وجهة نظر

دعونا نعلم ابناءنا التسامح

القدس الشريف

لايستطيعُ أحدٌ أن ينكر أنّ اغلب المجتمعات في هذا العالم تتشكل من نسيج مختلط من الأديان والثقافات التي يجمعها ظل الدولة التي ينتمون إليها ويعملون من أجلها ومن أجل مستقبل أبناءهم بها، نسيرُ في هذه المعمورة يومياً يوحدنا الله تعالى وتجمعنا الارض، ويجب أن لايفرق العرق والمعتقدات في تقاربنا، نعيش أتباعاً لأنبياء الله  عليهم أفضل السلام، على أرض واحدة نشرب من نفس الماء، ونسير في نفس الطرقات، ونتنفس نفس الهواء، لنجعلْ هذا الهواء يملؤه التسامح؛ من أجل مستقبل أبناءنا ومستقبل العالم.

يجب علينا أن نعلم أبناءنا التسامح؛ لما فيه من خير وفائدة على مستقبل الأجيال ومستقبل العالم، يجب علينا كمسلمينَ أن نقوم بإحضار شجرة عيد الميلاد إلى بيوتنا، وتزينها، وانارتها؛ لغرس التسامح والتقارب في نفوس اطفالنا، حتى يقوموا بدورهم بنقل وغرس هذه الثقافة في نفوس اطفالهم ايضاً، ويجب علينا كمسيحيين أن نقوم بتوزيع الحلوى بذكرى المولد النبوي الشريف؛ لأنّ  النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- هو نبي الله وخاتم الانبياء والمرسلين وهو من دعا وحمل رسالة الله تعالى للسلام والتسامح والمحبة إلى جانب سيدنا عيسى عليه السلام وأنبياء الله تعالى.

دين الله باختلاف مسميات كتبه لم يكن يوماً إلا ديناً للتسامح والإخاء، يدعو إلى التقارب، وإلى اندماج الشعوب لعمارة الأرض بالخير من أجل ازدهارها الذي له أعظم الشأن على ازدهار وتطور الحياة للمجتمعات المختلفة، وبناء مستقبل مشرق للأجيال.

كم هو جميل أن نرى الاطفال المسلمين يتزاحمون للتصور أمام شجرة عيد الميلاد بالساحات العامة، وهم فرحون بمنظرها الجميل الذي يدعو النفس إلى الراحة والطمأنينة، وإلى حب الآخر، وكم هو جميلٌ أن نراهم يتسابقون إلى بيت اخوتهم المسيحيين للحصول على البيض الملون في العيد، وكم تكون مقدار سعادتهم  في راس السنه الميلادية عندما يخلدون الى النوم من اجل الاستيقاظ صباح على أمل ان يأتي “بابا نويل” ويضع الهدايا تحت وسادتهم ،وكم هو جميل أن نرى أطفال المسيحيين يرتدون ثياب العيد ويلعبون بالاعياد الإسلامية بين اخوتهم المسلمين في الساحات العامة، ويقتسمون معهم حلوى العيد بأجمل وأبهى صورة.
ولان طبيعة المجتمعات مبنية  على افكار متعددة تم تلقيها من معتقدات من هم قبلنا، فانقسمنا بها بين مؤيد، ومحايد، ومعارض، فان كل منا يسير في هذه المعمورة على أسس وقواعد تربى عليها، وبعضنا فهمها وغيّر فيها، والبعض الآخر تلقاها واكتفى بالسير عليها؛ من أجل ذلك دعونا نزرع في عقول الأجيال القادمة التسامح من أجل تغيير بعض أو مجموعة من الأفكار التي لا تدعو إلى التسامح والتقارب والسّلام، دعونا نخلق في حياتنا مفهوم الحياة المشتركة بين المجتمعات وبين الاديان، دعونا نزرع في نفوس أطفالنا ثقافة المشاركة في مناسبات الأديان الأخرى حتى نتعلم ونعلم بعضنا، ونكون قريبينَ من بعضنا البعض، دعونا نُفشي السلام كما طلبت منا الاديان السماوية؛ نفشي السّلام من أجل أن يعُمّ التسامح والتقارب، ومن أجل أن نُسقط أقنعة من الأفكار والمعتقدات التي من شأنها أن تدمر حياتنا، وحياة اطفالنا، ومستقبلَ الأجيال القادمة.

دعونا نعلم ابناءنا أن التّسامح هو أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية، وطلب إنساني نبيل دَعَت إليه الأديان كافة، وكيف لا تدعو إليه وقد أرادته الحكمة الإلهية واقتضته الفِطرة الإنسانية، واستوجبته النشأة الإجتماعية، وفرضته المجتمعات المدنية وحتّمته، فهو من أبرز القِيَم الحضارية والمَدنية النبيلة، دعونا نربي ابناءنا على ما دعا اليه الله تعالى في كتبه.

اذاً دعونا نعيش على نهج خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- عندما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة وجد بها يهودًا توطنوا، ومشركين مستقرين، فلم يتجه فكره إلى رسم سياسة للإبعاد أو المصادرة والخصام، بل قَبِل وجود اليهودية والوثنية، وعَرض على الفريقين أن يعاهدهم معاهدة النّد للنّد، على أن لهم دينهم وله دينه، وهذه الوثيقة تنطق برغبة المسلمين في التعاون الخالص مع يهود المدينة، لنشر السكينة في ربوعها، والضرب على أيدي العادين ومدبِّري الفتن، أيًّا كان دينهم.  إن الإسلام يعُدُّ أنبياء الله  – عليهم السلام – اخوة   وشركاء  في الدعوة إلى الله تعالى ويعد  الرسالات السماوية التي انزلها الله تعالى على أنبياءه المرسلين اجزاء تكمل بعضها البعض وجميعها لخير البشرية.

واختم بقول الله تعالى في محكم تنزيله الآية 13 من سورة الحجرات:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”.

صدق الله العظيم