اقتصاد

دراسة تكشف هشاشة الأبناك التشاركية والتحديات التي تواجهها بالمغرب   

بلغ حجم التمويلات البنكية في قطاع التمويل التشاركي بالمغرب نحو 7.7 مليار درهم، مسجلا بذلك زيادة بنسبة 59 في المائة على أساس سنوي. وبحسب دراسة تحليلية لمؤسسة “فينيوبوليس” حول هذا القطاع، فقد تميز هذا المبلغ المدعوم حصريا بالمرابحات، بتركيز عال للتمويل العقاري والذي يحتكر لوحده أكثر من  88  في المائة من حيث الموارد. ومكنت الزيادة الكبيرة في عدد الحسابات الجارية، التي بلغت  38 في المائة على أساس سنوي وكذلك الإدراج الحديث نسبيا للودائع الاستثمارية، من تعبئة ما مجموعه 2.9 مليار درهم مع زيادة قدرها 19.89 في المائة خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2020. ومع ذلك، تشير الدراسة التحليلية للمؤسسة ذاتها، إلى أن نسبة التحول لا تزال غير متوازنة إلى حد كبير بمعدل تحويل للموارد يفوق 376 في المائة.

القطاع يمتص خسائره

كشف ملخص الدراسة التحليلية للنتائج المالية للقطاع المصرفي التشاركي في المغرب، أنه خلال النصف الأول من 2020، ارتفع العائد الصافي البنكي للقطاع بنسبة 75 في المائة ليصل إلى 140.5 مليون درهم وبدأ القطاع البنكي التشاركي في امتصاص خسائره، حيث انتقل من خسارة 237 مليون درهم في دجنبر 2019 إلى خسارة 207.4 مليون درهم نهاية يونيو 2020 من حيث صافي الدخل، بانخفاض نسبته 11 في المائة، على الرغم من زيادة المصاريف التشغيلية بنسبة 8 في المائة لتصل إلى 315 مليون درهم.

وفيما يتعلق بالتغطية الجغرافية، أوضح ملخص الدراسة التحليلية، أن القطاع البنكي التشاركي يقدم خدماته من خلال 146 فرعا ونقطة بيع متخصصة ضمن الفروع التقليدية، مما أدى إلى تطور سنوي بنسبة 18 في المائة.

وتجدر الإشارة إلى أنه في سنة 2019، تم افتتاح 36 فرعا مصرفيا فقط على المستوى الوطني منها 33 فرعا افتتحت من قبل الأبناك التشاركية. غير أن هذا الأمر يعتبر طبيعيا على اعتبار أن القطاع البنكي التقليدي يسجل منذ بضع سنوات تراجعا منهجيا من حيث فتح الفروع نظرا لاعتماد معظم الفاعلين لاستراتيجيات التحول الرقمي وعلى الانفتاح على قنوات للبيع والتوزيع الرقمية.

حضور هزيل

تبقى هذه الأرقام، عند مقارنتها مع حجم القطاع البنكي ككل، لا تزال صغيرة. وبالفعل لا تزال الأصول البنكية التشاركية تشكل أقل من 1 في المائة من إجمالي أداء البنوك، وتشكل الودائع البنكية التشاركية (الودائع الاستثمارية والودائع تحت الطلب) أقل من 0.27 في المائة من إجمالي الودائع البنكية. وفيما يتعلق بالشبكة البنكية الوطنية التي تضم 6539 فرعا بنكيا، يمثل القطاع البنكي التشاركي 2.23 في المائة فقط.

وضع هش

على الرغم من أن القطاع يظهر معدلات نمو واعدة إلا أنه لا يزال في مهده، حيث لا يزال الوضع هشا للغاية ومن المرجح أن يواجه قطاع التمويل التشاركي الموجة الأولى من حالات التأخر في السداد في الأشهر المقبلة نظرا للوضع الاقتصادي المتدهور والارتفاع غير المسبوق في معدلات الديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها في القطاع البنكي ككل.

بالإضافة إلى ذلك، تشكل الأزمة الصحية خطرا كبيرا على القطاع. ويرجع ذلك إلى عدم وجود التأمين التكافلي، لأنه في حالة وفاة أو عجز زبنائها، سيتعين على البنوك والنوافذ التشاركية إدارة “المخاطر الاجتماعية” للورثة أو المستحقين.

ربحية مهددة

لا تزال البنوك التشاركية تعاني من اختلال كبير في إدارة الميزانية بسبب عدة عوامل، منها المستوى المنخفض للغاية للودائع مقارنة مع حجم التمويلات الممنوحة والتي لا تتجاوز 35.5 في المائة، وهي ظاهرة غير طبيعة، على الأقل في السياق الخاص بالمغرب، حيث تهدد ربحية هذه المؤسسات التي تعتمد نموذج أعمال هيكلي على مستوى مهم من الموارد المجانية.

ومن الآثار المباشرة الممكنة والمترتبة عن هذا، ارتفاع أسعار المنتجات البنكية التشاركية مقارنة بالمنتجات التقليدية في الأفق القريب.

وبالتالي، فإن البنوك التشاركية مدعوة لبذل جهود أكثر في تعبئة المدخرات، لاسيما من خلال طرح عروض “خدمات بنكية يومية” تتسم بتنافسية أكثر مع الاعتماد على الطابع التشاركي الذي يتميز عن العرض التقليدي.

بالإضافة إلى ذلك، يتفاقم الخلل المذكور أعلاه في الميزانية بسبب التركيز العالي التمويل العقاري في محفظة التمويل، والتي تكون مدده طويلة (أكثر من 10 سنوات) في مواجهة موارد ذات آجال الاستحقاق القصيرة (الوكالة بالاستثمار، الودائع الاستثمارية والودائع تحت الطلب) وغياب فعلي لأدوات إعادة التمويل ذات آجال استحقاق أطول مثل الصكوك.

على هذا النحو، فإن إعادة التركيز على قطاعات مثل المهن الحرة والمؤسسات الصغرى، التي يتميز تمويلها بفترات أقصر، تشكل مسارا يبدو أنه قد يمكن البنوك التشاركية من إعادة توازن محتملة لإدارة الأصول والخصوم.

منتجات جديدة

ومن جهة أخرى، تميز أداء القطاع البنكي التشاركي خلال النصف الأول من عام 2020، بإقرار المجلس العلمي الأعلى للعديد من العقود التشاركية مثل الإجارة والسلم ومنتجات الضمان التي قدمتها “سند تمويل”، وهي النافذة تشاركية جديدة لصندوق الضمان المركزي. ولكن، وعلى الرغم من أن هذه العقود، التي تم اعتمادها مؤخرا من قبل المجلس العلمي الأعلى، والتي تم انتظارها بفارغ الصبر، إلا أن بعض الفاعلين البنكيين لا يزالون مترددين في تسويقها بحيث يعتبرون أن هذه المنتجات لا تتماشى مع قدراتها التشغيلية و/ أو فيما يتعلق بنهج المخاطر الذي تتبناه.

ومع ذلك، انتهز الفاعلون الآخرون هذه الفرصة لإطلاق العديد من المنتجات والخدمات الأخرى المشتقة من هذه العقود، لاسيما تلك المخصصة للشركة، مثل تمويل العقود مناقصات القطاع العام وعقود الاستيراد والتحويلات الدولية، والضمانات الإدارية المختلفة، وخطوط تمويل الإنتاج والتشغيل، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال العديد من المشاريع الهيكلية غير مكتملة : كالتكافل وصناديق الاستثمار المتوافقة مع الشريعة والتمويل الأصغر التشاركي وصكوك التمويل والاستثمار، على سبيل المثال لا الحصر.

مخاطر تواجه قطاعا في مهده

قراءة النتائج المالية التي أظهرها القطاع والتحليل الكمي والنوعي للتطورات الأخيرة، وفق تحليل “مؤسسة فينيوبوليس”، تظهر أن تطوير القطاع المالي والبنكي التشاركي لا يزال في مراحله الأولى وذلك على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها الجميع نظرا لكونه ما زال في بداياته، فهو يمر بمرحلة حرجة يجب الانتباه لطبيعتها وإدارتها بكثير من الحذر، خاصة في هذه الفترة من الأزمة الاقتصادية، والصحية. فسواء من حيث الأصول أو الخصوم، فإن البنوك والنوافذ التشاركية ليس لديها حاليا العديد من البدائل ويتعين عليها إظهار الكثير من المثابرة والإبداع لإرضاء زبناء متطلعين ومطلعين، ومواجهة ظروف السوق التنافسية والاقتصاد القاتم. كما أن التزام جميع أصحاب المصلحة من السلطات العامة والقطاع الخاص، شرط لا غنى عنه لنجاح هذا المشروع. ومع ذلك، فإن هذا الالتزام من الجميع، يتطلب تنسيقا حول الرؤية الإستراتيجية للقطاع وأهدافها مما سيمكن الجميع من فهم متطلبات النجاح، وتنزيلها بشكل أفضل في كل مرحلة من مراحل نمو القطاع البنكي والمالي التشاركي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *