أخبار الساعة، مجتمع

هيئات بتنغير تقترح مفاتيح للتنمية الواحية في مذكرة إلى لجنة بنموسى

في إطار القوة الاقتراحية للمجتمع المدني في تفاعله مع مشاورات اللجنة الملكية لإعداد نموذج تنموي جديد، سطرت “مذكرة تينغير حول النموذج التنموي” خمسة مداخل تعتبرها مفاتيح للتنمية الواحية من جهة وتصورات يمكن أن تستلهم منها مبادئ النموذج التنموي الجديد وطنيا.

ودعت المذكرة إلى “ضرورة استرجاع ظروف استدامة المنظومات الايكولوجية الواحية” ، و “التمكين المنصف لخلق بيئة محفزة على الاستقرار والاستثمار والتنمية المجالية الذاتية”، وكذلك “العدالة الاجتماعية والتمييز الايجابي لجبر الضرر الترابي”، إضافة إلى “الحكامة الجيدة والديمقراطية التعاقدية”، ثم “التعبئة والمسؤولية المجتمعية”.

ودعت الفعاليات المدنية عبر مذكرتها للجنة بنموسى في محور “استرجاع ظروف استدامة المنظومات الايكولوجية والاقتصادية للواحة”، إلى مجموعة من المداخل أبرزها العمل على تصنيف النمط العمراني بالواحات إرثا تراثيا وثقافيا وبيئيا عالميا، وتعميم شبكة التطهير السائل على طول الواحات وفق معايير بيئية ملائمة ومتكيفة مع النمط الواحي الجبلي.

وشددت على ضرورة إحداث قرى ايكولوجية نموذجية لتجميع سكان الدواوير، وخلق أقطاب مهيكلة للخدمات والصناعة والحرف في المراكز الناشئة لتقوية بنيتها الاقتصادية ودعم جاذبيتها ووظائفها الاقتصادية، إلى جانب اقرار سياسة مائية ملائمة للمجالات الواحية، وبناء سدود وسدود تلية ومتاريس جانبية لحماية الواحات من الجفاف والفيضانات والانجراف.

وواكدت على ضرورة توطين سلاسل انتاج الزراعة العائلية والمنتوجات البديلة ودعم الفلاحة البيولوجية، وتشجيع التشجير والمساحات الخضراء، إضافة إلى بلورة مخطط إقليمي لتعميم المطارح البيجماعاتية المراقبة والمنظمة وتثمين النفايات.

وفي المحور الثاني، وقصد تحقيق ما سمته المذكرة “التمكين المنصف لخلق بيئة محفزة على الاستقرار والاستثمار والتنمية المجالية الذاتية”، تم اقتراح وضع استراتيجة بناء وتقوية البنية التحتية الأساسية والمشاريع المهيكلة الكبرى، عبر تقوية البنية التحتية الطرقية داخليا وجهويا، وربط الإقليم بالقطبين الاقتصاديين بكل من أكادير وبني ملال، عبر الطرق السريعة، وإنجاز مشروع نفق تيشكا لفك العزلة وتحدي الطبيعة من أجل تعزير ربط طرقي آمن بحوز مراكش، وربط الشمال الشرقي بالقطب الإقتصادي لأكادير عبر مدن ومراكز الجنوب الشرقي بالسكة الحديدية.

وطالب الصمد ذاته بتقوية الولوج الجوي عبر إنشاء مطار إقليم، هذا إلى جانب “استراتيجية لتحفيز التنمية المجالية الذاتية بتجهيز المناطق المعدة للاستثمار في كل مجال حضري وتمكينه من التمويل العمومي الضامن لإقلاعه”.

وفي جانب تحسين الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية، دعا المشرفون على المذكرة إلى “إنشاء قطب جامعي متكامل في الجهة ومدينة للبحث العلمي والمهن والكفاءات داخل تراب الاقليم، مع التأكيد على الإهتمام خاصة بتنمية الظروف المناسبة لبلورة الخدمات و صناعات المعرفة والذكاء الصناعي والمعلوميات والصناعات الخضراء والمعادن والبحوث العلمية المرتبطة بالواحات، من قبيل المركب الجامعي المتعدد التخصصات للتكوين و البحث العلمي في المجالات الواحية والجافة، ومركز للغات الدولية ومراكز متخصصة للهندسة في المعلوميات والطاقات النظيفة، تكون مفتوحة في وجه الطلبة من كل أقاليم المملكة.

كما دعت المذكرة إلى تنويع العرض المدرسي وتجويده، والإنصاف في مجال الولوج إلى معاهد التكوين وإلى الجامعات، إنشاء مركبات تربوية ايكولوجية عوض الأقسام والوحدات الدراسية المشتتة وعوض المدارس الجماعاتية، إلى جانب مركبات تدمج التعليم الأولي مع مراكز محاربة الأمية والعمل التعاوني النسوي.

جائحة كورونا دفعت بالقائمين على إعداد مذكرة تينغير، والذين يمثلون 50 هيأة مدنية، إلى الدعوة إلى “إحداث مسالك جامعية لتكوين وتأهيل الشباب للعمل في الأماكن والظروف الصعبة” لتكوين العنصر البشري القادر على تدبير الكوارث والظروف الطارئة.

ومن أبرز ما ورد في ثنايا المذكرة، مقترح “وضع مؤشرات الحد الأدنى لاستفادة المواطنين من الخدمات الاجتماعية من قبيل ( ساعتان للوصول إلى أقرب مطار دولي وأقرب ميناء وأقرب محطة سككية، ساعة للوصول إلى أقرب مستشفى إقليمي، ساعتين للوصول إلى أقرب مستشفى جامعي، ساعتان للوصول إلى أقرب مركب جامعي، نصف ساعة للوصول إلى أقرب مؤسسة تعليمية إعدادية أو ثانوية، ساعة للحصول على أي وثيقة أو خدمة ادارية عمومية، نصف ساعة للحصول على خدمة النقل العمومي…).

وفي هذا السياق يقول أحمد إلزن، أحد الشباب المشرفين على إعداد المذكرة، في تصريح لجريدة العمق إن ” الحديث عن النموذج التنموي الجديد يتقاطع مع تصور الجهوية المتقدمة، والتي تنبني على الخروج من منطق التدبير الممركز وفق النموذج الواحد إلى نماذج تنموية ملائمة للتراب منصهرة في اطار تمغرابيت الموحدة. فعندما كنا نفكر في واقع الإقليم، كنا نفكر بشكل شمولي رغم تقديمنا لمقترحات ملائمة للمجال الواحي الجبلي.”

ويضيف الفاعل المدني ذاته “من مميزات هذه المبادرة أنها لم تكن نتاج اقتراح جمعية واحدة أو إطار واحد، بل استطعنا أولا خلق نقاش جماعي بمشاركة العديد من الفاعلين النشطاء العديد من الجمعيات والشبكات والفدراليات، واشتغلنا في ورشات تفكير جماعي، كما استعملنا استمارات الكترونية لتجميع بعض المقترحات عبر الشبكات الاجتماعية، كل هذا خلق مناخ فكريا خصبا وجمعيا نوعيا”.

وأضاف قائلا: “كنا نراهن على التنبيه لاثارة الانتباه إلى اقتراح تصورات تحافظ على الخصوصية المجالية للواحات”، وزاد” وعلى المستوى العام من أبرز توصياتنا، ضرورة وضع معايير الحد الأدنى من الولوج للخدمات الأساسية وعدم الارتهان للمعطيات الديمغرافية والسكانية ومعايير الجدوى الإقتصادية لبرمجة المشاريع الكبرى وتوزيعها على مختلف مناطق المغرب”.

النقاش حول محور “العدالة الاجتماعية والتمييز الايجابي لجبر الضرر الترابي” أفضى بالمشاركين في المذكرة إلى إقتراح “ترصيد وتثمين العقار كأساس للاستثمار وجبر الضرر التنموي” وذلك عبر مجموعة من المقترحات أبرزها، تحويل عائدات كراء وتفويت الأراضي السلالية إلى مداخيل المجالس المنتخبة عوض تجميعها مركزيا في صندوق التنمية القروية، وإيجاد حل للأملاك العسكرية والمخزنية والثكنات المتواجدة داخل المجالات الحضرية، واستخراج الأملاك الخاصة من التحديد الإداري لتسهيل التحفيظ الجماعي، إلى جانب إعادة النظر في طريقة تسعير الأراضي السلالية من طرف الوكالات الحضرية وباقي المؤسسات، وإعفاء ذوي الحقوق من مبلغ الضمانة للاستثمار في الأراضي السلالية.

وشدد الفاعلون الجمعويون على ضرورة تأهيل قطاعي الزراعة وتربية المواشي ووضع استراتيجية متكاملة للاقتصاد التضامني والاجتماعي الواحي، وإحداث علامة المجال للمنطقة ودعم تسويق وترويج المؤهلات الطبيعية والسياحية والثقافية، ووضع أسس لتنمية سياحية واحية مستدامة، وسن تحفيزات تمييزية لهيكلة ومأسسة القطاع.

وأشارت المذكرة إلى “وضع برنامج للتضامن الوطني لتحفيز مناخ الأعمال في المناطق الواحية، وذلك بإقرار الاعفاء الضريبي للشركات والأشخاص عن العمل أو أداء خدمات في المناطق الصعبة وغير المؤهلة، والتمييز الضريبي والتمويلي الايجابي لتوطين المشاريع القطاعية في المناطق الواحية والجبلية، وإحداث وكالة تنمية الجنوب الشرقي، واعتماد الجهوية البنكية المتقدمة.

في هذا السياق يقول يوسف القاضي، أحد المشاركين في إعداد المذكرة، في تصريح لجريدة العمق “حاولنا من خلال هذه المذكرة بسط وجمع كل الافكار التي نراها مناسبة ويمكن ان تساهم في الاقلاع التنموي لإقليم تنغير، بعد تشخيص دقيق لمجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يتخبط فيها الاقليم، المذكرة ليست حلا سحريا لحلحلة جميع مشاكل الاقليم، ولكنها رؤية استباقية، وخطة عمل يمكن لها ان تكون مرجعا وأرضية للجماعات الترابية في اعداد مخططاتها التنموية وبرامج عملها مسقبلا، بناء على رؤية شبابية مستقلة وواضحة”.

ويضيف الفاعل الجمعوي ذاته، “لقد ثم التركيز على مشاريع كبرى ستحقق الإقلاع التنموي للاقليم، مع مراعاة الخصوصية الواحية له، والحفاظ على هذا المجال وعدم استنزافه، خاصة على المستوى البيئي الايكولوجي قدمنا مجموعة من التصورات الكفيلة بالمحافظة على المجال الواحي وحمايته من الإنقراض وحمايته من أي برامج تنموية غير مستدامة”.

وترى المذكرة تحقيقا “للحكامة الجيدة والديمقراطية التعاقدية” ضرورة إحداث برلمانات جهوية وإقرار الديمقراطية المجالية وتوسيع دائرة التشريع الجهوي والمحلي، واعتماد الاعراف المحلية في التشريع وحل النزاعات وإعداد المشاريع، وإحداث أنظمة للعقوبات القضائية البديلة ( الخدمة المدنية، الأشغال الشاقة، الغرامات، الأوراش الكبرى …).

وتطالب المذكرة باعتماد الديمقراطية التعاقدية في تدبير الشأن العام والربط الفعلي للمسؤولية بالمحاسبة، واعتماد مجالس إدارية منتخبة لتدبير المجالس الترابية، ليكون المنتخبون هم المدبرون الفعليون للشأن العام، وليس مجرد متطوعين مسيرين، وانتخابهم وفق أجندة وبرامج ونتائج محددة بشكل تعاقدي مع السلطة ومع المجتمع.

هذا إلى جانب حوكمة الإدارات بتفعيل اللامركزية واللاتركيز، وربط تفويض الاختصاصات بتوفير الموارد المالية والبشرية، وإلغاء نمط تسيير الدولة بازدواجية الأجهزة، جهاز معين في مقابل جهاز منتخب، واعتماد وتعميم الادارة الالكترونية مع تقليص البيروقراطية الادارية.

وتوجت المذكرة مقترحاتها بمدخل خامس يؤكد على سن “استراتيجية للتعبئة الجماعية والمسؤولية المجتمعية للتنظيمات” عبر تقوية قدرات المجتمع المدني للمساهمة في التنمية والتعبئة المجتمعية، وإحداث مسالك جامعية لتكوين الفاعلين المدنيين والسياسيين، وتثمين عمل ربات البيوت من خلال إحداث أجرة لربات البيوت لا تقل عن الحد الأدنى للأجور، وإحداث صندوق وطني للمرأة الواحية والقروية والجبلية والأشخاص في وضعية اعاقة وفي وضعية صعبة ومقاربة النوع الاجتماعي.

كما دعت إلى تعزيز المسؤولية المجتمعية للتنظيمات وتحفيز القيم الأخلاقية الإيجابية وتثمين الممارسات الفضلى، وتنزيل المسؤولية الاجتماعية للمقاولات لمساهمتها في التنمية المحلية، إلى جانب مأسسة أموال الزكاة والعمل الإحساني الخيري، لمحاربة السلوكات الاتكالية وثقافة التسول الحاطة بالكرامة الإنسانية، وخلق تعاقد مجتمعي تعبأ فيه كل قوى المجتمع من التشاور والمشاركة الفعلية والفعالة والانخراط الإيجابي لجميع المعنيين الفاعلين من أجل بناء الدولة.

يقول عثمان عوي، أحد مؤطري ورشات التفكير للإعداد للمذكرة، “تفعيلا لما جاء في الدستور المغربي لسنة 2011، الذي شرعن تمكين المواطنات والمواطنين من المشاركة في صناعة القرار العمومي عبر مجموعة من الآليات التشاورية خصوصا بعد التراجع الملحوظ للديمقراطية التمثيلية نتيجة لتزايد عيوبها، وبروز الديمقراطية التشاركية، المبنية على الإشراك اليومي للمواطنين في تدبير شؤونهم وخدمة المصلحة العامة، ومساهمة في تحفيز النقاش العمومي لإغناء التصورات حول النموذج التنموي، بادر النسيج الجمعوي لإقليم تنغير ليوجه انتباه لجنة شكيب بنموسى الى خصوصيات المجال الواحي عامة واقليم تنغير خاصة، وذلك عبر إعداد مذكرة تلخص معاناة المواطن بهذا الإقليم الفتي من حيث التقسيم الإداري والعريق بنضالات رجاله ونسائه عبر التاريخ”.

ويضيف عوي في تصريحه لجريدة العمق “إيمانا منا بضرورة مناقشة خصوصيات المجال الواحي داخل السياق الوطني الإقليمي وعدم عزل جهة درعة تافيلالت عن الجهات الأخرى، عمدنا خلال هذا العمل الجماعي إلى التفكير الموسع والأجرأة المحلية، كما أن التشخيص والوصف لم يأخذا الحيز الكبير من المذكرة لتوفر المعطيات ووضوح الهشاشة والتأخر على هذا المجال الذي بدأت ملامح انقراضه تعلو على الأفق، ونظرا لعدم توفر الامكانيات المادية وضرورة الاستغلال الامثل والمعقلن للتطوع دون استنزاف الطاقات فقد عمدنا إلى العمل بالورشات التفكيرية والتركيز على المقترحات والحلول الواقعية والممكنة لتخطي العقبات وكوابح التنمية بالاقليم مع استحضار التوجهات والاستراتيجيات العامة للدولة”.

كما يؤكد عثمان عوي، الخبير في إعداد البرامج التنموية، على أن “من أبرز المداخل الهامة التي بلورها النقاش المدني للإعداد لهذه المذكرة، مدخل التعبئة الجماعية والمسؤولية المجتمعية للتنظيمات وما يعنيه ذلك من ضرورة الانخراط الفعلي للجميع من الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص إلى المجتمع المدني والساكنة”.

وأضاف “وإذ تخرج هذه الوثيقة بحمولة ثقيلة وواقعية على عكس مساهمات بعض الاحزاب السياسية المغربية التي قدمت مذكرات يتراوح عدد صفحاتها بين 13 و 40 صفحة لمشروع النهوض بالمغرب وتجاوز العقبات والازمات، فإننا نجعلها على طاولة كل الفاعلين وكل المهتمين بالشأن العام أملا في حشد التأييد والتآزر للبدء في بناء مسلسل الترافع والتفاوض لإعطاء الاقليم ما يستحقه من الأهمية جبرا لضرر مسه خلال عشرات السنين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *