مجتمع

الأطفال الزهريين المغاربة.. ضحايا محتملين لعصابات الكنوز حتى إشعار آخر

صحيح أن اختراع أنطونيو موتشي يستطيع نقل الصوت فقط (وأحيانا الصورة)، لكنه وتزامنا مع بعض الفواجع ينقل أشياء أخرى.. بكت كثيرا قبل أن تسرد لنا تفاصيل اختفاء ابنها عماد وقبل أن تغلق الهاتف طلبت منا مساعدتها للعثور على طفل ذنبه الوحيد أنه “زهري”.

فاطمة الزهراء والعشرات من الأمهات المغربيات وجدن أنفسهن ودون سابق إنذار ضحايا لعصابات تدعي “العثور على الكنوز” بواسطة أطفال “زهريين”.. يتربصون بهم ويصطدنهم بطرق خاصة ليسافروا بهم إلى أماكن قيل إنها تحتوي على كنوز مخفية.

وحسب ما هو متعارف عليه في الروايات والثقافة الشعبية المغربية، فإن الطفل الزهري هو الذي يوجد في كف يده اليمنى خط مستقيم، يقطعها عرضا، وعيناه ذات بريق خاص، إضافة إلى صفات أخرى.

نعيمة.. شرارة تفتح ملفا شائكا

نعيمة ليست الضحية الأولى لعصابات تؤمن أن الأطفال الزهريين مفتاح لأبواب كنوز تم دفنها في عصور غابرة، لكن اختطافها والعثور على عظامها، كان شرارة لفتح ملف خطف الأطفال المغاربة بغرض استعمالهم في السحر والشعوذة.

في السابع عشر من غشت الفارط اختفت نعيمة والتي تعاني من إعاقة تجعلها عاجزة عن المشي وحيدة، لتبدأ أسرتها رحلة البحث والتي دامت لأزيد من 40 يوما قبل العثور على بعض من عظامها وملابسها مدفونة على بعد كيلومترات من دوار تفركالت (زاكورة) حيث تقطن عائلتها.

وبعد ساعات من تداول القضية على منصات التواصل الاجتماعي، شرع نشطاء في الاستفسار عن تفاصيل الجريمة… هل هي شبيهة بتلك التي راح ضحيتها الطفل عدنان بطنجة؟.. أم أنها قضية أخرى ولأغراض أخرى.

جار الأسرة أكد لجريدة “العمق” في تصريح مصور أن الشكوك تحوم بشكل كبير حول عصابات البحث عن الكنوز، خاصة أن الطفلة “زهرية”… وهنا بدأت خيوط الجريمة تتضح شيئا فشيئا، فبعد أيام معدودة بدأ المركز القضائي للدرك الملكي بزاكورة، في التحقيق مع مشتبه به له سوابق قضائية في التنقيب عن الكنوز و تم اعتقاله بمنطقة “أجلموس”، ضواحي إقليم خنيفرة.

من زاكورة لبني ملال.. الألم واحد

مرت 3 سنوات على اختفاء عماد، البالغ من العمر آنذاك 8 سنوات، ولا زالت والدته تأمل أن يعود لحضنها سالما.

تحكي الأم فاطمة الزهراء لجريدة العمق عن تفاصيل ما يرجح أنها جريمة اختطاف: “كان يوم خميس.. وبحكم قرب المدرسة للمنزل كان يعود وحيدا، لكنه يومها لم يعد”.

وتردف بصوت حزين “بحثنا يومها كثيرا في مدينة بني ملال بأكملها.. بمساعدة الجيران والعائلة، لكن لم نعثر على أثر واحد لطفلي الوحيد”.

وتؤكد المتحدثة ذاتها أنها ووالده كانا متأكدين أن الأمر يتعلق بالعصابات التي تبحث عن الأطفال الزهريين، نظرا لأن عماد كان يتمتع ببعض الصفات كحول طفيف في العينين والخطوط المتشابكة في اليد.

وتضيف الأم المفجوعة: “لم نكن نعطي لهذا الموضوع اهتماما كبيرا، لأننا لا نؤمن بالخرافات لكن اختطافه قلب كل شيء والجريمة التي راحت ضحيتها الطفلة نعيمة بزاكورة زادت من حجم ألمنا وقد تكون أعدمت أمالنا بعودته”.

البحث.. بين الطلاسم والتكنولوجيا

وحسب رشيد (اسم مستعار) وهو باحث سابق عن الكنوز يقطن حاليا بمدينة أكادير، فطرق البحث عن الكنوز في المغرب تختلف بين من يعتمد على تقنيات متطورة كآلات الكشف عن المعادن والتي تعطي إشارة تلقائية بعد مرورها على أرض تخزن في باطنها معدنا، وبين “باحثين عن الكنوز يستعملون الطلاسم والتعاويذ وبعض الآيات القرآنية للعثور على ما يجولون المدن بحثا عنه”.

ويضيف رشيد :”الهدف من ذلك هو طرد الجن الذي يحرس الكنوز، وحتى أن بعضهم يقدم بعض القرابين (الذبح لهم)، وعادة ما يكون حيوانا بمواصفات معينة”.

وعن سبب استخدام الأطفال الزهريين، يوضح رشيد أن الأخير يكون بمثابة مرشد للباحثين عن الكنوز، حيث يتم وضع بعض “الحجابات” على كفه أو ربطها بجبينه ويمشي حافيا حتى يعثر على المكان الصحيح.

رجل أمني سابق لـ “العمق”: هكذا عثرنا على زهري بعد اختطافه

بدوره يؤكد عبد القادر الخراز ضابط شرطة ممتاز متقاعد أنه وأثناء عمله شهد عددا من الجرائم المشابهة للجريمة التي أزهقت روح الطفلة “الزاكورية”، نظرا لانتشار الشعودة والسحر وتسخير الجن بين صفوف عدد من المغاربة.

ويشير الخراز في تصريح لجريدة “العمق” أنه وأثناء عمله رئيسا للفرقة القضائية بمدينة مشرع بقصيري تم الإبلاغ عن اختطاف طفل يعاني من الإعاقة ويعد البحث والتحقيق لأيام، تم العثور عليه بنواحي مدينة مراكش.

ويحكي المسؤول الأمني السابق، أن الطفل كان في حالة مروعة، وكشف بعد ذلك أن العصابة التي اختطفته نقلته عبر سيارة لإحدى الأماكن المجهولة وتم ذبح 7 دجاجات سوداء بغرض تغطيته بدمائها.

ويوضح المتحدث ذاته أن انتشار هذه الجرائم لا يقتصر على المغرب فقط: “أثناء زيارتي لغينيا عاينت أطفالا مصابون بالمهق (أو ما يطلق عليه البرص في الدارجة المغربية) تم تقطيع يديهم على يد عصابات تحترف البحث عن الكنوز، وكذلك في السعودية”.

وعن الحلول التي يقترحها للحد من هذه الجرائم، يقول الخراز “هناك حل واحد وهو يرتكز بالأساس على توعية الناس عبر وسائل الإعلام وجمعيات المجتمع المدني.. لذلك وجب التركيز على هذه القضايا بشكل أكثر عمقا”.

ووجه الأمني السابق رسالة للأسر يحثهم فيها على حماية أبنائهم ومراقبتهم بشكل مستمر، خاصة أولئك الذي يحتمل أن يكونوا “زهريين”، مشيرا إلى أنه حان الوقت للتخلي عن فكرة “خرج تلعب” لأن لها نتائج وخيمة.

باحث: خرافات وعمليات نصب

يعتبر محمد أمرضين الباحث في الثقافة الشعبية المغربية أن الأمر مجرد خرافات وعمليات نصب على عائلات ثرية تؤمن بالسحر والشعوذة.

ويشرح المتحدث للعمق أن عددا من العائلات تتفق مع “فقيه” أو متمرس في السحر والشعوذة للبحث عن كنز ما وتقسيم قيمته بعد العثور عليه، ليبدأ الأخير في استدراج من يساعده على إتقان التمثيلية.

ويضيف أمرضين أنه وأثناء بحث سابق له، تواصل مع أشخاص يدعون أنهم يتوفرون على وثائق تقودهم لمكان الكنز ويطلق عليها “التقييدة” والتي يشاع أن صاحب الكنز يتركها لمن بعده لمساعدته، لكن “أغلبها وثائق مزورة”.

البحث والحفر.. جريمة بنظر القانون

ويؤكد أشرف لطفي، محامي بهيئة الدار البيضاء لجريدة “العمق” أن القانون المغربي يعاقب بشكل واضح عن “الحفر والبحث عن الكنوز”، حيث أن الفصل 45 من ظهير شريف رقم 1.80.341 ينص على “أنه لا يجوز لأي كان القيام دون رخصة بأعمال الحفر والبحث في الأرض والبحر قصد استكشاف مبان أو منقولات تكون فيها بالنسبة للمغرب فوائد تاريخية أو أثرية أو أنتروبولوجية أو تهم العلوم التي تعنى بالماضي والعلوم الإنسانية بوحه عام”.

وفي الفصل 46 من نفس الظهير “إذا أنجزت خلال أعمال ما عملية حفر لم يقصد منها البحث عن آثار قديمة واكتشفت على إثرها مبان أو نقود أو تحف فنية أو عاديات وجب على الشخص الذي أنجز أو عمل على إنجاز هذه العملية أن يخبر باكتشافه في الحال السلطة الجماعية المختصة التي تطلع الإدارة فورا على ذلك وتسلم إلى المعنى بالأمر إيصالا بتصريحه مع الإشارة إلى أنه يمنع عليه أن يتلف بأي وجه من الوجوه أو ينقل المباني أو الأشياء المكتشفة ماعدا لأجل حفظها وإلا فإن عملية الحفر تعتبر خرقا لأحكام الفصل السابق”.

وحسب المتحدث ذاته فالفصل 52 من قانون رقم 1.80.341 يحدد العقوبات في ما يلي: “يعاقب على المخالفات لأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة بتطبيقه بغرامة من ألفين إلى عشرين ألف درهم (2.000 إلى 20.000). وفي حالة العود يعاقب المخالف بغرامة لا يمكن أن تقل عن ضعف الغرامة المحكوم بها سابقا من غير أن تتجاوز أربعين ألف درهم (40.000)”.

ويختم المحامي بالدار البيضاء حديثه: “يمكن الحكم كما جاء فى الفصل 54 من نفس القانون بغرامة تعادل عشر مرات قيمة الشيء المرتكبة المخالفة بشأنه. وتكتسي هذه الغرامة صبغة تعويض مدني”.

تاريخ دفن “الكنوز”

يعود تاريخ دفن الكنوز في المملكة المغربية حسب كتب التاريخ إلى عهد انهيار الدولة الموحدية (1121 -1269) والتي شهدت فوضى أمنية دفعت الناس لدفن ثرواتهم وما يملكون تحت الأرض… و”هكذا مع كل فوضى أمنية، حتى في مرحلة الاستعمار الفرنسي والإسباني يلجأ الكثير من المغاربة لدفن الحلي والنفائس تحت الأرض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *