وجهة نظر

دروس الربيع تصنع شروط التحرر

مداخلة أحمد بوعشرين الانصاري في ندوة “الواقع العربي…ربيع الثورة وخريف الفوضى” / باريس 21 يناير 2017:

يخطأ في تقديرنا من يعتقد بأن ربيع الثورات الذي عرفته بعض شعوب الأمة لم يأت بنفع، فصحيح جاء بعده خريف المخطط المضاد للثورات، لكن أصح منه أن هذا الربيع أتانا بنفعين سيكون لهما أثر فعال وراشد في استكمال حلقات الموجة التحررية مستقبلا:

أولهما أن هذا الربيع كان عاملا حاسما لفرز واضح وشفاف لمعسكرين أساسيين:

معسكر تحرير الإرادة الشعبية وتحرر الأمة من ربق الاستبداد والاحتلال الغاشم لأراضيها، واصطف فيه كل الفضلاء قوى وفعاليات وحتى دولا.

ومعسكر خصوم هذا التحرير وقد تواطئوا وتحالفوا موضوعيا أو ذاتيا للتصدي لهذه الموجة التحررية.

ثانيهما أن هذا الربيع أتى بعبر كبرى نافعة لتصحيح مسار هذه الموجات التحررية والثورية التي غمرت المنطقة، نجملها في عشر عبر:

عشر عِبر من ربيع الثورات

العبرة الأولى: أن إسقاط أنظمة الاستبداد هو شرط أساسي للتحرر لكنه غير كاف لوحده، ويكون كافيا بالتحضير للبديل الديمقراطي دولة ومجتمعا؛

العبرة الثانية: التعاقد العمودي بين الدولة والمجتمع شرط أساسي لإقرار الديمقراطية لكنه غير كاف وكفايته رهينة بتكامله مع تعاقد أفقي بين قوى المجتمع يؤسس لتوافقات مجتمعية كبرى تمتن نسيج المجتمع وتحميه من مفسدة الاحتراب الداخلي الممزق للكيان المجتمعي؛

العبرة الثالثة: تحرير الإرادة الشعبية سابق عن كل دعوى قد تحمل في طياتها فرض بديل بدون اختيار مجتمعي حر (تحكيم الشريعة مثلا، أو علمنة الدولة والمجتمع بالقوة)؛

العبرة الرابعة: تحرير إرادة الشعوب تجري لمستقر التنمية والنهضة فلا هي في تقابل تعسفي مع تحرير الأراضي المحتلة ولا تحرير الأراضي المحتلة تناقضها وكل في فلك يسبحون؛

العبرة الخامسة: أولوية تجديد الفكر السياسي الإسلامي بالانتصار الحاسم لأطروحة التعاقد والاختيار الحر ومحاصرة الفكر التراثي للغلبة السلطاني وللتغلب الإكراهي، فكلاهما خصم للفكر التحرري الاختياري الأصيل؛

العبرة السادسة: ثلاث عوائق أساسية تقف حجر عثر أمام تحرر الأمة والشعوب ونهضتهما المأمولة: عائق الاستبداد (الطغاة) عائق التبعية (الغزاة) عائق الغلو( الغلاة)؛

العبرة السابعة: أن عملية التحول الديمقراطي تقتضي القطع مع المنظومة السابقة التي كانت عائقا أمام هذا التحول، وبالتالي فأي رهان للشراكة معها لتحقيق هذا التحول سيغتاله؛

العبرة الثامنة: أن الطائفية المذهبية والعقدية والإيديولوجية بما هي إعلاء من شأن الذات المذهبية أو العقدية أو الإيديولوجية على حساب الشراكة في الوطن هي معيق أساسي لمسيرة تحرير الإرادة الشعبية؛

العبرة التاسعة: أن ربيع الثورات أثبت أن الشعوب لاتواجه فقط بنيات استبداد داخلي بل تواجه مركبا مندمجا من منظومات الاستبداد والفساد والتبعية؛

العبرة العاشرة: الحرص على استقلالية الهبات الثورية عن كل تدخل لأية جهة يؤسس لشروط تحرر راشدة وسليمة.
ماذا عن الحراك المغربي؟

بالنسبة للوضع المغربي فيمكن إجمال الملاحظات التالية:

1. أن الحراك المغربي تميز بكونه كانت هبة شعبية عفوية بداية ومتأثرة بسياقها ثانيا ومؤطرة باعتبارها هبة من أجل تغيير ديمقراطي في النظام والدولة وليس تغييرا النظام والدولة وهو ما أكدته جملة مطالب الحراك الفبرايري من المطالبة بدستور ديمقراطي شكلا ومضمونا وانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية تحت إشراف هيئة وطنية مستقلة وفصل الاقتصاد عن السلطة لضمان منافسة اقتصادية حرة وشريفة بدون احتكار تحت اسم السلطة وإطلاق سراح معتقلي الرأي والعقيدة وإصلاح جدري للإعلام وإبعاد رموز الفساد وناهبي المال العام عن مراكز القرار…

2. أن الحراك المغربي لم يكتمل بفعل عملية الالتفاف على مطالبه والتي أسهمت فيها جزء من النخب السياسية وكذا الدولة (خطاب 9 مارس ومراجعة الدستور المغربي، الزيادة في الأجور، توظيف مباشر للمعطلين، انتخابات سابقة لأوانها، …)

3. أن الوضع الدستوري بعد الحراك ظل في مجمله قائما على نظام الملكية التنفيذية بحيث للملك سلطات واسعة تنفيذية وقضائية وتشريعية، وأهم ملاحظة في ددستور 2011 هو أنه أسس لتراتبية في السلطات وليس لتوزيع متوازن للسلطات بين الملك ورئيس الحكومة (اختصاصات المجلس الوزاري واختصاصات المجلس الحكومي) وأجل تفاصيل عديدة لبعض بنوده إلى غاية المصادقة على القوانين التنظيمية المبينة والمفسرة والمأولة لهذه البنود مما فتح إمكانية التأويل الواسعة لهذه القوانين إلى ما بعد المصادقة على القوانين التنظيمية (الفصل 49 والقانون التنظيمي الذي فسر وبين وفصل في مضمونه ما للملك وما لرئيس الحكومة) مما جعل العديد من فصول دستور 2011 موقوفة التنفيذ وقابلة للتأويل إلى غاية صدور قوانين تنظيمية بشأنها أكثر من 20 قانون تنظيمي أحال الدستور إليها العديد من فصوله للتفصيل في مقتضياتها.

4. أن الوضع السياسي تميز باستمرار إشراف وزارة الداخلية على تأسيس الجمعيات والأحزاب وعلى الانتخابات (قانون الأحزاب السياسية يقنن للعرقلة بمنحه وزارة الداخلية سلطة الإشراف على التوصل بتصاريح التأسيس و سلطة الإحالة الواسعة على القضاء كلما ظهر لها أن ملفا لتأسيس حزب سياسي مخالفته بنود هذا القانون الذي حصر المؤسسين للأحزاب السياسية في المسجلين في اللوائح الانتخابية بينما غير المسجلين لا يحق لهم أن يكونوا مؤسسين لحزب سياسي، علما ان التسجيل في اللوائح الانتخابي لا يتم أوتوماتيكيا عبر بطاقة التعريف الوطنية بل يتطلب أن يتقدم المواطن بتسجيل نفسه لدى مصالح وزارة الداخلية، الإشراف على الانتخابات يجعل من الداخلية محورا في العملية بدءا بتجديد وحصر لوائح الناخبين مرورا بالتقطيع الانتخابي إلى الإشراف على الانتخابات وعلى الإعلان على النتائج…)

5. أن المغرب لازال يحتل 107 في 2015 مقابل 114 في 2014 ضمن تصنيف مؤشر الديمقراطية ومحسوب ضمن الأنظمة الهجينة في تصنيف 2015، 80 ف 2014 و 88 ف 2015 في مؤشر الفساد، 126 في مؤشر التنمية البشرية لسنة 2015، 129 في 2014.

6. أن وجود المغرب في هذا التصنيف ضمن الأنظمة الهجينة يتطلب إقرار شروط انتقال ديمقراطي يفتح البلاد على عهد الدول الناشئة ديمقراطيا، وهي:

شروط موضوعية: منها إشراك كل الفاعلين والقوى الحية في العملية السياسية، إشراف مستقل على الانتخابات، دستور ديمقراطي يسهم فيه المجتمع بكل قواه الحية،

شروط ذاتيـة: وأهمها حصول توافقات مجتمعية بين كل القوى التي لها مصلحة في التغيير الديمقراطي.

7. الحاجة إلى قطب ديمقراطي واسع بالمغرب يجمع كل القوى الحية التي لها مصلحة في التغيير الديمقراطي المنشود، يتأسس على أرضية ميثاق وطني يكون نتيجة حوار وطني مسؤول بين كل هذ القوى.