منتدى العمق

تدبير النفايات الطبية لكوفيد-19 بين المعالجتين التشريعية والواقعية

مقدمة:

لطالما شكلت النفايات هاجسا للعالم بأسره، وسعت جل الدول سعيا حثيثا لتفعيل منظومات للتخلص منها، غير أنه خلال العقدين الأخيرين، ظهرت مشكلة نوع خاص من النفايات ألا وهي النفايات الطبية، التي تشكل تهديدا حقيقيا، لإمكانية نقلها أمراضا فتاكة تهدد صحة الإنسان في المجتمع وفي أوساط العاملين بالمستشفيات والمؤسسات الصحية، في حال لم يتم التخلص منها بالطرق السليمة المواكبة للمعايير الدولية، مما يجعل النفايات الطبية الخاصة بكوفيد-19، مشكلة ملحة تتطلب العلاج.

وفي المغرب فالقانون رقم28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، نص في الفقرة الخامسة من المادة الثالثة منه على أن النفايات الطبية والصيدلية يقصد بها “كل النفايات الناتجة عن الأنشطة المتعلقة بالتشخيص والمتابعة والمعالجة الوقائية أو المسكنة أو الشفائية في مجالات الطب البشري والبيطري، وكذا جميع النفايات الناتجة عن أنشطة المستشفيات العمومية والمصحات ومؤسسات البحث العلمي ومختبرات التحاليل العاملة في هذه المجالات وعن كل المؤسسات المماثلة“، وجعلها بمقتضى الفقرة السادسة من نفس المادة الثالثة ضمن النفايات الخطرة، التي عرفها نفس القانون بكونها تتعلق ب“كل أشكال النفايات التي بسبب طبيعتها الخطرة أو السامة أو المتفاعلة أو القابلة للانفجار أو القابلة للاشتعال أو البيولوجية أو الجرثومية، تشكل خطرا على التوازن البيئي حسب ما حددته المعايير الدولية في هذا المجال أو ما تضمنته ملحقات إضافية”، فهي تعتبر أحد مصادروأسباب انتشار العدوى، إذا لم يتم إزالتها بانتظام والتعامل معها بالأسلوب الصحيح، فالفئات الأكثر عرضة للأخطار هم العمال المكلفون بمعالجة النفايات الطبية الخطرة والتخلص النهائي منها سواء داخل أو خارج المؤسسات أو في المراكز الاستشفائية والمجمعات السكنية المحيطة بأماكن منشآت معالجة تلك النفايات لاسيما في صفوف الأطفال وكبار السن، وقد أدىاستمرار انتشار هذا الوباء كوفيد-19المستجد بمختلف جهات وأقاليم المملكة، إلى انهيار واقع المنظومة الصحية، التي أبانت عن هشاشتها بفعل التدفق الهائل للمرضى، الذي فاق قدرات الأنظمة الصحية الوطنية، وسط الخصاص الكبير في الموارد البشرية، واللوازم الطبية الأساسية، والنقص الحاد في موظفي الرعاية الصحية، وفي ظل تفاقم هذه الوضعية الوبائية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، بادرت الوزارة الوصية على القطاع إلى المساس بالصحة العامة للمغاربة، من خلال إصدار دورية في إطار المخطط الوطني لمواجهة تداعيات كورونا، تحت رقم DELM/2020/63 بتاريخ 5 غشت 2020، أدرج فيها مقتضى يتعلق بالتعامل مع النفايات التي تصدر من منازل يتابع فيها مصابون بالفيروس علاجهم، على أنها نفايات منزلية، وهو ما سيساهم في نشر وباء كورونا بين المواطنين والمواطنات في الأحياء، وفي أوساط العاملين في النظافة، وكل هذا فقط  بسبب استهتار واستخفاف الوزارة الوصية في التمييز بين مخاطر النفايات الطبية لكوفيد-19، والنفايات المنزلية التي عرفهاالقانون رقم 28.00 في مادته الثالثة على أنها “كل النفايات المترتبة عن أنشطة منزلية”، وهو ما يوضح الخطأ الجسيم في تصنيف نفايات الأشخاص المصابين بفيروس كورونا والذين يتابعون علاجاتهم بمنازلهم، إلى نفايات منزلية عادية، بدل تصنيفها في خانة النفايات الطبية والصيدلية، وعليه فإذا كانت تعبئة النفايات الطبية العادية تتم  فقط  في أكياس خاصة ومحكمة الإغلاق، فالأمر يختلف  بالنسبة للنفايات الطبية الخاصة بكوفيد-19، التي يجب إضافة إلى الأكياس الخاصة  والمحكمة الإغلاق، أن يكون هناك صندوق إضافي محكم الإغلاق خاص بتلك النفايات شديدة العدوى أثناء عملية نقل أو تصريف تلك الأكياس لتجنب أي تسرب ثانوي أو تلوث، الشيء الذي يتطلب ضرورة حرقها في الوقت المناسب لتجنب انتشار الفيروس وإصابة المزيد من الأشخاص. وكما جاء على لسان الوزير في دوريته، التي أقر فيهاأن هذه النفايات بعد تعقيمها، ووضعها في أكياس بلاستيكية، يتم التخلص منها في مسار النفايات المنزلية، فهو خرق صريح للإجراءات الاحترازية وللمقتضيات القانونية والتشريعية الجاري بها العمل لمواجهة تداعيات الموجة الثانية من هذا الوباء كوفيد-19، خصوصا إذا كانت هذه الدورية أتت في محاولة لمعالجة الزيادة الملحوظة في الكميات اليومية للنفايات الطبية الخطرة، وبالتالي فإذا نقلت كنفايات معدية، فسيزداد العبء على وزارة الصحة، من حيث وجوب إرسالها إلى المستشفيات ومن ثم التخلص منها ضمن قسم النفايات الطبية، في إطار ما تمليه المسؤولية الاجتماعية على المؤسسات العمومية الاستشفائية.الأمر الذي أثيرت حوله العديد من التساؤلات الجوهرية حول مامدىجاهزية وزارة الصحة في التعامل مع الأزمة ومدى جدية وفعالية إجراءات الوقاية من النفايات الطبية الخاصة بكوفيد-19.

ومن خلال ما سبق يمكن القول أن عمليات معالجة النفايات الطبية الخاصة بعلاج مصابي كورونا، الذين يخضعون للحجر الصحي المنزلي، والذين يعالجون في المستشفيات والمؤسسات الصحية، تحتاج إلى مراقبة المنشآت الصحية ومتابعتها والتفتيش عليها بشكل دوري ومفاجئ، للتحقق من مدى احترامها لإجراءات السلامة المهنية، من ارتداء للملابس الواقية واستعمال للأدوات الآمنة بطريقة صحيحة، وأيضا من مدى التزامها بإجراءات التخلص الآمن من النفايات المعدية، مع ضرورة إلزام المشافي الصحية العمومية، بقبول ما يصل إليها من النفايات الطبية الناتجة عن التطبيب في المنازل، لتقوم بدورها بالتخلص منها بالطريقة الآمنة.

مصطفى الهايج،باحث في سلك الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال الرباط

عضو المركز المغربي للدراسات والأبحاث المالية والضريبية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *