منتدى العمق

أيها الأصدقاء.. لم يعد هناك صديق

“أيها الأصدقاء لم يعد هناك صديق ، قالها أحد الفلاسفة ، وعاشها كثيرون ممن خذلوا بزيف علاقاتهم الصداقاتية ، مع الآخر ، ولعل القائم هنا يجعلنا نرفض الصداقة لاعتبارين أساسين فإما لكثرة الخذلان ….أو لقيامها على المصلحة الذاتية والانتهازية.

جاء في لسان العرب لابن منظور : الصداقة من الصدق والصدق نقيض الكذب ، وبهذا تكون الصداقة هي صدق النصيحة والإخاء ، والصديق هو المصادق لك، والجمع صدقاء وصدقاء وأصدقاء وأصادق .

تلعب الصداقة دورا أساسيا ، في حياة الفرد والمجتمع ، كونها ذلك الرابط الإجتماعي المكمل لوظائف الأسرة والمدرسة وباعتبارها أيضا ذلك الجزء البارز من نظام العلاقات والقيم الإجتماعية ،التي تساهم في تحقيق توازن المجتمع على رغم اختلاف هذا الأخير عن باقي المجتمعات الأخرى ثقافيا ودينيا .

لقد شغل مفهوم الصداقة على مر التاريخ ، بال العديد من المفكرين والفلاسفة والباحثين على حد سواء ، غير أنه ليس هنالك مفهوم محدد للصداقة ، ذلك أن لكل حقل منطق اشتغاله الخاص ، فكل باحث أو فيلسوف ، ينظر للصداقة تبعا لما قد تمليه عليه تجاربه الخاصة في نظام علاقات معينة ، أو لطبيعة انتمائه الإيديولوجي ، أو لطبيعة المنهج ولآليات اشتغال الحقل العلمي ، الذي يتميز عن باقي الحقول المعرفية والعلمية، بمبادئ ابستيمولوجية ونظرية وميتودولوجية .

يشير أرسطو في كتابه ” علم الأخلاق إلى نيقومافوس” ، إلى أن الصداقة هي حد وسط بين خلقين ، فالصديق هو الشخص الذي يعرف كيف يكون مقبولا من الآخرين كما ينبغي ، أما الشخص الذي يبالغ حتى يكون مقبولا لدى الجميع إلى الدرجة التي تجعله لا يعارض في أي شيء حتى ليسئ إلى الآخرين فهو المساير ، وذلك إن كان يفعل هذا بدون سعي إلى منفعة شخصية …” ، في نفس السياق يضع أرسطو بين أيدينا ثلاثة أسس للمحبة وهي المنفعة واللذة والفضيلة ، حيث يقول أن صداقة المنفعة صداقة عرضية تنقطع بانقطاع الفائدة ، أما صداقة اللذة فتنعقد بسهولة وتنحل بعد إشباع اللذة ، أو تغيير طبيعتها ، بيد أن صداقة الفضيلة هي أفضل صداقة ، وتقوم على تشابه الفضيلة وهي أكثر دواما ، وبحسب نفس الفيلسوف فتصل الصداقة إلى أبهى صورها عندما تتقاطع فيها الأسس الثلاثة ، المنفعة ، واللذة ، والفضيلة ، كما يؤكد أرسطو على أن الصداقة الحقة تقتصر على شخص واحد ، لاعتقاده أن الروابط المتعددة لاتكون بالعمق المطلوب ، فمن الصعب أن يحظى الشخص بحب الكثيرين ويرتبط معهم بصداقة كاملة .

أما الصداقة من منظور علم النفس الحديث، فهي التي تؤدي وظيفتين أساسيتين : تتمثل الأولى في خفض مشاعر الوحدة والشعور باليأس ودعم المشاعر الإيجابية السارة من خلال آليات رئيسة ، وهي المقارنة الاجتماعية والإفصاح عن الذات ، والمساندة الإجتماعية في الميول والاهتمامات والمساندة المادية ، والثانية هي الإسهام في عمليات التنشئة الاجتماعية ، فالإنسان بطبعه الاجتماعي يحتاج إلى الآخر ، ويحتاج أن يتفاعل مع الغير ، وهذا التفاعل الاجتماعي يساهم بطريقة أو بأخرى من تحقيق توازنه النفسي فالاجتماعي .

تكتسي الصداقة ،أهمية خاصة بالنسبة للمراهق بالنظر لتأثيرها الكبير على النمو النفسي وكذا الاجتماعي للمراهق ،الذي لا يشعر بمكانته الحقيقية إلا بين رفاقه ، ويفوق هذا التأثير في الغالب تأثير الآباء والمعلمين ، ولما كان المراهق يشعر بأنه لم يعد طفلا ولم يقبل بعد ، من طرف الكبار كراشد فإنه بحاجة إلى جماعة الأصدقاء التي تفهمه ويفهمها ، ويمارس معها أنشطته المحببة التي تتيح له ، أن يعبر عن مواهبه وقدراته ، وأن يشبع رغبته في الانتماء للجماعة .

يتفق معظم الباحثين في العلوم الاجتماعية ، وخصوصا من انكبوا بالدراسة والتحليل على مقاربة مفهوم الصداقة ، فلكي تنشأ علاقة صداقة بين شخصين أو أكثر لابد من توافر ثلاثة شروط رئيسة : أولها ..أن يلتقي هؤلاء الأشخاص في فضاء معين ، وثانيها أن يحدث تواصل فيما بينهم ثم أن يكون لهذا التواصل مضمون وجداني .

ووجب التمييز بين الصداقة والتقبل الاجتماعي ، فالشخص الذي يتوفر على العديد من العلاقات الاجتماعية ، في مختلف الأماكن والأصعدة ، لايعني أنه وصل معهم جميعهم إلى درجة الصداقة ، بينما الصداقة هي انسجام وتجانس ، قائم على تقبل اختلاف الآخر عقديا واجتماعيا وثقافيا ، قائم على روابط متينة صلبة لا تحركها الأهواء ولا الماديات ، ونتأكد من بنيتها وأساسها القويم مع مرور الوقت وببزوغ الأزمات .

المصـــادر :

د. محمد عباس نور الدين ” قضايا الشباب في المجتمع المعاصر ”.

“الصداقة من منظور علم النفس الحديث سلسلة عالم المعرفة ” د . سعد أسامة أبو سريع . عدد 179.

الصداقة بين أرسطو والغزالي موافقات ومقارنات .

الدكتور عادل حدجامي ” مفهوم الصداقة ” . عبر البرنامج الثقافي مشارف.

* طالب باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *