ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مائة سؤال”: لماذا اختار “ليوطي” الرباط عاصمة للمملكة؟ (ح 5)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة الخامسة

الفصل الرابع: لماذا نتحدث عن مغرب العواصم الإمبراطورية؟

إن “مغرب المدن الإمبراطورية” هو واقع تاريخي وشعار إعلاني له وظيفة سياحية. والواقع التاريخي لا يرقى إليه الشك: ففاس ومراكش ومكناس والرباط كانت على التوالي عواصم تعاقب عليها سلاطين وملوك مختلف السلالات الملكية المغربية وهذا لا يقلل من شأن العواصم الأخرى لهذا البلد المتعدد المراكز مثل مدينة طنجة وهي أقدم تلك العواصم وكذلك سلا القديمة وأخيرا المدن الاستراتيجية الأخرى مثل الدار البيضاء وأكادير وهما عاصمتان اقتصاديتان؛ الأولى هي أكبر مدينة في شمال أفريقيا منذ عام 1950 وطنجة وسلا وأكادير هي أول موانئ البلاد. ولا يتقاطع هذا التسلسل الهرمي مع المدن البرجوازية الأندلسية – فاس ومكناس و”الرباط – سلا” وتطوان – ولا مع العواصم الأمازيغية مراكش وأكادير وخنيفرة والناظور.

لا توجد خطية بسيطة في استعمال مصطلح “المدن الإمبراطورية”، لأن كل واحدة منها كانت عدة مرات عاصمة الإمبراطورية، وأحيانا على بعد عدة قرون عن بعضها البعض، ولكن أيضا في بعض الأحيان في نفس الوقت، عندما تقاسم البلاد اثنان من السلاطين المتنافسين. وهكذا، فإن فاس، المدينة الأصلية في المغرب الإسلامي، التي تأسست في عام 807، هي المركز الديني والروحي والثقافي – على الأقل فيما يتعلق بالحضارة العربية (وهو نفس الدور الذي لعبته مدينة أكادير بالنسبة للثقافة الأمازيغية)، وكانت أكثر عواصمها السياسية ديمومة: في ظل أربع سلالات، وكذلك بعض الفترات الانتقالية في القرنين الخامس عشر والسابع عشر. وهي عاصمة المملكة الإدريسية التي أسست النظام السياسي لهذه المملكة الإسلامية.

وهي المدينة التي سميت باسمها معاهدة الحماية الفرنسية التي وقعت هناك في مارس 1912. بعد ذلك قرر الجنرال ليوطي، المقيم العام الفرنسي، في أعقاب ثورات ربيع وصيف عام 1912 في فاس، نقل العاصمة إلى الرباط، وهي مدينة ساحلية أسسها المرابطون في القرن الثاني عشر، والتي لعبت دور العاصمة خلال بضعة عقود في القرن الثامن عشر. وقد كانت مدينة مراكش، عاصمة الجنوب في القرن التاسع عشر، هي العاصمة السياسية في ظل خمس سلالات (وفيها توجد مقابر السلاطين السعديين).

في القرن العشرين، ارتبط المغرب الاستعماري بالمبادرات السياسية للجنرال ليوطي وهو الذي يدرك جيدا قوة الكلمات في مجال السلطة. من “كاليفورنيا الفرنسية” إلى “المملكة السعيدة ” مرورا بـ”مغرب المدن الإمبراطورية”، كان ليوطي حريصا على إقناع المستثمرين الفرنسيين والمهاجرين والسياح من الجزائر وفرنسا بمنافع القدوم إلى المغرب فبدأ يلوح لهم بالأحلام والأمجاد التي سيعيشونها في المغرب.

وقد نجح في مبتغاه بشكل لافت للنظر، لدرجة أنه سلاح الدعاية للسياحة الثقافية الجماهيرية أو النخبوية ظل ولازال مستعملا من طرف جميع شركات السياحة على مدى قرن من الزمان.

* ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *