وجهة نظر

نقاش هادئ مع العقول الراقية

تعالت بعض الأصوات مؤخرا منتقدة مبادرة بعض البرلمانيين بإقليم مراكش حول طلب لقاء مع والي الجهة لمدارسة الوضعية الوبائية و التداعيات الاقتصادية و الاجتماعية للجائحة على ساكنة المدينة . بعض هذه الأصوات عبرت عن وجهة نظرها و خلصت إلى أن الرسالة أخطأت طريقها ، و بعضها عبر بسخرية تخفي جهلا فظيعا بمهام البرلمانيين و باختصاصات ممثلي الإدارة المركزية على مستوى الجهات و العمالات أو الأقاليم ، وتجاوزت بأسلوبها الفج حدود اللياقة و الأدب لإقناع الآخرين برأيها حول الموضوع .

و مساهمة في النقاش حول المبادرة و حيثياتها و سياقها الزماني و المكاني يأتي هذا البيان :

منذ ظهور جائحة كورونا ببلدنا في شهر مارس 2020 انخرطت المؤسسة التشريعية إلى جانب كل مؤسسات الدولة الأخرى في مواجهتها و ذلك في إطار الاختصاصات الموكولة إليها .فرغم ظروف الجائحة و إعلان حالة الطوارئ الصحية، بقي البرلمان بغرفتيه يقوم بدوره التشريعي و الرقابي ،و اتخذ لذلك عدة تدابير احترازية، كتقليص الحضور الفعلي ، و المشاركة عن بعد في أشغال اللجان و في الجلسات العامة ، و كذلك التصويت عن بعد بالنسبة لمجلس المستشارين . و بقيت الجلسات مستمرة إلى نهاية يوليوز .

فعلى المستوى التشريعي و خلال هذه الفترة التي امتدت من شهر مارس إلى شهر يوليوز صادق البرلمان على 21 نص تشريعي بعضها يتعلق بمواجهة الجائحة و على رأسها قانون إعلان حالة الطوارئ الصحية و تعديل قانون المالية لسنة 2020 .علما أن كل نص تشريعي يقتضي انعقاد اللجان المختصة لمدارسته قبل عرضه على الجلسة العامة للمصادقة عليه .

و على المستوى الرقابي تقدم النواب البرلمانيون عن طريق فرقهم بمآت الأسئلة الشفوية جلها يتعلق بالجائحة و تداعياتها الاقتصادية و الاجتماعية و تتم الإجابة عنها في الجلسة الأسبوعية من طرف الوزراء كل حسب القطاع الذي يشرف عليه .كما تقدم النواب البرلمانيون خلال هذه الفترة كذلك بعشرات الأسئلة الكتابية حول الجائحة وكل الجوانب المتعلقة بها . و يكفي الدخول للبوابات الرسمية لمجلسي النواب و المستشارين للاطلاع على مختلف الأسئلة الرقابية التي تقدم بها البرلمانيون و المتعلقة بجائحة كورونا . ‏هذا إضافة إلى الاتصالات المباشرة مع مختلف الوزراء وكذا المسؤلين المحليين في شأن العديد من الإشكالات والمواضيع المرتبطة بمعاناة وشكايات المواطنين جراء هذا الوباء الفتاك وتداعياته.

وللإشارة فطرح الأسئلة الكتابية و الشفوية يخضع لمسطرة خاصة تنظمها الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وتبرمج بالتنسيق مع الفرق البرلمانية و ليست خاضعة لرغبة كل نائب أو مستشار.

أما على مستوى تقييم السياسات العمومية فقد تم عقد حوالي ثمان لقاءات شهرية مع رئيس الحكومة بغرفتي البرلمان لمساءلته عن السياسات العمومية و التي انصب جلها على الجائحة و تداعياتها الاقتصادية و الاجتماعية. و في آخر جلسة لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العمومية و التي تمحورت حول موضوع : ” السياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والرقمية في ضوء الدروس المستخلصة من تداعيات أزمة كورونا” أثير موضوع إغلاق مدينتي مراكش و طنجة من طرف أغلبية الفرق البرلمانية نظرا للتداعيات السلبية لهذا القرار على المدينتين ، و هذا من باب المسؤولية الملقاة على عاتقهم ، أما تجاوب الحكومة مع مطالبهم أو عدم التجاوب معها فتتحمل فيه الحكومة مسؤوليتها حسب منظورها و رؤيتها للأمور.
فعلى الذين يبخسون عمل البرلمانيين و يتخذونه مجالا للسخرية عليهم أن يواكبوا أولا عمل هؤلاء البرلمانيين ويطلعوا على جهودهم في مجال الرقابة و التشريع و ينتقدوا نواقصهم بكل موضوعية و إنصاف .

أما على المستوى الأقاليم التي ينتمي إليها البرلمانيون فمن حق البرلمانيين تتبع تنفيذ السياسات العمومية من طرف المصالح اللاممركزة بهذه الأقاليم ، و من حقهم الحصول على المعلومات المتعلقة بهذه السياسات لأنها أساسية للترافع عن الساكنة ، و لمساءلة الحكومة عن جدوى هذه السياسات و عن انعكاساتها على المواطن ، ومن حقهم عقد لقاءات مع هذه المصالح اللاممركزة ومع ممثلي السلطات المركزية بهذه الأقاليم .
و إذا رجعنا إلى مواد الدستور لسنة 2011 سنجده يتحدث عن العمال و الولاة بصفتهم يمثلون السلطة المركزية بالجماعات الترابية ومكلفون بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية ، حيث تنص المادة 145 من الدستور على ما يلي :

ــــ يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية .
ــــ يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية .
ـــــ يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية .
ــــــ يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها .

كما أن المرسوم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19 ، منح صلاحيات واسعة لولاة و عمال العمالات أو الأقاليم باتخاذ جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة .

أمام هذه المعطيات و بعد أن أصبح الكل يتحدث عن الوضعية الصحية للمدينة أمام تزايد حالات الإصابة بالفيروس ، و تزايد عدد الوفيات في الآونة الأخيرة ، وبعد أن أصبح الحديث كذلك عن التداعيات الاقتصادية و الاجتماعية ذو شجون أمام غياب المعلومات الدقيقة عن حجم الأضرار التي ترتبت جراء إغلاق المدينة ، و لكي يساهم البرلمانيون في الترافع عن المدينة و ساكنتها مركزيا ، كان لا بد من اتخاذ مبادرة جماعية و هي التي تمثلت في طلب اجتماع بالسيد الوالي بصفاته المذكورة سلفا ، علما أن الهيآت السياسية التي ينتمي إليها طالبوا اللقاء غير ممثلة في لجنة اليقظة المحلية شأنها شأن البرلمانيين .كما ‏إن التواصل المباشر مع هؤلاء المسؤولين المحليين يسهم في حل العديد من الاشكالات المحلية ومطالب المواطنين وتطلعاتهم بالسرعة والدقة المطلوبتين دون انتظار التفاعل المركزي معها الذي يتطلب وقتا طويلا .

لذلك فطلب اللقاء بالسيد الوالي في هذا الوقت بالذات تؤطره هذه الحيثيات ويرمي إلى تظافر الجهود و تكاملها و تناسقها لتجاوز الوضعية الحالية التي تعيشها المدينة صحيا و اجتماعيا و اقتصاديا .أما الآلية المعتمدة للاجتماع بالولاة و العمال بشكل رسمي فهي طلب عقد اجتماع ،و هي نفس الآلية المعتمدة مركزيا في عقد اللقاءات مع الوزراء لمناقشة القطاع المعني ، لأن المواعيد ترتب سلفا حسب الأجندة اليومية للسادة الوزراء أو للسادة الولاة و العمال ، و لا يمكن أن تتم بشكل عشوائي .

لقد أصبح خطاب التبخيس هو السلعة الرائجة اليوم في الساحة السياسية ، و لم تسلم منه أية مؤسسة من مؤسسات الدولة ، مركزية أو محلية ، و لم يسلم منه أي مسؤول في أي منصب كان ،و هو خطاب غير واقعي يساهم في نشر اليأس و بث الكراهية و يقوض كل الجهود المبذولة من طرف الدولة و مؤسساتها للنهوض بالوطن و مواجهة التحديات .لذلك فالتحلي بالموضوعية و الإنصاف في تقييم الأداء سواء تعلق الأمر بأداء المؤسسات أو بأداء الأشخاص هو السبيل للمساهمة في خدمة الوطن .

* برلماني عن العدالة والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *