دمنات المنسية.. أربع سنوات من العجز الجماعي والتدبير المعطل

يتقاسم المتتبع للشأن المحلي بمدينة دمنات وكذا زوارها، نفس الانطباع بأن المدينة تعيش حالة ركود لازمتها لسنوات طويلة، ولم تستطع الانفكاك منها على غرار مجموعة من المدن المغربية، نظراً لغياب سياسات عمومية قادرة على انتشالها من وضعية غير مشرفة لمدينة لها تاريخ عريق وهو ما جعل المدينة تنعم بمختلف مظاهر الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والرياضية والثقافية والسياسية… إنها باختصار مدينة منسية إلى إشعار آخر.
إن الجواب عن غياب التنمية بالمدينة مسؤولية تتقاسمها بنسب مختلفة مجموعة من الفاعلين؛ المجلس الجماعي لدمنات، السلطتان الإقليمية والمحلية، مجلس الجهة، البرلمانيون, مكونات المجتمع المدني، المواطن، الإعلام المحلي والوطني، لكن مسؤولية المجلس الجماعي بحكم اختصاصاته التي أوكلها إياه القانون التنظيمي 113.14 تعد جد مهمة في النهوض بالتنمية المحلية، من أجل تيسير كل الشروط التي تخول للمواطن أن ينعم بحياة كريمة.
فمنذ انتخاب المجلس الجماعي الحالي لمدينة دمنات، عرف العديد من الصراعات والخلافات السياسية التي وصلت ببعض أعضائه للقضاء، وحينما نطل إطلالة سريعة على واقعنا بمدينتنا المنكوبة نجد فعلا العمل السياسي مختلفا عن المطلوب باختلاف أطماع مسؤوليها وانتظارات ساكنتها. الساكنة التي تعيش بين مطرقة الواقع المرير وسندان المستقبل المجهول في مدينة يزداد المسؤول غنى ويزداد المواطن الفقير فقرا وحرمانا، وبين معارضة لا تجمعها رؤية موحدة مع ساكنة مغلوبة على أمرها ولا تنصت لنبض الشارع بالطريقة المطلوبة وجشع منتخبين تعاقبوا على مراكز القرار منهم من طغى وتجبر ومنهم من وعد وغدر ومنهم من نهب وأنكر، وبين هذا وذاك يقف المواطن الدمناتي حائرا ضائعا لا يعرف ما هو الحل لتنمية مدينته وتحسين ظروف عيشه وضمان حق أبنائه في مدينة تسير بطريقة دكتاتورية أحادية القرار والأفكار من طرف أشخاص يتحكمون في كل القرارات بدون حسيب ولا رقيب لسنوات وهم على رأس المسؤولية عنوانها العريض التهميش والإقصاء وتوقيف عجلة التنمية وضياع جيل من الشباب بسبب سياستهم وغياب حرقة حقيقية على مصالح البلاد والعباد وكأن الزمن متوقف بدمنات الحزينة.
رغم كل هذه المشاكل والأزمات بالمدينة هناك بعض المتملقين المستفيدين بطريقة ما من المال العام يحاولون أن يرسموا صورة وهمية للمسؤولين عن المدينة ويحاولون تهدئة الساكنة وتشتيت رؤيتهم بمقولة: المشاريع قادمة وقريبا سنبدأ الإصلاح وفلان ينتقدنا لحاجته وفلان هو سبب عدم إصلاح الحي الفلاني… وغيرها من الشعارات التي أكل عليها الدهر وشرب والتي مللنا من سماعها من مسؤولين مفتقدين للثقة في قولهم وهو ما توضحه أفعالهم.
يصعب حصر مؤشرات غياب التنمية المحلية بمدينة دمنات، وكذا تردي الخدمات العمومية المقدمة للساكنة؛ وكمثال على ذلك، تدبير قطاع النظافة، مشكل المطرح البلدي، السوق الأسبوعي، غياب الإنارة العمومية في عدد من الأحياء والشوارع بالمدينة… والخدمات المقدمة بمستشفى القرب وبالمراكز الصحية مُهينة ولا ترقى إلى المستوى المنشود، كما أن المشاريع قيد الإنجاز متعثرة (دار الثقافة، المسبح البلدي، الحي الصناعي…) وبدوره ملف احتلال الملك العمومي أصبح جزءا من مكتسبات الفوضى الخلاقة التي تعرفها المدينة (زنقة مدرسة ميمونة، طريق أسكيور يومي السبت والأحد…). غياب فضاءات خضراء، وكذا ملاعب القرب، بنيات طرقية مترهلة بجل أحياء وشوارع المدينة…
لقد مرت أربع سنوات من عمر تدبير المجلس الجماعي لمدينة دمنات، ولعل الحصيلة الميدانية تجعلنا نقر وبدون تردد بأن الحصيلة دون مستوى انتظارات الساكنة، بسبب مجموعة من العوامل يصعب حصرها، لكن يبقى عنوانها الأبرز أن المجلس الجماعي تدبره أغلبية عاجزة عن تقديم حلول ميدانية وناجعة، في مقابل ذلك معارضة غائبة عن ممارسة أدوارها، وهو ما رهن المدينة لحالة من الانتظارية التي بدأت تشكل قناعة عند جزء كبير من الفاعلين أنها وضعية مقصودة.
إن مكمن ضعف أداء المجلس الجماعي لدمنات، يعزى بالدرجة الأولى إلى غياب الترافع الحقيقي من طرف مدبري الجماعة من أجل استقطاب موارد مالية كفيلة بتنزيل برنامج عمل الجماعة على غرار مجموعة من الجماعات التي تمكنت بفضل مجهودات رؤسائها من الاستفادة من مبالغ مالية مهمة وعقد شراكات قطاعية همت مختلف المجالات الحيوية، ثم إن جزءا من أعطاب المجلس الجماعي لدمنات هو غياب التدبير التشاركي بين مكوناته أغلبية ومعارضة، فأغلب اجتماعات المجلس تحولت إلى جلسة للإخبارات أو الصراعات وليس لصنع القرارات، وهذا راجع إلى غياب نخب محلية قادرة على مباشرة ملف التنمية المحلية بكل مسؤولية وفاعلية واقتدار، والتي تجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار، ولعل النقاشات التي تشهدها دورات المجلس الجماعي خير مؤشر على ذلك، ما يجعل المتتبع لمسار العمل الجماعي بدمنات لسنوات عديدة، يقف على حقيقة مؤسفة وتتمثل في أن العمل الجماعي تحول إلى ساحة لصراعات شخصية أنانية..
إن هذه الوضعية تقتضي وبشكل استعجالي من المؤسسة الحزبية بالمدينة، أن تقوم بضخ نخب جديدة خلال مستقبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة تتصف بحس مواطناتي عال، غير ذلك، فأبشركم باستمرار الوضع الحالي وقد يسوء إلى أن يشاء الله، وعلى المواطن من جهته أن يتحمل كامل المسؤولية في اختيار المنتخبين على أسس الكفاءة والأمانة بعيدا عن منطق الزبونية والرشوة والولاءات العصبية والقبلية، وأي سلبية من طرفه سوف يتحمل تكلفتها باهظة. الإعلام المحلي بدوره معني بالانخراط الإيجابي المتحرر من الاصطفافات السياسوية الضيقة، في دعم مختلف المبادرات الإيجابية من أجل إشاعة ثقافة الأمل لانتشال المدينة من حالة الاحتباس التنموي.
إن الدافع لكتابة هذه المقالة، هو من أجل فتح نقاش عمومي بين مختلف الفاعلين في مجال التنمية المحلية بالمدينة، من أجل تقديم أجوبة جماعية قادرة على فك جزء من أعطاب تدبير المجلس الجماعي لمدينة دمنات، بعيداً عن منطق النيل من سمعة الأشخاص التي تستوجب منا كل التقدير والاحترام والإيمان بالاختلاف، الأمر الذي لا يمنعنا من تقييم أداء مسؤولية الأفراد على المهام التي أنيطت بهم، والتي تقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، وجعل الانتداب المحلي جزءا من استحقاقات المواطنة الصادقة، وليس بوابة لتحقيق المصالح الشخصية المنفلتة من رقابة دولة الحق والقانون.
اترك تعليقاً