وجهة نظر

تعيين وتنصيب الحكومة: تطور في النص واستمرارية منطق تقليداني

لقد عرفت مسألة تعيين وتنصيب الحكومة تطورا مهما على مستوى النص الدستوري، إلا أن ذلك التطور الذي تضمنته الوثيقة الدستورية لسنة 2011 بدا أوفر حظا من غيرها، من حيث التقدم، إلا أن الممارسة من تثبت مدى قدرة الدستور على فرض نفسه فمصير الأمم حتما مرتبط بالاحترام الذي تبعثه تلك الوثيقة في نفوس المخاطبين بها، وإن كان ذلك التطور فإن النسق السياسي المغربي قد يطرح مجموعة من الإشكاليات، التي قد لا يحتويها النص، ولئن كان الدستور يربط تسمية “رئيس الحكومة” بنتائج انتخابات مجلس النواب؛ فإنه لم يقطع مع ممارسات قد تصنف في خانة “التقاليد والمضمر”، ومن جهة أخرى فالتنصيب وإن كان اليوم أحاديا كما يحيل النص، والتعيين شكلي، إلا أن مسؤولية الحكومة لا زالت حاضرة وبقوة أمام الملك، ما دام يملك سلطة التأديب عبر “إعفاء الوزراء” بمبادرة منه، وإن بعد استشارة رئيس الحكومة، وما دام قرار تعيين باقي أعضاء الحكومة مشترك فيه كفتان غير متوازنتان، كفة الملك وكفة رئيس الحكومة.

أضف إليه أن “المنهجية الديمقراطية” كما وصفتها الأدبيات الحزبية بالمغرب لم نصل إليها بعد على مستوى النص الدستوري، ما دام الفصل 47 لا يكرس لضرورة تعيين زعيم الحزب الفائز في انتخابات أعضاء مجلس النواب، وذلك ما من شأنه أن يكون حصنا للقرار الحزبي، بما ينسم مع الأعراف البرلمانية، حيث احترام إرادة الناخبين من جهة، واحترام قرارات المؤتمرات الوطنية للحزب المتصدر، ذلك ما يضع على عاتق الأحزاب مسؤولية السعي نحو النضج الديمقراطي الداخلي.

بيد أن هذا الفصل لا يجيب على عدة إشكاليات وإن كان منها ما هو ناذر الوقوع، أهمها فشل رئيس الحكومة المعين في تشكيل أغلبيته الحكومية، وهو ما وقع سنة 2016، وتحديد مدة المشاورات، حتى لا يهدر الزمن السياسي، وضمانات من قبيل إلزام الملك بلائحة الوزراء التي يقدمها رئيس الحكومة المعين وعددهم، وذلك تأسيسا لمرحلة “تنبثق فيها الحكومة عن مجلس النواب” كخطوة تثبت جدية الإرادة القوية في تحقيق وصيانة الخيار الديمقراطي والمضي نحو ملكية برلمانية، ما يجعل آليات المحاسبة والمساءلة واضحة، حيث لا بديل أو محيد عن الحكومة السياسية في ظل الأطاريح التراجعية.

هذا وقد تضمنت مذكرات الأحزاب المقدمة للجنة “مراجعة الدستور” عدة حلول، وتبقى عبارة “وعلى أساس نتائجها” الواردة بالفصل 47 مفتوحة أمام التأويلات، بل ولا زالت روح الفصل 19 من الدساتير السابقة حاضرة في جسد الفصل 42 من الدستور الحالي الذي بات “حلال العقد” التي قد تطرحها الحياة السياسية بالمغرب، هذا وإن كان يعتبره البعض عائقا فإنه بدون شك في بعض الأحيان يجدي، خاصة وأن عملية تشكيل الأغلبية تبدو أكثر تعقيدا، وأما مسألة التنصيب الحكومي، فلم تخلو بدورها، بالفصل 88 من الدستور الحالي، من تطور بل وطرحا أيضا للتساؤلات حوله، إلا أن هناك عدة فصول أخرى تمنح عدة صلاحيات للملك في “فك شفرة” الاشكاليات من قبيل الفصل 59 الذي يعلن به الملك حالة الاستثناء حال تعذر على المؤسسات الدستورية السير العادي، وذلك جراء أحداث لم تحدد في الوثيقة الدستورية، وجدير بالذكر أن الملك أثناء إعلانه عن حالة الاستثناء فهو “يستشير” أيضا رئيس الحكومة، والاستشارة لا تعني الإلزام برأي معين بل تعني التجاوب أو عدمه.

والخلاصة، إذا أردنا قياس مدى ديمقراطية دستور ما، انبغى الانكباب على دراسة طريقة وضعه بما ذلك السلطة التي صاغته، من حيث مصدرها، ومن ثمة الانتقال إلى دراسة المضمون ومدى حضور النفس الديمقراطي في تعاليمه، ثم الانتقال لتتبع مدى تفعيله ممارسة، فإذا كانت المعادلة الرياضية أم المنطق، فإن الإرادة في تفعيله تمر من طريقة وضعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *