منتدى العمق

مستوى المتعلمين.. بين البحث التربوي والتواصل البيداغوجي

يحظى البحث التربوي منذ زمن ليس بالبعيد، بأهمية كبرى في مجال علوم التدريس، وتخليق المهنة، وتطويرها، وتحسين الآداءات والفعالية لدى المدرِّس، وكذا تمكينه من الوقوف على الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها، وتصحيحها، والقطع مع التعثرات، ومعالجتها. ونجد في هذا الصدد ربط الدكتور محمد الفتحي “تنمية نظام التربية والتكوين بمدى تنمية البحث التربوي” في مؤسساتنا التربوية، إذ يمكننا هذا البحث من معالجة الظواهر البيداغوجية أو كما يسميها الأستاذ محمد الحراز بالأمراض التربوية التي تعترضنا لتحسين المهنة، والتبصر المهني، ونجده -د.الفتحي- في هذا الصدد يقول:” يعد البحث التربوي آداة أساسية للتطوير المستمر للبرامج والمناهج والمقاربات البيداغوجية من خلال الأسئلة المفتوحة والمتعلقة أساسا بالملاءمة والفعالية” كما نجده يضيف في ذات السياق:”ويقدم البحث التربوي إجابات حول السبل الكفيلة بتطوير آداء المدرِّس، وتحسين ممارسته التربوية بمهنية واحترافية على مستوى التصور والثقافة و الممارسة، بسعيه الدؤوب لتنمية خبراته وآدوات عمله، واستراتيجيات تدخله، وتطوير مهاراته التواصلية مع جميع مكونات المجتمع المدرسي المتسم بالتنوع والتعدد” ومنه يحظى البحث التربوي الذي نحن الآن بصدد انجازه بأهمية بالغة لتطوير مهنية المدرس وتقوية التبصر المهني له، وتمكينه من السيناريوهات الممكنة في الفصل الدراسي، والتطرق لأهم المعيقات البيداغوجية والتربوية التي يجدها المدرِّس في فصله، وهو يقوم بمهمة التدريس.

فالمدرس المتخرج حديثا أو الأستاذ المتدرب يوضع في القسم بعد تكوين نظري لا يرقى به إلى تحسين، وتطوير ذاته المهنية، ومنه فإن هذا البحث وحده الذي سيمكنه من تعرف الظواهر/ الأمراض التربوية التي تعاني منها منظومتنا التربوية الصفية وغير الصفية مع رصد أسبابها في أفق تجاوزها ومحاولة معالجتها.

تعد ظاهرة تدني مستوى المتعلمين في اللغة الفرنسية بالعالم القروي واحدة من أعمق الأمراض التربوية التي تنخر جسد منظومتنا و تعطل مسار الإصلا التربوي ببلادنا، إذ أن أغلبية متعلمي المستوى الابتدائي بالعالم القروي و الشبه قروي يجدون صعوبات قرائية كبيرة، من قبيل فك الشفرة في اللغة الفرنسية ، فما بالك بقراءة الكلمة، فالجملة، فالنص، ومن ثمة فهمه في أفق كتابة نص والتعبير عن الذات، والتمكن من وصف ظاهرة ما وتحليلها باللغة الأجنبية الأولى، أي التمكن من الكفاية التواصلية في هذه اللغة. وبناء عليه شكلت هذه المعضلة واحدة من الظواهر التي صادفتني في الممارسة الصفية ظاهرة تدني مستوى التلاميذ/المتعلميين على مستوى الكفاية اللغوية القرائية، التواصلية، وحاولت رصد أسباب هذه الظاهرة ومعالجتهافي أفق الحديث عن اقتراحات حلول لها وتجاوزهالمدة ثلاث سنوات تباعا، فما الذي نعنيه بتدني مستوى المتعلم ، وماهي أبرز أسباب هذه الظاهرة؟ وماهي طرق علاجها الممكنة؟

تعد ظاهرة تدني مستوى المتعلمين في اللغة الفرنسية وأيضا العربية (قراءة، كتابة ،وتعبيرا) ظاهرة تربوية مربكة للأستاذ المتدرب خاصة أنه يغادر التكوين محملا بنظرة وتصور مخالف لما يصادفه بمجرد أن تطأ قدماه القسم، ويبدأ حصته الأولى من التقويم التشخيصي، إذ غالبا ما يجد أن أغلب المتعلمين يجدون تعثرات على مستوى قراءة وكتابة الحروف باللغة الفرنسية، نهيك عن كتابة كلمة، فجملة، ومنه فإن هذه الظاهرة ومعالجتها أضحت ضرورة ملحة في الوسط التربوي حتى يتسنى للمتعلمين متابعة دراستهم ومسايرتها على أحسن وجه في باقي مراحل التعليم من اعدادي إلى ثانوي فجامعي متغلبين على التعثرات التي اعتبرها الدكتور محمد الدريج:”واحدة من الأسباب الكبرى للهدر المدرسي”، ومنه تكريس الأمية والجهل، وبذلك تعطيل عجلة التنمية والتقدم، فما هي أبرز أسباب هذه الظاهرة؟
أولا: أسباب ظاهرة تدني مستوى المتعلمين في العالم القروي.

يعيش العالم القروي جملة من الاكراهات في شتى المجالات إذ يعتبر منسيا أو مهمشا في كل شيء وخاصة فيما يتعلق بالتنمية من تطبيب وتمدرس، وتزويد بالماء الصالح للشرب و غيرها من المشاريع التي تعد من أساسيات الحياة في الحواضر والمدن عكس القرى والبوادي. هذا الاهمال السياسي ينعكس في كل مجالات الحياة اليومية بالعالم القروي من قبيل فقدان الأمهات لأجنتها وضعف الإهتمام بالقطاع التربوي وغياب الإقبال على المدرسة التي لا تمثل بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنيين اليوم غير فضاء يزوره المتعلم للقطع مع الأمية والتمكن من فك الشفرة في أسوأ تعبير يصدم المدرس عند فتح نقاش جدي مع الآباء حيث يقولون( نريدهم أن يحاربوا الأمية فقط) أو طمعا في دريهمات البرنامج المخصص للعالم القروي “تيسيير”.

نعم لم أقدم لحد الآن أي سبب مباشر وحقيقي يعكس حقيقة تدني مستوى المتعلميين بالعالم القروي لأني فضلت أن أتحدث بشمولية على واحدة من معاناة العالم القروي، فيما يخص هذه الظاهرة فإنها نتيجة حتمية لعدة عوامل متداخلة الواحدة منها يكمل الآخر:

– المحيط السوسيوثقافي الذي يعد شريكا في العملية التربوية التعليمية، إذ يعد مسؤولا مباشرا على:
+ مراقبة آداء المتعلم
+ تحفيزه للقراءة وتطوير الذات.
+ فتح نقاشات علمية مع المؤسسة التربوية من المدرس حتى المديرية الاقليمية ومنه الوزارة.

– غياب الحافز الحقيقي لاستقرار المدرس في العالم القروي ما يجعله معرض لتجارب الأساتذة الجدد دون غيرهم و لهذا تبعات خطيرة من قبيل:
+ الأستاذ الجديد ليس متمكنا من جميع الطرائق البيداغوجية التي تساعده على تكييف المحتوى.
+ كثرة تغيبات الأساتذة الجدد لأسباب مادية محض، كون أغلبهم لا يتوصل براتبه في بداية عمله.
+ غياب الفضاءات الترفيهية ( مقاهي/دكاكين..)
– غياب المواصلات والاستقرار
– غياب الفضاءات الموازية التي لها تأثير قوي على المتعلم من دور شباب ومكتبات خاصة منها مكتبات القسم إلا ما أنجزه المدرس بقناعته الخاصة.

– تفشي الأمية والجهل بين صفوف الآباء والمتعلمين.

تعد هذه الأسباب وغيرها من أهم أسباب انتشار الظاهرة و تكريس المرض التربوي، وسنحاول اقتراح بعض الحلول والعلاجات الممكنة تقليص حدة الظاهرة من جهة ودعم تمدرس الفئات الشابة للانفتاح على الثقافات الأخرى، وتحقيق الاندماج المهني والوظيفي.

يعتبر الدكتور محمد الدريج أن التعثر أو الفشل الدراسي بالاضافة إلى تدني مستوى المتعلمين أسباب رئيسية تقف وراء الهدر المدرسي، وتجعله هذا إذا كان هذا إذا كان هدرا ذاتيا ناتجا عن قرار المتعلم نهيك عن الفكرة التي تسود تصورات الآباء بكون المتعلم لا يستطيع مسايرة الدراسة والتحصيل فيها من الأجدر أن يفكر في مستقبله وفق تصور برغماتي نفعي لا يمكن أن نمر عليه دون أن يستوقفنا خاصة وأن الأسر المغربية طالما تبرر الهدر المدرسي برغبة المتعلم في المغادرة أو بفشله المبكر وكذا غياب البنية التحتية التي يمكنها أن تؤمن الدراسة في الوسط القروي من قبيل تعميم النقل المدرسي، والسكن المدرسي، وكذا دعم تيسير الذي نعتبره ورشا حقيقيا لدعم التمدرس في العالم القروي بالإضافة لمليون محفظة التي نتمنى أن تعمم على جميع المغاربة، ويضيف الدكتور الدريج أن المدرس إذا أراد تحسين آداء المتعلمين وأن يعالج التعثرات التي يعانونها عليه أن يتخذ استراتيجيات المعالجة الأولية كما سماها، إذ اعتبر المنطلق الوحيد للسير وفق منهجية مواكبة المتعلم ومعالجة التعثرات، وتحسين مستواه الدراسي معتبراالتواصل البيداغوجي الديموقراطي الفعّال آداة أساسية لدعم المتعثر وتحسين مستواه، حيث نجده يرجئ التعثر والفشل الدراسي، وضعف المستوى لدى المتعلمين إلى التهميش الذي يعانيه المتعلم داخل وخارج الفصل الدراسي سواء من قبل المدرس أو المؤسسة ككل أو من قبل الآباء، ولهذا يؤكد على ضرورة خلق جسر التواصل البيداغوجي الحر، الذي يمكن المدرس من الانصات وقبول الاختلاف في الرأي وتقديم المساعدة للآخر وإقناعه، مه اعطائه حرية التعبير التي يكتسب من خلالها المتعلم مهارات وكفايات تواصلية تمكنه من التعبير عن الذات، وبالتالي تحسين مهاراته وقدراته. بالإضافة إلى التغلب على هاجس الخوف وفوبيا الاخفاق والوقوع في الخطأ، خاصة وأنه عاش منذ ولادته على ايقاع نغمات العنف والعقاب البدني عند كل خطأ أو إخفاق مما ولد له تصور الخطأ جريمة لا تغتفر.

يعتبر محمد الدريج التواصل البيداغوجي الصفي منه واللاصفي عنصرا أساسيا، ومكون لا غنى عنه في العملية التعلمية التعليمية، إذ نجده يطرح الكثير من الأسئلة في هذا الصدد نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

– كيف يمكن للمدرس أن يحدد مكامن الضعف و القوة لدى المتعلم ما لم يتواصل معه؟

-كيف له أن يساعده ويقدم له استراتيجية معالجة أو تغذية راجعة إذا لم يرافقه في سيرورة تعلمه وينصت إليه ويحترم رأيه؟

و يعتبر الدكتور أن التواصل البيداغوجي يمكن المدرس من تحديد حاجيات المتعلم ومن ثمة معالجتها، ومساعدته على تجاوزها، وتحقيق تحصيل جيد، وتحسين الآداءات والرفع منها. لكن هذا التواصل البيداغوجي رغم ما له من أهمية إلا أنه يظل واحدا من الحلول وليس هو الحل، إذ يحتاج لدعامات أخرى ذات أهمية قصوى في العملية التعليمية التعلمية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

-خلق فضاءات للقراءىة داخل المدرسة، وذلك بانجاز مشروع مكتبة القسم ولما لا مكتبة المدرسة، التي من خلالها يمكن خلق فضاء فضاء ثقافي يخلق لدى المتعلم إحساسا بالحاجة للمعرفة من جهة والرغبة في التعلم.

– إعتماد فضاء للعب البيداغوجي باعتباره مقاربة جديدة للدعم التربوي.

-تشجيع مشروع مسرح القسم بتخصيص يوم المسرح المدرسي بالاقليم أو المديرية الاقليمية.

مع اعتبار ما سبق أن تطرقنا له أوراشا حقيقية وجب القطع معها، وخاصة تمكين المدرس من منزل يسكنه، مع ضرورة مد جميع مداشير بلادنا بالماء الصالح للشرب، وطرق فك العزلة.

المراجع:
ايفان ايليش، مجتمع بلا مدارس.
شعبان أيوب، العلم وبناء شخصية المسلم.
محمد الفتحي، البحث التربوي وتنمية نظام التربية والتكوين، مجلة علامات تربوية، العدد24، 2012ص،7.
فائزة السباعي، مجلة علامات تربوية، النوادي مشتل التفكير المتعدد..بين فضاءات الابداع الهادف رهانات تطوير وتخليق الحياة المدرسية، العدد24،2012ص،23.

* أستاد باحث، تاونات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *