آخر أخبار الرياضة

المحكمة الدستورية والنظام الداخلي لمجلس المستشارين .. قراءة في القرار رقم 107/20

أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 16 ذي الحجة 1441 الموافق لـ 6 غشت 2020 قرارا يتعلق بالبت في مطابقة التعديلات المتعلقة بالنظام الداخلي لمجلس المستشارين للدستور، وذلك عملا بأحكام الفصلين 69 (الفقرة الأولى) و132 (الفقرة الثانية) من الدستور، والمادة 22 (الفقرة الأولى) من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، وهي التعديلات التي أقرها مجلس المستشارين بالإجماع في جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 23 يوليو 2020.

هذا القرار يمثل تحولا واضحا في تعاطي القضاء الدستوري مع النظام الداخلي للبرلمان، ويعتمد تأويلات جديدة لمقتضيات الدستور ذات الصلة، ويطرح صعوبات حقيقية على مستوى ترتيب الآثار، لذلكنحاول من خلال هذه الورقة التعليق على هذا القرار انطلاقا من: بيان الأسباب الموجبة لتعديل النظام الداخلي لمجلس المستشارين (1) مع تقديم قراءة تحليلية/نقدية للحيثيات التي استندت عليها المحكمة الدستورية لتعليل قرارها القاضي بـ”تعذر البت على الحال، في مطابقة تعديلات النظام الداخلي لمجلس المستشارين للدستور” وهي أساسا: مفهوم الوحدة العضوية للنظام الداخلي للمجلسين (2) ومفهوم التكامل والتناسق بين النظامين الداخليين للمجلسين (3)

(1)

الأسباب الموجبة لتعديل النظام الداخلي/ الأهداف الدستورية المتوخاة

لا يخفى على الجميع أن افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية 2019-2020 تم في ظل ظرف استثنائي عاشته بلادنا على غرار باقي دول العالم، والمتمثل في تفشي وباء كورونا المستجد، وهو ما استدعى اتخاذ مجموعة من التدابير الصحية الوقائية التي أثرت في طريقة اشتغال العديد من المؤسسات ومنها المؤسسة البرلمانية، وهكذا اتخذ مجلس المستشارين بعد تشاور بين كافة أجهزته وهيئاته، مجموعة من التدابير والإجراءات الاحترازية لتدبير سيره العادي، وذلك من أجل تمكين أعضاء المجلس من ممارسة حقوقهم الدستورية المستمدة من تمثيليتهم للأمة، مع احترام الإجراءات والتدابير التي أوصت بها السلطات الصحية.

لقد كشف التعاطي مع هذا الوضع على وجود مجموعة من الفراغات على مستوى النظام الداخلي للمجلس، سواء ما يتعلق منها بكيفية اشتغال المجلس في ظل حالة الطوارئ الصحية، أو فيما يرتبط بالوضعيات المماثلة التي نص عليها الدستور كحالة الاستثناء وحالة الحرب وحالة الحصار.

كما أن لجوء الحكومة خلال هذه الفترة إلى سن مشروع قانون مالية معدل استلزم ضرورة تتميم الأحكام المتعلقة بمناقشة القوانين المالية المعدلة والتصويت عليها، أخذا بعين الاعتبار أن لجوء الحكومة إلى إحداث صندوق خصوصي لمواجهة تداعيات تفشي وباء فيروس كورونا، يستلزم بدوره وضع آلية قانونية للإخبار كما هو منصوص عليه في المادة 26 من القانون التنظيمي رقم 130.13 المتعلق بقانون المالية.

ولأن ورش تعديل مقتضيات النظام الداخلي للمجلس تم فتحه خلال هذه المرحلة، فقد كانتمناسبة لإتمام التزامات المجلس الدستورية المرتبطة بتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وهي المقتضيات المحكومة بآجال قانونية محددة.

وهكذا فإن الخطوط العريضة لتعديل النظام الداخلي تمثلت في:

 سن أحكام خاصة تتعلق بكيفياتاشتغالالمجلسفيالظروف والأحوال غير العادية، ويتعلق الأمر بـ:

– حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 من الدستور؛

– حالة الحصار المنصوص عليها في الفصلين 49 و74 من الدستور؛

– حالة إشهار الحرب المنصوص عليها في الفصلين 49 و99 من الدستور؛

– حالة الطوارئ الصحية المنظمة بموجب المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 من رجب 1441 (23 مارس 2020) المصادق عليه بالقانون رقم 23.20 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.60 بتاريخ 05 من شوال 1441 (28 ماي 2020)؛

– كل حالة أخرى منظمة بنص تشريعي.

 تفصيل الأحكام الخاصة بمناقشة قوانين المالية المعدلة والتصويت عليها؛

 شرح طريقة إخبار لجنة المالية بالمجلس بإحداث أي حساب خصوصي للخزينة خلال السنة المالية بمرسوم، تطبيقا لأحكام المادة 26 من القانون التنظيمي 130.13 يتعلق بقانون المالية.

 إدراج المقتضيات المرتبطة بالتزامات المجلس الواردة في القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.

غير أن قرار المحكمة الدستورية أثارالكثير منعلامات الاستفهامذات العلاقة النسقية بين النص الدستوري ومآلات القرار، سواء بالنسبة للفاعلين في المجال البرلماني أو لدىالمختصين، الذين كانوا يتطلعونإلى كيفية تفاعل القضاء الدستوري مع هذه المقتضيات التي أثيرت لأول مرة،والتي جاءت لملأ الفراغ الموجود على مستوى النظام الداخلي للمجلس.

فكيف تعاملت المحكمة الدستورية مع هذه التعديلات؟

(2)

قراءة تحليلية/ نقدية لمنطوق قرار المحكمة الدستورية

الوحدة العضوية للنظام الداخلي” !

لقد صرحت المحكمة الدستورية في قرارها الذي يحمل رقم 107/20 بأن “المقترح القاضي بتغيير وتتميم النظام الداخلي”، المعروض على أنظار المحكمة الدستورية، يتعذر البت، على الحال، في مطابقته للدستور.
وقد عللت المحكمة قرارها باعتبارين اثنين:

الاعتبار الأول، يتعلق بالشكل، شكل الإحالة، وهو يستند إلى ما أسمته المحكمة بـ”الوحدة العضوية” للنظام الداخلي للمجلس، حيث اعتبرت أنه ” كان يجب إحالة التعديلات الواردة على النظام الداخلي، بعد المصادقة على النص برمته، على النحو المحدد في مقتضيات الجزء العاشر من النظام الداخلي المذكور، إلى المحكمة الدستورية، مضمنة في النص الكامل لهذا النظام، احتراما للوحدة العضوية للنظام الداخلي المستخلصة من أحكام الدستور المشار إليها” واعتبرت المحكمة بأن “مجلس المستشارين إذا كان قد تقيد في وضع تعديلات النظام الداخلي بمقتضيات الجزء العاشر المشار إليه، فإن إحالته، للنظام الداخلي المعدل إلى المحكمة الدستورية، في شكل مواد مستحدثة متممة للنظام الداخلي الساري، وتعديلات على مواد أخرى منه، دون تضمينه النص الكامل لكافة مواده، لم تحترم فيها الوحدة العضوية للنظام الداخلي المستخلصة من أحكام الدستور السالفة الذكر، ولم تراع في وضعه أحكام الفصل 69 من الدستور”..

إذن يتضح من هذا التعليل الشكلي أن نظر المحكمة يعتبر بأن عدم إحالة النص الكامل متضمنا للتعديلات الجديدة فيه إخلال بـ”الوحدة العضوية للنظام الداخلي”، وزادت المحكمة أن (هذه) الوحدة العضوية مستخلصة من أحكام الدستور..”!

وهنا لابد من تفكيك هذا المفهوم (الوحدة العضوية) والتعليق على التوظيف الغير الموفق لهذا المفهوم وبيان ضعف تعليل المحكمة بناء على هذا المفهوم.

ماذا تعني المحكمة الدستورية بـ”احترام الوحدة العضوية للنظام الداخلي”، وكيف تفهم هذه الوحدة؟ هل المقصود بالوحدة العضوية هو ذلك التكامل بين المواد والترابط في مقتضياته، وذلك التناسق المطلوب بين مواده؟ أم إنها تفهم من الوحدة العضوية هو ذلك المقتضى الشكلي المتعلق بإحالة التعديلات الجديدة مدمجة في النص برمته؟

إن مقتضيات الجزء العاشر من النظام الداخلي لمجلس المستشارين الذي استندت إليه المحكمة ليس فيه ما يلزم المجلس بإحالة النص برمته، حيث إن مقتضيات المادة 369واضحة في هذا الشأن ” بعد موافقة المجلس على التعديلات الواردة على النظام الداخلي، يحيلها رئيس المجلس إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها لأحكام الدستور، طبقا لمقتضيات الفصلين التاسع والستين 69والثاني والثلاثين بعد المائة 132 من الدستور، والمادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية.

فليس من باب العبث أن يميز النظام الداخلي للمجلس بين النظام الداخلي وبين التعديلات التي يتم إدخالها عليه، وهو نفس التمييز الذي جرى عليه القانون التنظيمي رقم 13-66 المتعلق بالمحكمة الدستورية في المادة 22، بحيث نصت الفقرة الأولى منها على ما يلي: “يحيل رئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين على الفور النظام الداخلي لمجلس النواب والنظام الداخلي لمجلس المستشارين، وكذا التعديلات المدخلة عليهما بعد إقرارها من قبل كل من المجلسين المذكورين، قبل الشروع في تطبيقهما، إلى المحكمة الدستورية قصد البت في مطابقتها للدستور.

ومما يعزز هذا التفسير ماذهبت إليه قرارات المحكمة الدستورية نفسها عندما قضت في قرارها رقم 102/20 بمناسبة النظر في التعديلات التي أدخلت على النظام الداخلي لمجلس المستشارين “بأن لا موجب لفحص دستورية مواد النظام الداخلي المعدل بمجلس المستشارين الذي سبق للمحكمة الدستورية أن صرحت بمطابقتها للدستور”، بل إن المجلس الدستوري في قرار سابقوهو القرار رقم : 98/ 213 بمناسبة النظر في مقتضيات النظام الداخلي لمجلس المستشارين قضى فيه بأنه “لا محل لفحص دستورية مواد النظام الداخلي لمجلس المستشارين التي سبق للمجلس الدستوري أن صرح بمطابقة مضمونها للدستور عند مراقبته لدستورية النظام الداخلي لمجلس النواب المقتبسة منه تلك المواد حسبما سلف بيانه” وقد استند هذا القرار على “مراعاة الحجية المطلقة التي تكتسيها قرارات المجلس الدستوري بمقتضى الفصل 81 من الدستور، إذ إن حجية هذه القرارات لا تقتصر على النص الذي صدرت في شأنه بل تمتد إلى أي نص آخر تجمعه وإياه وحدة الموضوع والسبب، كما هو الحال في النظام الداخلي لمجلس المستشارين بالنسبة إلى النظام الداخلي لمجلس النواب”.

إن مبدأ الحجية المطلقة لقرارات القضاء الدستوري هو نفس المبدأ الذي اعتمد عليه المجلس الدستوري في قرار سابق له يحمل رقم : 245 / 98 صدر بتاريخ 1998/09/18 والذي يتعلق بالنظر في دستورية القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الدستوري نفسه، حيث علق على المادة 4 المعدلة بقوله: “حيث إن التعديل المدخل على الفقرة الأولى من هذه المادة يتمثل في إضافة عضوية مجلس المستشارين إلى المهام التي لا يجوز الجمع بينها وبين عضوية المجلس الدستوري؛وحيث إن تنافي عضوية مجلس المستشارين مع عضوية المجلس الدستوري سبق أن قررته الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون التنظيمي رقم 97-32 المتعلق بمجلس المستشارين الذي صرح المجلس الدستوري ، في قراره رقم 97/125 الصادر في 26 أغسطس 1997 ، بأن جميع مواده تكتسي طابع قانون تنظيمي وليس في مضمونها ما يخالف الدستور؛وحيث إنه، والحالة هذه، لا محل لإعادة فحص دستورية التعديل المدخل على المادة 4 المتحدث عنها، وذلك مراعاة للحجية المطلقة التي تكتسيها قرارات المجلس الدستوري عملا بأحكام الفصل 81 من الدستور”.

وتجدر الإشارة أن مجلس المستشارين سبق له أن أحال على المحكمة الدستورية في نسختها السابقة سنة 2015 في الشهر الأول من الولاية التشريعية الحالية تعديلين اثنين في إطار مادة فريدة يتعلقان بالمادة 46 و53 من النظام الداخلي المتعلقين بتقليص نصاب تشكيل الفريق البرلماني، وتقليص عدد أعضاء اللجان الدائمة انسجاما مع الانخفاض الذي حصل في عدد أعضاء مجلس المستشارين” وذلك في إطار مادة فريدة، بعد المصادقة عليها في الجلسة العامة، وأحالها على المحكمة الدستورية لفحص الدستورية دون إرفاقها بمقتضيات النص برمته، وهو ما لم تجد معه المحكمة الدستورية آنذاك أي مانع يتعذر معه النظر في مدى دستورية المادة المعدلة.

وعموما، فإن إحالة نص النظام الداخلي كاملا على المحكمة الدستورية يكون عند تعديل الدستور والقوانين التنظيمية التي بناء عليها وفي ضوء مقتضياتها تم وضع النظام الداخلي الأصلي، أما دون هذه الحالة، فإن التعديلات الجزئية المدخلة على النظام الداخلي تحال مجزأة ومستقلة عن النظام الداخلي الأصلي الذي سبق للمحكمة الدستورية أن قضت بدستوريته، وهو التوجه الذي أقرّه القاضي الدستوري في قراره رقم 928 بتاريخ 14 نونبر 2013، حيث جاء فيه :” وحيث إنه، إن كان لا شيء يحول دون احتفاظ مجلس المستشارين، في نظامه الداخلي، بعدد من مقتضيات النظام الداخلي السابق غير المتعارضة مع أحكام الدستور، فإن إحالة نظام داخلي على المجلس الدستوري، بعد دخول هذا الدستور (لسنة 2011) حيز التنفيذ، في شكل تعديلات على “النص الأصلي” ودون تضمينه النص الكامل لكافة مواده، يجعل هذا النظام لم تراع في وضعه أحكام الفصل 69 من الدستور”.

فما هي الغاية إذن من التشبث بضرورة إحالة النص برمته، إذا كان مبدأ الحجية المطلقة مانعا لإعادة فحص الدستورية بالنسبة للمقتضيات التي سبق البت فيها؟

وما الذي تغير بين الأمس واليوم، إذا كان هذا هو توجه القضاء الدستوري سواء في عهد المجلس الدستوري أو في عهد النسخة السابقة من المحكمة الدستورية؟!

يتضح إذن من خلال قرارات المحكمة الدستورية نفسها، بأن إقحام مفهوم “الوحدة العضوية” في هذا القرار لا تسعفه قرارات المحكمة الدستورية نفسها وهو “اجتهاد” مردود عليه، وتعليل في غير محله، ويخرج عما هو ثابت فقها، وما جرى به العمل قضاء في هذا الباب.

فماذا عن الاعتبار الثاني؟

(3)

حول التكامل والتناسق بين النظامين الداخليين للمجلسين

الاعتبار الثاني الذي استندت إليه المحكمة في تعليلها يتعلق بضرورة مراعاة التكامل والتناسق بين النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، حيث أشارت المحكمة إلى أحكام الفقرة الثانية من الفصل 69 من الدستور التي تنص على أنه “يتعين على المجلسين، في وضعهما لنظاميهما الداخليين، مراعاة تناسقهما وتكاملهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني” واعتبرت بأنه إذا” كان لمجلس المستشارين حرية إدخال أي تعديل على نظامه الداخلي، وتقدير الظروف التي تستلزمه، تبعا لاستقلاليته في تدبير شؤونه الداخلية، ومراعاة لخصوصية تكوينه، فإن ما يتطلبه الدستور من تناسق وتكامل، يبقى قيدا يتعين على كل مجلس من مجلسي البرلمان مراعاته، سواء عند وضع نظامه الداخلي أو بمناسبة تعديله، لاسيما فيما يهم إعمال الأحكام الدستورية المتعلقة بممارسة أعضاء المجلسين لحقهم الشخصي في التصويت (الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور)، وبأداء واجباتهم في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة (البند الثاني من الفقرة الأخيرة من الفصل 69 من الدستور) مما أوكل الدستور تنظيمه وتحديد كيفياته إلى النظام الداخلي”.

وهنا سنناقش هذا التعليل انطلاقا من اجتهادات المحكمة الدستورية نفسها، حيث سبق للمحكمة الدستورية أن تناولت موضوع التكامل والتناسق بين النظامين الداخليين للمجلسين في قرارات سابقة، من بينها القرار الذي يحمل رقم 93/19الصادر بتاريخ: 2019/07/09 وذلك بمناسبة النظر في دستورية النظام الداخلي لمجلس المستشارين، حيث اعتبرت المحكمة أن ” “مُراعاة التناسق والتكامل”، باعتباره قيدا على مبدإ استقلالية كل مجلس بِوضع نظامه الداخلي، يُعد قاعدة دستورية، يتعين على مجلسي البرلمان التقيد بها أثناء وضع نظامهما الداخلي أو بمناسبة تعديله، كما أنه يُلزم المحكمة الدستورية من التثبت والتحقق من مدى احترامه، بمناسبة إحالة الأنظمة الداخلية إليها للبت في دستوريتها”، غير أنالمحكمة أضافت في نفس القرار: “وحيث إن مراعاة التناسق والتكامل بين النظامين الداخليين للمجلسين يهُم الأحكام الدستورية التي تُخاطب البرلمان بمجلسيه، أو الأحكام التي تتطلب تنسيقا في الإجراءات التي يتوقف عليها نفاذها، ومن شأن استقلال كل مجلس بتنظيمها، دون مراعاة لما يتطلبه الدستور في الموضوع، أن يُخل بنجاعة وحكامة العمل البرلماني، ويُحول مجلسي البرلمان الواحد إلى برلمانين مستقلين؛”.

وهنا يظهر بشكل واضح أن المحكمة ملزمة بالتثبت والتحقق من مدى مراعاة “التناسق والتكامل” في المقتضيات التي أحيلت على المحكمة الدستورية لفحص دستوريتها، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا عن طريق النظر في الموضوع، لأن مهمتها هي التأكد من “التناسق والتكامل” بين مقتضيات النظامين الداخليين للمجلسين.

فهل وقفت المحكمة على ما يفيد وجود مقتضيات تتنافى مع التناسق والتكامل بين المجلسين فيما يتعلق بمواد النظام الداخلي لمجلس المستشارين المحالة عليها من أجل فحص الدستورية؟ وهل تأكدت المحكمة بأن التعديلات الجديدة تتعلق بالأحكام الدستورية التي تُخاطب البرلمان بمجلسيه، أو الأحكام التي تتطلب تنسيقا في الإجراءات التي يتوقف عليها نفاذها، والتي من شأن اعتمادها الإخلال بنجاعة وحكامة العمل البرلماني؟، أم إن المحكمة تناهى إلى علمها بأن التعديلات التي اعتمدها مجلس المستشارين لم تكن محل رضى من طرف مجلس النواب، خصوصا وأن رئيس مجلس النواب سبق له أن صرح بشكل علني عن عدم دستورية نظام التصويت عن بعد، في تحد معلن للمحكمة الدستورية؟، وهنا لابد من التذكير بأن القاضي لا يحكم بعلمه، وإنما يستند إلى ما لديه من حجج وبيانات، علما أن تصريحات السيد رئيس مجلس النواب تعبر عن رأيهالشحصي، ولم يعقبها تفعيل مؤسساتي لمقتضيات المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية.

ولاحاجة للتذكيرأيضا، بأن المحكمة ليست ملزمة بالتأكد من شكلية التنسيق بين المجلسين فيما يتعلق ببعض المقتضيات التي لا تتعلق بالقضايا المشتركة، لأن التنسيق بين المجلسين -من الناحية الشكلية- ليس مقصودا لذاته، وإنما يتم بغرض تحقيق التناسق والتكامل، وهو ما ينبغي الحرص عليه كل ما دعت إليه الضرورة في إطار المادة264 و265 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين وفي إطار المادة 238 و239 التي تقابلها في النظام الداخلي لمجلس النواب، ومن نافلة القول أن هذا التنسيق لاحاجة به إذا كان المقتضيات المعنية لا تتضمن ما يمكن اعتباره إخلالا بنجاعة وحكامة العمل البرلماني.
ومن جهة أخرى، وطبقا لقرار المحكمة الدستورية سالف الذكر، فإن مراعاة التناسق والتكامل بين النظامين الداخليين للمجلسين يهُم الأحكام الدستورية التي تُخاطب البرلمان بمجلسيه، أو الأحكام التي تتطلب تنسيقا في الإجراءات التي يتوقف عليها نفاذها..

فهل تأكدت المحكمة من طبيعة المقتضيات المحالة عليها ووجدت فيها ما يتعلق بالأحكام المشتركة التي تخاطب البرلمان بمجلسيه؟ وهل اطلعت المحكمة على مضامين المقتضيات المحالة عليها وتأكدت من كونها مندرجة في إطار الأحكام التي يتطلب تنفيذها التنسيق بين المجلسين؟وقبل ذلك من هو المجلس البرلماني المعني بقيد مراعاة التنسيق؟ فهل هو المجلس الذي يأخذ المبادرة لتعديل نظامه الداخلي أولا؟ أم المجلس الآخر الذي يقوم بذلك في مرحلة لاحقة؟ وما هو الحل القانوني في حالة اختلاف المجلسين على طريقة معالجة مواضيع معينة؟ إن المحكمة لم تكلف نفسها عناء النظر في الموضوع، وأبدعت مسلكا جديدا لا سابقة له، وهو: الحكم على الموضوع دون الاطلاع عليه..!!

لقد سبق للمجلس الدستوري في قرار سابق يحمل رقم 213/98 صادر بتاريخ 28 ماي 1998 أن أقر مبدأ استقلالية كل مجلس من مجلسي البرلمان في ممارسة الوظيفة التشريعية، وذلك بعد رفضهلإحدى مواد النظام الداخلي لمجلس المستشارين، وهي المادة 85 التي كانت تنص على أن “كل عضو في مجلس المستشارين قدم مقترح قانون إلى المجلس الذي ينتمي إليه يجوز له أن ينيب عنه عضوا من مجلس النواب بعد إحالة الاقتراح عليه ليقدمه أمامه” حيث اعتبرت المحكمة أن “هذه المادة بما تنطوي عليه من تدخل لأعضاء من مجلس المستشارين في عمل مجلس النواب تخل بمبدأ استقلال المجلسين بعضهما عن بعض، وتعد لذلك غير مطابقة للدستور”.

وهو ما يستفاد منه أن المحكمة الدستورية ملزمة بالنظر في الموضوع قصد البت في مدىتأثير التعديلات الجديدة على التناسق والتكامل بين المجلسين، أو ما يمكن اعتباره مسا باستقلال أحدهما عن الآخر.

لقد ذهبت المحكمة في قرارها إلى القول بأنه ” لئن كان لمجلس المستشارين حرية إدخال أي تعديل على نظامه الداخلي، وتقدير الظروف التي تستلزمه، تبعا لاستقلاليته في تدبير شؤونه الداخلية، ومراعاة لخصوصية تكوينه، فإن ما يتطلبه الدستور من تناسق وتكامل، يبقى قيدا يتعين على كل مجلس من مجلسي البرلمان مراعاته، سواء عند وضع نظامه الداخلي أو بمناسبة تعديله، لاسيما فيما يهم إعمال الأحكام الدستورية المتعلقة بممارسة أعضاء المجلسين لحقهم الشخصي في التصويت (الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور… مما أوكل الدستور تنظيمه وتحديد كيفياته إلى النظام الداخلي”.

إنتقنية “تعذر البت”، التي وظفها القضاء الدستوري بالمغرب منذ تجربة الغرفة الدستورية، وحافظ على توظيفها خلال تجربة المجلس الدستوري، وحاليا مع المحكمة الدستورية، لا سيما في القرارات رقم:31.17، 80.18، 96.19،قد تثار عندما يلاحظ ويستنتج القاضي الدستوري وجود:

-مخالفة المسطرة التشريعية المقررة للتصويت على النص؛

– غياب أساس قانوني لموضوع الطلب؛

– عدم تضمين النص موضوع فحص الدستورية لعناصر تعد من مشمولاته الأساسية.

وفيما دون هذه الحالات، فهو يقضي إما بالدستورية أو عدم الدستورية.

لذلك، فإن التصريح بتعذر البت لا يتوافق مع ما جاء في مأخذ قرار المحكمة الدستورية من ضرورة مراعاة تناسق وتكامل النظامين الداخليين للمجلسين، والذي يوحي على أن هذه المحكمة قد تجاوزت فعلا التثبت من مسطرة الدراسة والتصويت على مقترح تعديل وتتميم النظام الداخلي لمجلس المستشارين، ومشمولاته وعناصره، إلى فحص مضامين مواده، وخلصتبعد ذلك إلى عدم مراعاة المجلس لمبدأ انسجام وتكامل النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، وهو الأمر الذي لم تقم به في هذا القرار، وهكذا تكون المحكمة الدستورية قد سجلت نوعا جديدا من التقييدات التي حاولت إقراره ضدا على مقتضيات الدستور.

وإذا كانت المحكمة قد أقرت بأن الدستور منح الحرية لمجلس المستشارين في إدخال أي تعديل على نظامه الداخلي تبعا لاستقلاليته في تدبير شؤونه الداخلية ومراعاة لخصوصية تكوينه، فكيف يستقيم تقييد هذه الحرية بضرورة التنسيق مع مجلس النواب في مقتضيات لا تتعلق بالقضايا المشتركة بين المجلسين؟ وكيف أمكن للمحكمة الدستورية أن تقحم “الأحكام الدستورية المتعلقة بممارسة أعضاء المجلسين لحقهم الشخصي في التصويت (الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور)ضمن مشمولات القضايا التي ينبغي أن يتم فيها التنسيق بالضرورة؟، وعلى أي أساس استندت المحكمة الدستورية للجزمبعدم التنسيق بين المجلسين في التعديلات الجديدة التي لا علاقة لها بمجلس النواب، خصوصا وأن قرار المحكمة سجل في مستهله “عدم توصل هذه المحكمة بأية ملاحظات كتابية، في إطار المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بها”؟

إنها أسئلة لم نجد لها جوابا داخل القرار، مما يعني أن إقحام مبدأ التناسق والتكامل بين المجلسين يشكل مخرجا لا أساس ولا سند له، بحيث إن التعديلات الجديدة لا تستوجب التنسيق مع مجلس النواب، فضلا على أنها لا تؤثر في التناسق والتكامل بين المجلسين، مما يجعل قرار المحكمة الدستورية بتعذر البت محكوم لا تستقيم دستوريامرجعا ومنهاجا، مما يعني أن المهم ليس ما جاء في قرار المحكمة الدستورية، ولكن الأهم هو ما سكت عنه ، مما أهدر فرصةالبت في تعديلات كان الشرف لمجلس المستشارين أن يبت فيها لأول مرة في تاريخ الأنظمة الداخلية للبرلمان المغربي.

* أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *