آخر أخبار الرياضة

إصلاح المدرسة العمومية .. هل توجد إرادة سياسة؟

في مساءلتنا لأزمة التعليم والإرادة السياسية يمكن أن ننطلق من سؤال بسيط كالتالي:

في غياب ديمقراطية حقيقية، هل يمكن إصلاح التعليم؟ هل يمكن أن يسير قطار ما على سكته في غياب قاطرة؟
قد نعطي لشخص ما أو حيوانا مريضا بعض المهدئات أوالمسكنات لتسكين ألمه. لكن هل سينقذه ذلك من الموت في حال غياب علاج فعال وقبل ذلك تشخيص علمي دقيق للحالة؟

في حالتنا ليس غريبا في شيء أن نقول بأن حالة الأزمة الملازمة للتعليم المغربي ليست في حاجة إلى تشخيص أو وصف علاج . فقد سال مداد كثير تحت جسر المنظومة التربوية ببلادنا منذ بدأ استشعار عمق وخطر الأزمة. -والتي بالمناسبة أكل في سياقها الكثيرون خبزا شهيا. انطلاقا من المسؤولين الحكوميين والإداريين ووصولا إلى جماعة المنظرين و”الخبراء” في كل شيء تقريبا من السوفسطائيين القدامى و الجدد-. بل هي أزمة في حاجة فقط إلى شيء من الشجاعة السياسية أو على الأقل، إلى شيء من الحياء والخجل.

إن حالة التعليم اليوم باعتبارها حالة أزمة راهنة هي بلا شك حالة لها جذورها الممتدة في الماضي. ماض ولى وانتهى صحيح، لكنه لاينفك يجثم بظله الثقيل على الحاضر، مؤسسا للمستقبل.. إنه ماضي الصراع الدموي الأسطوري حول السلطة بين المخزن المعاصر و قبائل المعارضة. معارضة كانت تسعى إما إلى الاستفراد بالسلطة أو إلى القبول باقتسامها مع هذا المخزن حسب ما توحي وتسمح به موازين القوى القائمة بينهما. لكنها وجدت نفسها أمام خصم يصر من جانبه على أن يحكم البلاد بمفرده متوجسا من كل عبارة أو حركة في اتجاه المطالبة بديمقراطية حقيقية.

في ظل هذا التجاذب شكل قطاع التعليم ميدان المعركة الأساسي بين القوى المتدافعة. القوى الديمقراطية والتقدمية التي أرادت تعليما مجانيا معمما وموحدا وعلميا لكل أبناء المغاربة.وقوى الرجعية والانتهازية التي اصطفت مع المخزن وعملت على إقناعه -بشتى الأساليب وبكل ما أوتيت من فنون التآمر وصناعة المطبات أمام محاولات التغيير- بأن كل تعليم جيد ومجاني من شأنه أن ينتج وعيا طبقيا مهددا لمصالحهم الخاصة ومعها مصالح القوى الامبريالية الحامية لهم. وعي تكون غايته العاجلة قبل الآجلة، بلا شك، هي الوصول إلى المطالبة باقتسام فعلي وحقيقي للسلطة والثروة.

بدأت إذن المسيرة المظفرة لتحطيم كل أركان المدرسة العمومية، أو ما بقي منها، انطلاقا مما سمي بتعريب التعليم.

وهو في الحقيقة لم يكن تعريبا بقدر ما كان آلية ناجعة لإقصاء أبناء عموم الشعب المغربي من الوصول إلى المناصب العليا وترسيخ فولاذي لسيرورة “إعادة الإنتاج الاجتماعي” كما تحدث عنها، وحلل وفسر نتائجها السوسيولوجيون. تلاه بعد ذلك، وبدون تضييع كثير من الوقت، إطلاق عملية تنكيت فجة وسخرية ممنهجة من المعلم ويومياته لضرب صورته و رمزيته في الوعي الجمعي لدى الناس وتحضيره نفسيا حتى يقبل بأن يكون في أسفل الهرم الاجتماعي. حتى صارت وظيفة المعلم اليوم مما يهدد به البعض أبناءهم المدللين في حال فشلهم الدراسي، ومما يعافه حتى بعض أكبر الفاشلين دراسيا من التلاميذ.

ثم كانت الضربة القاضية عندما تمت أجرأة وتنزيل ما سمي الميثاق الوطني للتربية والتكوين وبخاصة في شقه المسمى “إصلاحا جامعيا” وذلك عندما ثم الانتقال داخل الكليات إلى نظام الوحدات والاجازة ذات الثلاث سنوات بدل الأربع وما شكله هذا العبث المفتقد لشروطه الذاتية والموضوعية من دمار شامل وإجهاز تام ونهائي على شيء كان يسمى في الماضي الجامعة المغربية. وهو الفعل الشنيع الذي وصفه المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة ذات محاضرة له، بأنه “أكبر جريمة ترتكب في حق الشعب المغربي”.

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا يسعى في خراب الجامعة. لأنها تبقى فرصة الوطن الوحيدة لتكوين نخبة قادرة على استئناف التفكير، وهي أيضا آخر خندق للمقاومة قبل الانهيار الكبير.

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا يبدأ بتعريب التعليم الأساسي ويترك التعليم العالي والبحث العلمي مفرنسا ثم يقف عند منتصف الطريق دون أن تطال “غيرته” على لغة الضاد والدستور والأمة مجالات أخرى كالاقتصاد والأعمال والإدارة.. بل فواتير الماء والكهرباء ..!!

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل ما كان ليسمح للشركات الخصوصية المسمات زورا وبهتانا مدارس خصوصية بالتغول والاقتيات على الأزمة بتمتيعها بالاعفاءات الضريبية وهي المقاولة الواضحة الأركان. وغض الطرف عن مصها الوحشي لدماء الآباء وأولياء أمور التلاميذ تركوا لواجهوا مصيرهم ومعهم الشغيلة التي تشتغل في كثير من هذه الشركات في ظروف مهينة وتحت أبشع أنواع الاستغلال والاستعباد.

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا يمكن أن يسمح بأن تحمل شركات تعليم خاصة أسماء مؤسسيها النكرات والأميين ويسمح بأن تسير بعض هذه الشركات من طرف أشخاص لا يعرفون كيف يميزون بين تربية البشر وتربية البقر. كل همهم هو الاتحاد والتآزر من أجل جعل دجاجة التعليم الخاص التي تبيض لهم ذهبا وفية لموعد إباضتها الشهري.

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا يرسل شبابا من الشارع إلى الفصل مباشرة بدون أدنى تكوين ليلعبوا دور الشرطي داخل فصولهم الدراسية بدل أن يكونوا مدرسين.

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا يعين تحت مسمى التعاقد من ضمن من عين مهاجرين سابقين طردتهم أوروبا بسبب سلوكهم السيء وآخرين كثر لم يقرؤوا سطرا واحدا منذ عقود من الزمن.

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا يمكن أن يسمح بوجود تعليمين بسرعتين وبمحتويين مختلفين داخل نفس البلد. واحد للمحظوظين وذريتهم وآخر لأطفال وفتيان وشباب بلا مستقبل. تم يأتي ليتحدث لنا بكل ما أوتي من صفاقة عن مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص..

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل عار عليه أن يدرس أبناءه في مدارس خاصة أو في مدارس البعثات ثم يأتي ليتباكى في كل مناسبة أو بدونها على وضعية بسببها صار هو ومن على شاكلته مسؤولا يتنعم بأموال دافعي الضرائب.

إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا يخرب الأحزاب والنقابات ويقوم برعاية الكائنات الطفيلية داخلها ومباركتها ثم يتربع بعد ذلك على خرابها مجتمعة ليقول لنا “أنا وحدي نضوي البلاد”.

وأولا وأخيرا، إن الذي يريد إصلاح التعليم بالفعل لا بد له أن يطرح بما يكفي من الشجاعة والوضوح سؤال طبيعة النظام السياسي القائم وطبيعة النظام السياسي الذي نريد وما يتفرع عن هذا السؤال بالضرورة من أسئلة أخرى كتلك المتعلقة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية…
أما غير ذلك، فشيء من الخجل يرحمكم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *