آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي

احتراف المستديرة في المغرب .. القطار على سكة “اللاوصول”

الجامعة الملكية لكرة القدم

18 يوليوز 2020.. تاريخ إعلان قرار حاسم طال انتظاره يهم فض نزاع مباراة لم تجر وتواصل بشأنها مسلسل شد الحبل منذ السابع يناير الماضي، حتى تشكل شعور عند المتابعين مؤداه ارتجالية معيبة تطبع المشهد الكروي بشكل عام أضيف لما هو راسخ في مخيال المنتسبين للمشهد الكروي.

القرار يتعلق بمصير مباراة الرجاء الرياضي والدفاع الجديدي تحولت تفاصيلها إلى “مأساة” خيمت على المنظومة الكروية وأدخلت جامعة الكرة في تيه جعلها تبدو -برأي المراقبين- كما لو أنها تخشى الحسم في الموضوع خوفا من غضب الأنصار وإثارة نعرات الانتماء عند المتعصبين من الجمهور واندلاع أشكال احتجاجية.

وبغض النظر عن حيثيات القرار المعلن، فإن تفاصيل المباراة “المعلقة” وما رافقها من مخاض أرخى بظلاله على منظومة الاحتراف ومدى قدرة الأجهزة التنفيذية على الالتزام ببنوده ومجاراة الأندية لإيقاعه المفترض كما هو الشأن في الدوريات الاحترافية، وأعاد النقاش حول الحاجة إلى استقلالية المؤسسات الوصية على اللعبة في أفق إحداث مجلس وطني للرياضة لممارسة دور رقابي إسوة ببطولات تشد الأنظار ويتحلق العالم أمام شاشات التلفاز لمتابعة أخر صيحاتها.

تفاصيل “العبث”

لو كانت المؤسسات تُساير فكرة الاحتراف بضوابطها وقواعدها ما كان لهذا المشهد السريالي الذي عشنا تفاصيله أن يقع والذي خُيل أننا أمام قرار سياسي تطلب مخاضا عسيرا، فتم إسناده للجان القضائية للبث في النازلة، وقضت بموجب ذلك بمنطوق القانون بقراءة متأنية تطلبت فترة تزيد عن مائة وأربعة وتسعين يوما.

وبالعودة إلى تفاصيل القضية الأصعب منذ إحداث سياسة العصبة الكروية، والتي تعطي فكرة عن الكيفية التي يدار بها الاحتراف الرياضي في المغرب، يتضح أن أصل المشكل بدأ ببرمجة مباراة الرجاء الرياضي ضد الدفاع الحسني الجديدي لحساب الجولة التاسعة من البطولة الوطنية لكرة القدم بتاريخ 07 يناير على الساعة السابعة مساءً، مما نتج عنه خلاف في قراءة النص القانوني، حيث تمسك فريق الرجاء الرياضي بضرورة تطبيق مقتضيات الفصل 21 من قانون المنافسات الذي ينص على احترام أجل 3 أيام كاملة للعب مباراة البطولة الوطنية في حالة المشاركة في الاستحقاقات الرياضية الدولية بالخارج، فيما تمسك الدفاع الجديدي بإجرائها في توقيتها المعلن، وحضر يوم المباراة إلى الملعب في انتظار الخصم الذي لم يحضر.

ما حصل أن المباراة لم تُقَم بسبب تغيب فريق الرجاء الرياضي، لكن الحسم في نتيجتها بعد أزيد من سبعة أشهر وعن طريق اللجان القضائية بدل اللجنة المركزية للتأديب (التي كان تبث في كل النزاعات) يقدم صورة “سلبية” عن الاحتراف الذي من شروطه الرئيسة كما قال المحلل الرياضي بدر الدين الإدريسي في حديث مع “العمق”: “التوفر على أرضية قانونية صلبة”.

عدة الاحتراف

فضلا عن الجانب القانوني، يقتضي تنزيل الاحتراف في المغرب وفق ما ينص عليه دفتر التحملات كشف الوضعية المالية للنادي التي يجب ألا تقل عن 9 مليون درهم، والتوفر على 26 لاعبا ضمنهم 16 لاعبا محترفا مغربيا، ومدرسة للتكوين تضم الفئات العمرية بين 6 و12 سنة، وفريق نسوي للكبيرات وآخر لأقل من 19 سنة، وإشراك سبعة فرق للناشئين في مسابقات الجامعة والعصب، بالإضافة إلى ملعب بأزيد من 6000 مقعد يحترم المعايير الدولية.

هذه المواصفات المطلوبة في الأندية المغربية لتركب قطار الاحتراف قد تبدو عادية بنظر البعض، لكنها لم تكن متوفرة بعد 56 موسما في أحضان الهواية، لذلك يتفق الجميع على ضرورة تطور الجسم الكروي بصيغة مغربية على جميع المستويات، كما عبر عن ذلك بدر الدين الإدريسي بالقول: “لا نريد احترافا مستوردا والأندية مع كامل الأسف أخدت وقتا طويلا للتحول لشركات رياضية”.

نفس الأمر ذهب إليه رئيس الجمعية المغربية للمدربين المكونين في كرة القدم عزيز بوعبيد في حديث ل”العمق”، عندما قال بنبرة واثقة: “مازلنا بعيدين عن تطبيق الاحتراف والالتزام بدفتر التحملات”.

التقيد بدفتر التحملات يجعل التكوين مرتكز الاحتراف، لذلك أوصى رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم فوزي لقجع خلال الجمع العام للعصبة الاحترافية للعبة منذ سنة باعتبار التكوين أولوية قصوى من خلال تدبير مراكز التكوين داخل الأندية “وفق برنامج عقلاني محترف وشامل”، وهو ما أكده رئيس الجمعية المغربية للمدربين المكونين بحديثه عن تجربة فرنسا التي بدأت العمل بمراكز التكوين منذ سنوات مما جعل الكرة الفرنسية دائمة الحضور في المحافل الدولية.

وتُصر جامعة الكرة على تنزيل مشروع الاحتراف بعد إعلان العمل بمضامينه موسم 2011-2012 بأي كلفة، وما انفك رئيسها يؤكد على ذلك في كل وقت وحين، لكن الواقع يؤكد أن المحطة النهائية للاحتراف مازالت بعيدة، وهو ما جعل بدر الدين الإدريسي يقول: “أتحفظ على الصورة والتأخر في التأهيل”، ودفع عزيز بوعبيد إلى اختصار المشكل في “غياب الإرادة وغياب الأبعاد الرياضية في برامج الفاعل السياسي”.

مؤشرات القلق!

ومما يدل على أن الاحتراف مازال بعيدا رغم إعلان القائمين على شؤون المستديرة دخول عالمه، المعطيات التي توصلت إليها “العمق”، والتي تكشف أن البطولة الوطنية ليست منافسة جذب، باستثناء بعض الفلتات التي تظهر بين الفينة والأخرى كنقط ضوء وسط ظلام يحاول التخلص من ظلمته.

تتجلى قوة المنافسات الرياضية في قدرتها على الجذب الجماهيري، لكن هذا المؤشر ضعيف بالنسبة للبطولة الوطنية التي لم تقو وهي في موسمها العاشر على تجاوز عتبة 10 آلاف مشجع، حيث توقف العداد عند معدل 8938 مشجع لكل مباراة بالنسبة لاتحاد طنجة بعدد إجمالي بلغ 268150 في موسم 2018/2019، فيما بلغ معدل الحضور الجماهيري في مباريات قطبي الدار البيضاء، الوداد والرجاء في 8116 و6516 على التوالي.

ولأن قيمة المنتوج الوطني تكون في مدى حضوره خارجيا، فإن قيمة العقود التي وقعها خريجو البطولة منذ تطبيق الاحتراف لم تتجاوز 6 ملايين أورو، وهي القيمة التي انتقل بموجبها أيوب الكعبي إلى فريق هيبي فورتونا الصيني، وحل بعده في سبورة الانتقالات أشرف بنشرقي ب5 مليون أورو من الهلال السعودي، ونايف أكرد ب1.60 مليون أورو من ديجون الفرنسي، ومحمد فوزير من النصر السعودي بنفس المبلغ، مليون يورو لمحمد فوزير من النصر السعودي، يليهم وليد أزارو ب1.40 مليون أورو من الأهلي المصري، وحميد أحداد ومحمد أوناجم ب1.35 مليون يورو من الزمالك المصري، ثم خالد حشادي ومحسن متولي وعبد الرزاق حمد الله بمليون أورو من فيتوريا ستوبال والوكرة القطري والسوندنز النرويجي على التوالي.

ومن مؤشرات بعد البطولة الوطنية عن الاحتراف، ضعف الآلية الهجومية للأندية، فعلى مدار سنوات “الاحتراف” لم يستطع أي من الهدافين الوصول إلى رقم 27 هدفا الموقع باسم الدولي السابق ولاعب النادي القنيطري محمد البوساتي الذي ظل صامدا لما يقارب 40 سنة. وكان أعلى رقم سجل هو 19 هدفا لأصحابه الليبيري ويليام جيبور رفقة الوداد خلال موسم 2017، ومحسن ياجور مع الرجاء الرياضي موسم 2019، ولاباكودجو مع نهضة بركان في نفس الموسم.

وفي تصريح ل”العمق”، علق البوساتي على هذا الصيام التهديفي بالقول: “طريقة لعبنا كانت مختلفة، واللاعب كان يبلغ قصار جهده في تحقيق مستوى كبير..، ولكي تكون هدافا يجب أن تكون محبا للكرة والفريق والمدينة والجمهور، وأن تحترم الجمهور في التداريب حتى تقدم مستوى متميز في مباراة نهاية الأسبوع”.

نور وسط الظلام!

أمام هول وتراكم الأحداث التي توحي بصعوبة الوصول إلى مصاف الدول التي بصمت على تجارب ناجحة في الاحتراف تلوح في الأفق ملامح تجارب ناجحة، قال بشأنها الإطار الوطني محمد بنشريفة “ليس حبا في سواد العيون أقدم نادي أولمبيك ليون الفرنسي على توقيع عقد شراكة مع نادي الفتح الرباطي، وما كان لذلك أن يقع لولا أن النادي الفرنسي تبدت له مقومات الاحتراف بكل تفاصيلها”.

يعتبر الفتح الرباطي نموذجا “للنادي الذي يلامس الاحتراف” بتعبير عزيز بوعبيد رئيس الجمعية المغربية للمدربين المكونين، وهو برأي بنشريفة “فريق محترف بكل ما في الكلمة من معنى”، ومن مقومات ذلك –يضيف المتحدث- “تشكله بنسبة 75 في المائة من أبناء الدار، وتحليق خريجيه في سماء الدوريات الأوروبية”.

وفي الوقت الذي يوجد قطار الفتح على سِكة الوصول إلى “النادي المحترف”، يُصِر بنشريفة أن رحلة الاحتراف تتطلب عُدة كبيرة أجملها في الملاعب وأكاديمية ومراكز التكوين، فضلا عن عقلية الاحتراف لدى اللاعب والمدرب والمسير.

هذه الخلطة التي تحدث عنها بنشريفة تنقص الأندية المغربية التي حتى إن توفرت على بعضها فإنها تشتكي من غياب أخرى، ولعل ذلك ما جعل المحلل الرياضي بدر الدين الإدريسي يعتبر أن “الاحتراف بالمغرب يمر بكثير من المخاضات”، ويشدد على أنه “إذا لم تكن الغاية من الاحتراف اعتبار الرياضة رافعة أساسية للتنمية فإننا لسنا في حاجة إليه”، بعدما عبر في بداية كلامه أن “الاحتراف ثقافة وسلوك وحكامة في التسيير والتدبير، كما أنه منتوج كروي وطني يقوم على القانون وبناء الإنسان”.

وكما حقق الفتح نتائج في درب الاحتراف، فإن باقي الأندية بإمكانها فعل ذلك، خاصة أن الجامعة الملكية للعبة مصرة على تنزيل مضامين الاحتراف والسعي للقطع مع القديم وكل الممارسات القادمة من زمن الهواية، بحسب مصدر جامعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *