وجهة نظر

رد الاعتبار لما لحق المعلم من أضرار

حينما تسوء أحوال الأمم، يصير ذو العلم بالعلم لا مكان له ويتربع التافهون فوق القمم. فيتحطم ميثاق الأخلاق وتنهار القيم. وأول من تبطش به حجارة الدمار هذه هو السيد المعلم المحترم. حيث يلفق له سيل من التهم .وتكال له الأباطيل. ويقذف بأقدح النعوت والأوصاف. وتجرجر كرامته من طرف مجموعة من المتحلقين حول فتات المجد الزائف. فتسحل سيرته في وحل لعاب الفاشلين. ويبدع الناعقون في فنون السخرية والانتقاص ممن كان له الفضل في إمدادهم بالأمصال الجديرة بترويض الغريزي فيهم.

ويتناسى هؤلاء، في لمح خاطف، من أخرجهم من قاعهم البهيمي العميق، ومن أمدهم بقبس ينير ممشاهم الديجوري. يتناسون من علمهم تنظيم حاجاتهم البيولوجية وأن حرمة الأمكنة تقتضي الحفاظ بشتى الطرق على نقاوة الهواء.يتناسون، وهذا ديدن الجاحدين ، من علمهم التمييز بين الفتحة والسكون، وبين سورة الإخلاص وسورة الماعون.

يتناسون أن القلم الذي حولوه، بجرأة خبيثة، إلى خنجر غدر لم تكن لهم القدرة حتى على بريه. ولأن منهم من ابتلع الممحاة منذ صباه، معتقدا أنها فطيرة تغني من جوع، لم يجد ما يمحي به عيوبه وعقده، فقام بتصريفها في تغريدات ركيكة وعقيمة أو في شبه مقالات على (جريدة) يسمح برمي النفايات على حائطها.

ولكن هذه الجوقة، منذ إصابتها بفقدان الحياء، باتت فعلا تصنع ما تشاء. لأنها تربت في الحفر وبين عشية وضحاها وجدت نفسها على السطح لذلك فهي لا تعرف للتضحيات و البذل والعطاء معنى. ولا تقدر معاناة المدرسين في أعالي الجبال وبردها، وقساوة الصحراء وحرها. ولاتنظر إليهم وهم يقودون سفنا غاصة بالبراءة، براءة مفعمة بأمل الانعتاق من بؤس الآباء والأجداد. لأن الجوقة لا يهمها نشاز العزف وفجاجة القصيد وإنما ثمن التذكرة وفخامة الوليمة. لايهمها القراءة الحقيقية و التحليل المنطقي وتبيان الأسباب والمسببات ووضع الأصبع في موقعه الصحيح.

لو كانت تجري في شرايين الجوقة كريات خجل، لما استطاعت أن تدوس ظل مدرسيها كما تفعل الأمم المتحضرة. ولو طلب منها عبادة اختيارية، لأمرت نفسها بتحية مدرسيها في طقس متكرر.

لو كانت تجري في أوردتها دماء الوقار والدماثة، لما تجرأت على هذا التحامل المقيت، ولما رمت الثدي الذي رضعت منه لبن الحروف بعبارات منتقاة من مستنقع الخساسة والدناءة.

لم يطلب من الجوقة تبرير نكران الجميل في كرسي اعتراف. و لم يطلب من قريحتها أن تجود بقريض مديح في حق من يستحقه بقوة الكلمة المقدسة “إقرأ”. فمن نصبها إذن لفتح بالوعتها لتقذف كل هذه النتانة في وجه هذه المهنة الشريفة المقدسة!؟. ولعل ما يؤكد شرفها وقداستها الفراغ الذي خلفه السيد المدرس خلال فترة الحجر الصحي. فبالرغم من تحالف كل المؤسسات وأحدث وسائل التواصل التكنولوجي لم يستطع الخبراء، بإجماع كوني، العثور على بديل له. واسألوا الهيئات المختصة إن كنتم لا تعلمون. ولكن غشاوة الإصرار والترصد تعمي البصر والبصيرة.

إن “البوز” أو المجد الفقاعي وتوسل “الليكات” على حساب معلمينا وأساتذتنا بمختلف درجاتهم أصبح يشكل روتينا يوميا يعتبر السكوت عنه بمثابة مشاركة في جريمة أخلاقية يعاقب عليها القانون والتاريخ. يومئذ لن أقول ما قاله الشاعر الكبير أحمد شوقي: كاد المعلم أن يكون… ولكني سأقول: لولا المعلم ما كنت لتكون.

* أستاذ التعليم الابتدائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *