منتدى العمق

مقاربة مقارنة بين منهج الإصلاح ومنهج الثورة

التقدير الرباني والديالكتيك الماركسي نموذجا

تحديد المصطلحات:

1.الإصلاح الاجتماعي، في المقصد الشرعي، يتأسس على التقويم والتتميم للمعتبر والجيد في جلب مصالح الناس، ثم الرقي بها إلى الأجود والأحسن. و دفع المفاسد عنهم ولو تدريجيا. ولا يسمح في المنهج بالوسائل القذرة مهما يكن الهدف نبيلا.

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفتاوى:” جاءت الشريعة الإسلامية لتحصيل المصالح وتوسيعها وتقليل المفاسد وتعطيلها، وأنها ترجح خير الخير باحتمال فوات أدناه، وشر الشرين باحتمال تحمل أدناه”.   

2.التغيير الاجتماعي الوضعي له اتجاهين: للأحسن أو للأسوأ، وهو يوحي إلى التبديل ورفع حال وتثبيت آخر دون اعتبار للجوانب الجيدة في الآخر، فالأنا سواء المتبنية للتغيير، أو المتشبثة بمشروع مضاد(الثورة والثورة المضادة)، تمارس سلطتها القهرية على الغير، وتسمح بالانزياح إلى خيار الاستئصال والاحتماء بكل الوسائل حتى البشعة منها والأكثر قذارة.

3.التقدير الرباني منهج سنني يحكم الظاهرة الإنسانية برمتها في بعديها التاريخي والمستقبلي. وينطبق على الفرد والجماعة وهو غير متغير بسبب ظرف مكاني أو زماني.(رسم بياني توضيحي أسفله)   

4.الديالكتيك الماركسي وجهة نظر تفسيرية لتطور المجتمعات بمنهج إيديولوجي(متحيز إلى طبقة) إسقاطي لاستنتاجات تحليلية لمجتمع أوروبي لفترة تاريخية محددة على جميع العصور والحضارات .

مقاربة منهج الإصلاح في الاسلام:

إن منهج الإسلام في الإصلاح منهج حواري بأرقى الأساليب ينبني على المحاججة  المنطقية والبرهان القطعي في حجيته بالحكمة والموعظة الحسنة” اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يذكر أو يخشى”. سورة طه الآية43 ـ 44

ثم إنه حوار ومجادلة ترفع قيمة العدو المخالف إلى مقام الولي الحميم “ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم “سورة فصلت الاية34.

أي تخير مستوى الإحسان والإتقان، حتى في مجال مدافعة.الخصوم، مع تأطيره بمبدإ قوله تعالى في صفة المومنين.:” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس” سورة آل عمران الآية134. و لذلك كانت أكبر عملية عفو عام في التاريخ في فتح مكة ” اذهبوا فأنتم الطلقاء” لأي أحرارا

       لكن وإن كان منهج الإصلاح يحرص على ربح القلوب لا المواقع، إلا بحق، وهداية الناس لما فيه صلاحهم وإصلاحهم ومصالحهم، فإن شرعية القتال نفسها تستمد من حماية المنهج وضمنه وفي حدوده لا خروجا عنه. ولذلك يفرض عدة أساسيات:

üتأمين المستهدفين بالإصلاح على مصالحهم، إذ التدافع ينحصر في مستوى الإرادات والقيم، لا المواقع والامتيازات.ولذلك أسلم سيدا الأوس والخزرج وبقيا سيدان على قومهما، ولم ينصب الرسول صلى الله عليه وسلم قرشيا مكانهما. كماأسلم ملوك وشعوبهم وبقوا على نظامهم السياسي.

ü تأمين الناس على ممتلكاتهم إذ لا تطبق تعاليم الإسلام بأثر رجعي “الإسلام يجب ما قبله”.لا تدقيق في أصول الأموال والممتلكات أو مصادرتها، فلا تستباح إلا أموال حاملي السلاح.

üتأمينهم على الحياة بل وتلبية حاجياتهم “و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه” سورة التوبة الآية 6 أي حمايته وتأمين حياته واسماعه مراد الله منه تبليغا لا إجبارا.ثم توصيله إلى البيئة التي يشعر فيها بالأمان  ” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم، أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين.”  فبر المخالف في الدين بحسن معاملته والعدل معه مطلوب شرعا، بل يفضي إلى محبة الله. وبدليل المخالفة فالقتال تستند مشروعيته على التعدي على حرية المعتقد والتهجير القسري. والظلم والعدوان “ومالكم ألا تقاتلوا في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها “.سورة الآية  وبالطبع بقرار من أولي الأمر

üالتدافع بين الإرادات وعلى المستوى القيم مع ضمان حرية إبداء الرأي أقل كلفة  وأسرع تأثيرا وأضمن للأرواح والمصالح الأطراف كلها، ولذلك فتح المسلمون العالم في زمن قياسي.

  إن إرساء آليات تسديد الفكر و تزكية الوجدان وتعزيز سلطة العقل والمنطق بالاستثمار في منظومة القيم باعتبارها محددات وموجهات للسلوك الفردي والجماعي، هو ربط للمشروع الإصلاحي للإسلام بمركز الثابت غير المتغير زمانا ومكانا، وهو القدرة الإرادية لإمكانية فعل الايجابي أو السلبي تعزيزا لمناط التكليف وهو عبادة  الله حرية واختيارا.( لم يربط تعاليمه بوضع اقتصادي أو اجتماعي، أو اثني أو عرقي أوطائفي …مثلا)

 

مقاربة تغيير الديالكتيك الماركسي :

  إن الصراع قَدَر لا مناص منه في الديالكتيك الماركسي لتطور المجتمع. وهو صراع مرتكز على وسائل الإنتاج مما يبرر العنف والعنف المضاد معا،لأنه حتمية التطور والتغيير. ومادمت الظاهرة الانسانية تجد تفسيرها في قوانين حسية لا صلة لها بالغيب أو الأخلاق، فإن العنف بكل أنواعه مبرر ومشروع. ويزيد من تكثيف وتغليب هذا الجنوح مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. حجم الدمار وأنهار الدماء الجارية تحت شعارالثورات، خير دليل على الاستنتاجات، ولازالت البشرية تغرق في الظلام.