وجهة نظر

هل خيبة أمل اللبنانيين اتجاه حكامهم تدفعهم إلى حد المطالبة بعودة الانتداب الفرنسي؟

خلف حادث الانفجار الكبير ببيروت ردود فعل متباينة بين مختلف مكونات الشعب اللبناني، حيث وصفت بعض الردود بكونها راديكالية ومتطرفة إلى حد كبير، عندما طالبت بعودة الانتداب الفرنسي عقب زيارة ماكرون للبنان بعد مرور ثلاثة أيام عن الحادث، الذي ذهب ضحيته 137 شهيدا وقرابة من 5 آلاف جريح و 300 ألف شخص في عداد المشردين إلى جانب الخسائر المادية الفادحة في المباني والسيارات والطرقات والمعابر وغيرها من المرافق العمومية الحساسة.

إن ارتماء بعض اللبنانييين في حضن فرنسا ومطالبة البعض منهم إلى الاستعانة بفرق دولية للتحقيق في الحادث مرده من جهة إلى فقد الثقة في مؤسسات وطنهم الذي يعيش أزمات مركبة ومتشعبة الأبعاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا ،منذ سنوات بسبب استشراء الفساد في كل مفاصل الدولة ودواليبها، ناهيك عن معاناة البلد جراء الأطماع الأجنبية وارتهان قراراته لاملاءات خارجية ، ومن جهة ثانية مرده شعورهم بخيبة الأمل أمام عجز الحكومات المتعاقبة على حكم لبنان في إخراج البلد من دائرة الفشل وعمق الأزمة إلى بر الإستقرار والازدهار دون تبعية للخارج.
أمام هاته الأزمات المتوالية يرى بعض اللبنانيون للأسف بأنهم مغلوب على أمرهم وبأن المستعمر الفرنسي هو منجدهم من الهلاك ومنقدهم من الإفلاس والفشل، وهذا ما عبر عنه ابن خلدون في الفصل الثالث والعشرين من مقدمته المشهورة تحت عنوان ” أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده؟.
بحيث أن المهزوم لا يرغب في مواجهة نفسه بل يفر منها، فلا يملك حينئذ سوى أن يرتمي في أحضان الآخر الغالب، ويصير ذوبانه في الآخر من خلال التقليد، نوعاً من عقاب للذات، يمارسه المغلوب ربما دون وعي منه على نفسه لما ارتكبته من تقصير أدى إلى هزيمته،فيؤدي ذلك إلى إصابته بعقدة الدونية وهي شعور بالنقص والعجز العضوي والنفسي والاجتماعي بشكل يؤثر على سلوكه.

إن من أسباب هزيمة الأمة هزيمتها النفسية أمام خصومها،وأي أمة لا تستعمر إلا إذا كانت عندها القابلية لذلك، يقول الأمير شكيب أرسلان ” من أعظم أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم وهو من أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى الفناء”.
لنتجنب افتتان أبناء جلدتنا بالثقافات الغربية وسعيهم في تقليدهم امتثالا لقول معلم البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال” لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري.

نعم لن تكون لنا قائمة ولن يسمع لنا ركزا ما لم تكن لنا الشجاعة في امتلاك المبادرة والإرادة الحية في تجديد العزم نحو الكسب والبحث والمدافعة في كل المجالات، كما قال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في كتابه إمامة الأمة “الدنيا غلاب فلا نامت أعين الجبناء، الدنيا حركة وتجديد ونشاط دائب فلا أمن الخاملون، الدنيا منافسة اقتصادية تكنولوجية فلا عاش الجهلة العالة المتكففون، الدنيا صراع وحيلة ومدافعة بالتي هي أحسن تارة، والتي هي أخشن إن اقتضى الحال، فلا كان الحالمون المثاليون العاجزون… الدنيا دار الكسب والاختبار والعبور لدار البقاء فحيى الله أهل الإيمان أهل الهجرة والجهاد.”

* محام وباحث في القانون الدولي الإنساني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *