتي بموّال غنائي لم أسمع مثله إلا من فم فنانينا عبد الوهاب الدكالي وجورج وسوف، فانقبضت وارتخيت واقفا من فرح وأسف، وأنا مستمر في سماع صوته الجميل، فسألته معاتبا: لماذا لم تتابع ..؟ قال: “كنت أدرس الموسيقى، تخصص الساكسوفون، لكن مديرة المعهد أهانتني ومنعتني، فتركت كل شيء وولجت مهنة كنس المقاهي”.

انتهى ..