ملف

“مملكة التناقضات .. المغرب في مائة سؤال”: هل المغرب بلد متوسطي أم أطلسي؟ (ح 15)

Expatriation-Maroc-Rabat

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 15: هل المغرب بلد متوسطي أم أطلسي؟

هذا القوس الجبلي له واجهتين بحريتين، إحداهما على البحر الأبيض المتوسط والأخرى على المحيط الأطلسي. وهي ذات أهمية ثقافية وسياسية كبيرة لأنها رسمت ملامحه التاريخية، فالريف، الواقع في شمال البلاد، لديه جانب في جنوبه الغربي يطل على وسط المغرب وعلى المحيط الأطلسي وله جانب في شماله الشرقي يطل على البحر الأبيض المتوسط.

كما أنه المنطقة المتوسطية الحقيقية الوحيدة في البلاد، من وجهة نظر مناخية ونباتية. وبما أن له تربة فقيرة وكلها منحدرات فإنه يشبه منطقة القبايل الجزائرية، خاصة وأن هذه الأخيرة مثل الريف، مكتظة بالسكان، وسكان الريف يعتمدون دائماً على الخارج في مواردهم المهددة بتقلبات المناخ والاكتظاظ السكاني.

هل يمكن تصنيف المغرب، مثل باقي بلدان المغرب الكبير، كبلد متوسطي؟ من الناحية المناخية، هو فضاء تلتقي فيه أربعة تأثيرات مناخية رئيسية وتداخلت: المتوسطية والمحيطية والجبلية والصحراوية. والنتيجة العامة هي أنه بلد حار في الصيف ومعتدل في الشتاء ويخضع لنظام تساقطات مطرية غير منتظمة (الجفاف يضرب سنة واحدة من أصل كل ثلاث سنوات) وبشكل عشوائي في الجنوب.

أما موسم الصيف، الذي يستمر ما يقرب من ستة أشهر، هو جاف للغاية، وقد يسجل هطول أمطار غزيرة أو حدوث عواصف خريفية. أما مناخ البحر الأبيض المتوسط فهو أكثر اعتدالا وأكثر رطوبة، ولكنها رطوبة تتناقص عندما نقترب من الجنوب أو الشرق بينما في المرتفعات العالية والعالية جدا – أكثر من 3000 أو 4000 متر – فإن الظروف المناخية تصبح خاصة جدا.

تاريخياً، الأمازيغ في المغرب هم في الغالب سكان الجبال ويشتغلون بالفلاحة وتربية الماشية ويعتمدون في طعامهم على الثلاثي المعروف المتوسطي – القمح والكروم والزيتون – مع هيمنة النخيل والحبوب في الجنوب.

في هذا المشهد المليء بالفوارق الدقيقة والتحولات، تستقر المجتمعات المتوسطية الوحيدة على واجهة البحر الأبيض المتوسط، في الريف، في منطقة طنجة (بلاد جبالة) والمنطقة الشرقية.

إن الأنثروبولوجيا المتوسطية تصنف هذه المجتمعات بكونها أمازيغية، ولكن كلما توجهنا نحو الجنوب، كلما أصبح تأثير الجبال قويا أكثر على الأفراد والمجتمعات وينتهي المغرب على ضفاف المحيط الأطلسي الذي يمتاز على الدوام بعلو أمواجه فلا يغامر البحارة كثيرا بالتوغل فيه بسفنهم.

ومع ذلك، في القرن العشرين، حدثت ظاهرة مثيرة للاهتمام على السواحل الأطلسية وهي أن الساحل يستأثر بغالبية سكان البلاد وأغلبية الأنشطة الاقتصادية وعلى الخصوص من مدينة أسفي جنوبا إلى مصب نهر سبو شمالا وذلك بسبب الهجرة البطيئة والضخمة من سلاسل الجبال في الجزء الأوسط والجنوبي من البلاد إلى الدار البيضاء التي انتقل حجم سكانها من 000 20 إلى 5 ملايين نسمة في قرن من الزمان، وإلى المدن الساحلية الأخرى.

إن المغرب الجبلي الداخلي لا يزال موجودا لكنه فقدت الكثير من جاذبيته. ونتيجة لهذه الهجرة الكبيرة، ظل الريف والشمال أكثر كثافة حيث يتوجه تدفق المهاجرين من جهة إلى وجدة وطنجة وتطوان والناظور إلى الشمال، ومن ناحية أخرى إلى أوروبا (ما يقرب من 3 ملايين شخص). وهكذا، فإن المغرب أصبح أكثر فأكثر أطلسياً وأقل متوسطيا.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *